نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٥ مايو ٢٠٢٢

الحرب الأوكرانية والديمقراطية في الوطن العربي  

مقال الاسبوع- انتهزت بعض الصحف العربية الحرب الاوكرانية وعدم التزام الحكومات الغربية بالقيم الديمقراطية وحقوق الانسان بالهجوم على الديمقراطية نفسها وترويج الانظمة التسلطية الدكتاتورية. هذا نفاق يفوق النفاق الغربي. السؤال، هل كانت الحرب ستقوم لو كانت روسيا ديمقراطية والتزم الغرب بالقيم الديمقراطية؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1296400

قبل ان يتعافى العالم من جائحة كورونا بدأت الحرب الاكرانية في شهر فبراير الماضي على انها حرب سريعة لمنع اوكرانيا من الانضمام الى حلف الناتو. تطورت الحرب واستمرت لتهدد الامن العالمي والامن الغذائي لدول كثيرة منها دول عربية. تمثل روسيا واوكرانيا اهمية كبيرة للاقتصاد العالمي وبالذات الاوروبي الذي يعتمد الى حد كبير على الغاز الروسي وعالمنا العربي الذي يعتمد على صادرات الحبوب والزيوت.

برزت آراء متعددة لاسباب نشوب الحرب، هناك من يرى بان روسيا شعرب بتهديد عسكري يمثله حلف الناتو على اعتابها. ويرى البعض ان السبب الحقيقي هو التهديد الفكري والقيمي الذي تمثله الديمقراطية والليبرالية الغربية وخطرهما على النظام السياسي الروسي. بعبارة اخرى هو صراع بين النظام السلطوي الروسي والنظام الديمقراطية الغربي. رأي اخر يرى ان الحرب جزء من الصراع الاكبر في العالم بين امريكا التي تصر على المحافظة على النظام العالمي القائم على القطب الواحد وبروز الصين كقوة صاعدة تهدد هذا النظام.

ايا كانت الاسباب فان التاثير الاقتصادي والسياسي الامني على الدول العربية والخليجية كبير. يتلخص التاثير الاقتصادي في ارتفاع اسعار النفط عالميا وارتفاع اسعار المواد الغذائية واسعار النقل لهذه المواد. استفادت دول الخليج من ارتفاع سعر النفط لكنه اضر بالمجتمعات الخليجية والعربية من حيث ارتفاع اسعار المواد الغذائية كونها تاتي مباشرة من دول الصراع. فمثلا الضرر على دول مثل مصر كبير بسبب اعتمادها على القمح الروسي والاوكراني بنسبة تصل الى 90%، تضررت دول عربية اخرى بنسب اقل. قد لا يكون التاثير على دول الخليج على المدى المتوسط كبير كونها احتفظت بمخزون يكفي لمدة عام كما هو منشور. كذلك من الاثار الاقتصادية قد يكون بداية النهاية لهيمنة الدولار على النظام المالي العالمي. فموافقة 540 شركة من عملاء غاز بروم الروسي بالدفع بالعملة الروسية (الروبل) يمثل تحدي لهيمنة الدولار، وربما تهديد لمستوى معيشية الشعب الامريكي على المدى البعيد.

بالنسبة للتاثير السياسي الامني فيتلخص في اضطرار بعض الدول الى اتخاذ موقف من الحرب. تمكنت بعض دول عربية من اتخاذ مواقف حيادية الى حد الان، في حين وقفت دولا اخرى من احد طرفي النزاع. دول الخليج من الدول التي تمكنت من التزام نوع من الحياد. ثانيا اتضح من الحرب عجز الامم المتحدة من ممارسة دورها في وقف النزاعات المسلحة ازاء اصرار الدول الكبرى على التعدي على الدول الاصغر. وقد حدث ذلك في حالة الهجوم على العراق ويتكرر اليوم في الهجوم على اوكرانيا وان اختلفت الظروف والدوافع. ثالثا يرى كثير من المراقبين ان شح المواد وارتفاع الاسعار وانخفاض مستوى المعيشة لكثير من الدول العربية، قد تؤدي الى اضطرابات في عدد من الدول العربية الفقيرة وموجه من العنف والاحتجاجات تهدد انظمتها السياسية واستقرارها الاجتماعي.

غير ان اهم ما اتضح من الحرب هو اولا: ان المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى والحفاظ على النظام العالمي ذو القطب الواحد في نظر القيادات السياسية ومعظم وسائل الاعلام الغربية اقوى من القيم والمبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية الليبرالية التي تحكم العلاقة بين الدول فيما يتعلق باحترام حدود الدول وسيادتها، وكذلك فيما يتعلق بالقيم والمبادئ المتعلقة باحترام حقوق الانسان والمشاركة السياسية الفعالة ضمن نظام سياسي منفتح. ثانيا تعمدت بعض الصحافة العربية تصوير نفاق السلطات الغربية على انه فشل قيم الديمقراطية وحقوق الانسان وانهما مجرد اداة للحكومات الغربية للهيمنة على الشعوب وتغيير قيمهم ومعتقداتهم وليس نظاما صالحا لاقامة المجتمعات المتضامنة والمنتجة فكريا والدول العادلة التي تقوم على مبادئ الشعب مصدر السلطات، المواطنة المتساوية، حكم القانون، حرية التعبير والتنظيم، وحق المشاركة السياسية. وتنكر لكون الفكر الليبرالي هو القاطرة الذي قاد الدول الاوروبية منذ القرن الخامس عشر الى العلم والمعرفة والتطور الفكري والعلمي والديمقراطي واخيرا الهيمنة على العالم.

في الواقع لو نظرنا الى الصحافة الغربية نجد فيها تبرير سلوك الحكومات والانظمة الغربية بغير حق. لكن في نفس الوقت نجد ان الانتقادات التي توجهها هذه الصحافة للنظام الامريكي والاوروبي اشد من الانتقادات التي توجهها صحافة اخرى. فمثلا بينت الصحافة الامريكية اولا: ان امريكا اخطأت في توسع حلف الناتو نحو روسيا. وقارنت بين موقف امريكا عندما وضع الاتحاد السوفيتي صواريخه في كوبا في         الستينات من القرن الماضي، واعتبرت امريكا ذلك تحديا لها وهددت بحرب اجبرت الاتحاد السوفيتي على سحب الصواريخ، واتهمت هذه الصحافة حلف الناتو بالنفاق والمسئولية عن الحرب. ثانيا اشتد مستوى الانتقاد الذي مارسته الصحافة الغربية في المقارنة بين الاحتلال الروسي لاوكرانيا والاحتلال الصهيوني لفلسطين واتهام السلطات الغربية بالنفاق والكيل بمكيالين. بسبب عدم الانتصار للشعب الفلسطيني الذي يقبع تحت الاحتلال لمدة 75 سنة. ثالثا مستوى الانتقاد الذي مارسته الصحافة الغربية لاسرائيل على جريمة قتل الصحفية شيرين ابوعاقلة وفضحت مواقف الدول الغربية وبعض المنظمات الحقوقية والنسوية على صمتهم عن هذه الجريمة المتعمدة. رابعا: نجد ان كثير من اعضاء البرلمانات الغربية رفع صوته تحت قبة البرلمان ليتهم الغرب بالنفاق ومطالبتهم بالانصاف والعدالة للقضية الفلسطينية ورفض معاملة اسرائيل على انها دولة فوق القانون.

لذلك نعتقد ان محاولة الطعن في الديمقراطية وحقوق الانسان في الصحافة العربية هو في حد ذاته نفاق وانتصار لمصلحة الدكتاتورية والتسلط التي تحرم المجتمعات من حقها في المشاركة السياسية والتمثيل السليم المؤثر، وتحرم الانسان من حقوقه الطبيعية في العدالة والحرية. يجب ان ندرك ان قيم الديمقراطية وحقوق الانسان وحريته هي حقوق منحها الله له وليس لاحد الحق في ان ينتزعها منه. وانها تقوم على احترام الانسان الذي كرمه الله.

 السؤال الذي تطرحه هذه الحرب: هل ستقوم الحرب لو ان روسيا كانت دولة ديمقراطية تتمتع بقيم الديمقراطية وحقوق الانسان؟

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *