نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

يعيش الوطن العربي حالة عدم اليقين وعدم القدرة على تحيد معالم نهضة تخرجه من ازماته وتخلفه .. يعيش صراع على تعرريف الحقوق والمفاهيم التي انتهى العالم منها .. مى يحسم امره؟

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1114182

يعيش الوطن العربي أزمات متعددة منذ انهيار الدولة العثمانية ومحاولات إيجاد هوية مستقلة له. تكالبت عليه الأمم (ليس من قلة ولكن من الهوان). عاش بين الحقبتين (نهاية الدولة العباسية ونهاية الدولة العثمانية) قرونا من التخلف تحت حكم العثمانيين وسطوة النزاعات المحلية والجهل والتخلف. لم يتمكن منذ ذلك الوقت من حسم أمره في أي من القضايا التي واجهته.

استبشرت الأمة خيرا في نهاية القرن التاسع عشر بنهضة فكرية على يد عمالقة الفكر آنذاك أمثال رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده والأفغاني لكنها انتهت بالتوسع في طرح قضايا الإصلاح السياسي والنهضة الشاملة من دون حسم. وبعدها جاءت مرحلة ثانية من الصحوة أسهم فيها مفكرون أمثال طه حسين وغيره انتهت بتكفيرهم لتعرضهم لنقد التراث الجاهلي ومرحلة التدوين الإسلامي في العصر الأموي والعباسي، وتعرض علي عبدالرازق للإقصاء والقمع والمنع. تصدى في الخمسينيات للاستعمار ليعود إلى حالات أسوأ من الاستعمار غير المباشر أو استعمار محلي من قبل قيادات ديكتاتورية متسلطة ومتجبرة استحلت الأمة واستباحت ثرواتها وأمنها واستقرارها.

منذ ذلك التاريخ لم يتمكن الوطن العربي من حسم أمره في ماذا يريد في معظم القضايا التي واجهته منذ مرحلة الاستقلال وبرزت على أنها أدوات ومفاهيم التقدم والتنمية؟ هل يريد الديمقراطية التي يتحدث عنها على جميع المستويات ومنذ الخمسينيات إلى اليوم؟ جميع الأنظمة تتغني بالديمقراطية وما تحققه للمجتمعات من تقدم، لكنهم يرون ان الديمقراطية المطبقة في الغرب لا تناسب دولنا العربية. والبعض حرَّمها على أسس دينية وآخر يرى الحاجة لتكييفها بما يتناسب وقيمنا وتقاليدنا العربية الأصيلة والتعاليم الإسلامية الحنيفة. لكن إلى الآن لم نحسم امرنا في ما هي هذه الديمقراطية التي تناسبنا نحن العرب، وكيف تختلف عما هو مطبق في العالم؟ رفضناها من دون أن نقدم البديل، لم نتفق على كيف تكون الانتخابات النزيهة وكيف تدار ومن يديرها وكيف تحسب النتائج ولا نعرف أي القوى التي تؤثر فيها، هل هي الناخب أم الدولة؟

لم نحسم امرنا فيما يتعلق بحقوق الإنسان ولا بالعدالة ولا بالمساواة، هذه القيم التي تقوم عليها الديمقراطية سواء كان ذلك في الغرب أم في الدين الإسلامي. فهذه قيم إنسانية مستقلة عن الزمن وعن المكان. لكننا نصر على ان الإنسان العربي مختلف عن الإنسان في العالم اجمع. مازلنا نجادل في كيفية تعامل الدولة مع الإنسان ونصنف الناس وفق أصولها وفصولها وعقائدها وميولها السياسية ومدى التزامها بما يتفق عليه الأغلبية، وعلى هذا الأسس تتقرر ما هي حقوقه وكيف يحصل عليها. هل بحماية القانون أم بتفضل من السلطات.

لم نحسم امرنا حول ما هو الفساد وما هو تأثيره على الأمة وعلى قدرتها على التنمية والتخلص من قبضة التخلف والفقر. لن يحدث ذلك مادمنا إلى الآن لم نتفق على ما هو المال العام، فكل يعرفه وفق ما يناسبه ليخرجه من دائرة تهم الفساد. تارة يكون المال العام هو جميع موارد البلاد الطبيعية والمالية وتارة تصبح فقط الميزانيات العامة. تارة نعتبر الرشاوى هي الفساد وتارة تصبح كسب ولاءات وأصوات في الانتخابات، ولا نرى ضررا في المحسوبية والزبونية التي عالجها وجرمها وتخطاها العالم المتقدم منذ قرون.

لم نحسم امرنا حول الفقر والتخلف والجهل وما هو دور المجتمع ودور الدولة في معالجة هذه الآفات الاجتماعية التي تنخر جسد المجتمعات العربية، ولم نتوصل إلى الآن إلى كيفية التعامل معها ولم نحدد على من تقع مسؤولية الخروج من حالة التخلف والجهل. نتائجنا كأمة عربية في معايير التعليم والإنتاج العلمي لا تناسب وحجم الموارد البشرية والمادية المتاحة ولا تتناسب مع حاجتنا للكرامة والتقدير العالمي. لم نحسم أمرنا في معنى التقدم والتنمية، فكل دولة من دولنا العربية تتباهى بما حققته من تقدم وتنمية وفي نفس الوقت ترزح هذه الدول تحت وطأة العجوزات في ميزانها التجاري وحساباتها الجارية مع الدول، عملاتها تكافح كي تحافظ على مستوى صرفها. يتكيف معنى التقدم والازدهار في دولنا بحسب الموقف وبحسب الظروف التي يتحدث فيها هذا المسؤول أو ذاك.

التعليم أصبح لدينا أداة لتكبيل المجتمع وفق متطلبات النظم السياسية وليس وفق متطلبات التنمية. ولم نتفق على كيف نقيم نتائج هذا التعليم، ونصر على جودته في ظل طوابير العاطلين في العالم العربي.

تحدثنا كثيرا عن الأمة العربية والوحدة العربية وعن العمل المشترك العربي وعن التضامن العربي وعن التكامل العربي منذ عقود من الزمن من دون ان نخطو خطوة نحو الاتفاق على ماذا تعني لنا وكيف سنصل إلى الحد الأدنى من التعاون واستغلال الموارد الكثيرة والمهمة التي يتمتع بها الوطن العربي ولم نستغل السوق الكبيرة التي تمثلها الدول العربية في دعم جهود التنمية. لم نحسم امرنا في الحرية الاقتصادية، هل هي مطلوبة أم مرفوضة، نطلبها ونرفض التقيد بها في التنافسية وفي تحديد التعيينات. ولم نقرر بعد ماذا نريد من المواطن وما هي الصفات التي نريدها وما هو منهج التعليم الذي يمكن ان ينمي هذه الصفات ويجعله إنسانا يساهم في تقدم وازدهار بلاده ورفعة أمته.

هذا لا يعني أننا لم نتعامل مع هذه القضايا، فتاريخنا الفكري غني بالنظريات في مختلف المجالات، التي تتحدث في كثير من القضايا وتقدم العديد من التحاليل لكنها في نهاية المطاف تبقى دون تجميع. وكثير من هذه الرؤى والتحاليل والنظريات لم يحصل لها بلورة للخروج ببرامج عملية تحظى بتبنٍ من قبل الأنظمة أو المجتمعات أو القوى السياسية.

فهل المطلوب الآن هو جهد فكري يحسم الأمور أم قرارات سياسية تشرك المجتمعات في حوار يختصر الطريق على الأمة ويجنبها الصراعات والعنف ومزيدا من التخلف والفقر والجهل. المشكلة أن مثل هذه الحوارات تحتاج إلى حرية تعبير وتقبل الاختلاف، فهل من سبيل؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *