نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

اصبح طلبة التعليم الخاص يمثلون مجتمع منفصل ومستقل عن مجتمع مدارس الحكومية لمحدودي الدخل. ما نتيجة هذا التقسيم على مستقبل البلد؟ ولماذا أبناء مسؤولين في وزارة التربية والتعليم يلتحقون بالتعليم الخاص؟

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1118782

التعليم هو احد أهم أسس التنمية والحداثة، وقد أولت كثير من شعوب العالم التعليم أهمية كبيرة في مسيرتها نحو التقدم والحداثة بشكل مباشر مثل اليابان وكوريا وسنغافورا، عملت هذه الدول على الاهتمام بالتعليم في جميع مراحله وأعطته أولوية على سائر اهتمامات الدولة. البحرين بدأت التعليم مبكرا وتطور سريعا وخرّج أفواجا من البحرينيين الذين اصبحوا قادة اداريين وعسكريين وأصحاب اعمال ناجحين هذا مع العلم بأن في حقبة الوجود البريطاني كان التعليم يهتم بتخريج كوادر إدارية لإدارة الدولة اكثر مما يهتم بتخريج قيادات ابتكارية وإبداعية.

إلى فترة الستينيات والسبعينيات وحتى بداية الثمانينيات كان التعليم في البحرين حكوميا باستثناء مدارس خاصة بالجاليات الأجنبية. كان الطالب يلتقي بزملاء من مختلف المستويات الاجتماعية. فقد درس في هذه المدارس معظم القيادات السياسية وأبناء كبار رجال الاعمال وأبناء المشايخ والوجهاء، وجلسوا على درج واحد مع عامة الناس، ولعبوا معا في «الفسحة» وتزاوروا في المنازل وأكلوا معا على موائد بسيطة ومتواضعة أو فخمة. وتكونت صداقات ومعرفة بين هؤلاء الطلبة مازالت ماثلة في ذاكرتهم. هذه الزمالة جعلت منهم مواطنين يشعرون بمعاناة الفقراء ويدركون أهمية المساعدة والتعاون الاجتماعي ويشعرون بالانتماء إلى وطن واحد، وتجمعهم عادات وتقاليد وأخلاق وقيم إنسانية وإسلامية. فماذا هو حال التعليم اليوم؟

السؤال الذي طرحته أخبار الخليج قبل فترة هو لماذا يقبل البحرينيون على المدارس الخاصة رغم مجانية التعليم؟ الإجابة عن هذا السؤال أو مناقشته بشكل ادق تكون بطرح سؤال آخر هل كان التوجه نحو التعليم الخاص سياسة حكومية أم انه نمو عشوائي بمبادرات خاصة؟ يقول التقرير المنشور ان الحكومة اضطرت إلى خصخصة التعليم بسبب الضغط على الميزانية والبحث عن مصادر جديدة لتمويل التعليم.

إلى أي حد هذا المنطق مقبول أو صحيح؟ فمثلا التعليم الخاص لم يبدأ مع الازمة الأخيرة للنفط ولم يبدأ مع الازمة الأولى في نهاية الثمانينيات. فقد كان عددها 162 مؤسسة تعليمية عام 2000، وصل العدد اليوم إلى 225 مؤسسة تستوعب في مراحلها الاربع (الروضة والابتدائي والاعدادي والثانوي) سبعة وتسعين ألف طالب. وهذا يساوي تقريبا 40% من الطلبة.

هذه النسبة أصبحت مجتمعا منفصلا، وهذا المجتمع في حد ذاته مقسم إلى مدارس نخبوية لا يصلها الا الميسورون جدا، ومدارس متوسطة المستوى يرتادها ابناء المديرين في القطاع الخاص والعام ومتوسطي رجال الاعمال، ومدارس عادية لباقي الطبقة الوسطى. بعض من هذه الطبقة المتوسطة يعاني ماديا ونفسيا وقد يحرم نفسه من الكثير من مستلزمات الحياة لكي يؤمن رسوم مدارس الأولاد. وهذا في حد ذاته يشكل ضغطا نفسيا على كثير منهم. بالإضافة إلى انه يقسم المجتمع إلى قسم نخبوي يتواصل ويتعارف في معزل عن باقي المجتمع، بالإضافة إلى التقسيمات الأخرى الطبقية والطائفية والعائلية، أي انه زيادة تشظي مجتمعي.

أما المدارس الحكومية فأصبحت للفقراء ومحدودي الدخل وقلة ممن لا يؤمن بالتعليم الخاص ويفضل اختلاط أبنائه بعامة الناس. هذا يعني ان هناك علاقة خاصة تنشأ بين طلبة المدارس الخاصة في غياب تام عن اختلاطهم بأطفال الطبقة الفقيرة والمتوسطة ومحدودة الدخل. كمجتمع هل نعتبر هذا نجاحا أم فشلا؟ ليس هذا فحسب بل ان السكن اصبح مقسما بين بيت إسكان وبيوت نخبوية وبيوت عوائل. ما هي الأسباب التي جعلت أولياء الأمور يختارون التعليم الخاص؟ هل هي جودة التعليم؟ أم البيئة المدرسية؟ أم مجاراة المكانة الاجتماعية؟ أم الخلل في التركيبة السكانية؟

هل تقسيم الناس وفق مستوياتهم المادية ومركزهم الاجتماعي المكتسب من العمل في المجتمع يعتبر معيارا لتقسيم المجتمع إلى طبقات منذ نعومة اظفاره؟ ماذا ستكون النتيجة التي نتوقعها من مثل هذا التشظي؟ نريد إجابة من المختصين الاجتماعيين ونناشدهم تحليل هذا الوضع وتبيان نتائجه المستقبلية.

يقول القائمون على المدارس الخاصة ان المنافسة طورت من مستوى التعليم الخاص ورفعت من مستوى الأنشطة والفعاليات وصقل مواهب الطالب مقارنة بالتعليم العام. وتسعى المدارس الخاصة إلى «تنمية مهارات البحث والفكر الناقد وإلى فهم قضايا العصر بدلاً من الاعتماد على حفظ مواد الكتب البعيدة عن واقع المجتمع»! كما ان المدارس الخاصة تستخدم مناهج دولية معروفة ترفع من مستوى الطالب وتعلمه على طريقة التساؤلات والمشاركة في التحليل وتقديم مقترحات حلول المشاكل والمسائل التي تمس حياة المجتمع، ويشمل مواجهة المشاكل عمليا وليس نظريا فقط. سر نجاح المدارس الخاصة كما يقولون هو التخطيط وحسن التنفيذ واستخدام المراجع والمعدات، ليس في المدرسة فقط ولكن خارج المدرسة كذلك.

الطامة الكبرى ان بعض المدرسين البحرينيين يرسلون أبناءهم إلى المدارس الخاصة وقد يتباهون بذلك. ناهيك عن المسؤولين في وزارة التربية والتعليم وفي الحكومة بشكل عام. لو فرضنا ان الرئيس التنفيذي لشركة سيارات أتى إلى العمل يقود سيارة من مصنع آخر، يا ترى هل سيستمر في وظيفته؟ من المؤكد ان مجلس الإدارة سوف ينهي عقده في نفس اليوم. فكيف لنا ان ننظر إلى مسؤولي وزارة التربية ومسؤولي الحكومة وهم أول من يرسلون أبناءهم إلى المدارس الخاصة وكأنهم غير مقتنعين بالمستوى الذي يقدمونه للطلبة؟ هذا يعني ان الدافع هو جودة التعليم في المدارس الخاصة واختلاف أسلوب التعليم والتفاعل مع الطالب. لماذا لا تستطيع مدارسنا الحكومية تقديم هذا المستوى من التعليم بالرغم من كثرة الحديث حوله؟

كثير من الدول الأوروبية لا توجد بها مدارس خاصة، ويعتبرونها احدى الأدوات التي تخلق عدم المساواة في المجتمع وتقسمه إلى طبقة فقيرة وطبقة غنية. تصبح هذه الطبقة هي القيادات والطبقة الفقيرة تستمر في تبعيتها وفقرها. كما ان هناك سؤالا آخر، ما نسبة الالتحاق بالمدارس الخاصة بحسب المناطق السكانية؟ أي المناطق تلجأ إلى المدارس الخاصة اكثر من المدارس الحكومية؟ للأسف لا توجد دراسات تحلل هذه الحالات ولا هناك من يدرس الضرر على المجتمع وما هي النتائج التي سوف تواجهنا بعد جيل من الآن؟ وما هي خياراتنا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *