نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم د محمد عيسى الكويتي

1 نوفمبر 2021

البطالة والحاجة لسياسة تنموية وعمالية مختلفة

مقال الاسبوع: تمثل البطالة مشكلة اجتماعية واقتصادية وسياسية تؤثر في العاطل نفسيا وترهق عائلته. تتابع الدول مؤشرات البطالة شهريا بانتظام لاهميته وتعمل على خفضها الى اقل حد ممكن. ارقام وزارة العمل عن البطالة تكاد تكون ثابتة بالرغم من الاعداد الكبيرة التي يشعر المجتمع بحجمها. التعامل مع البطالة على انها ارقام فيه تجاهل لمشاعر المواطن والاسرة. خطط التوظيف الى حد الان لم تغير كثيرا، احد الحلول استثمار في الصناعة المتقدمة.

تشغل قضية البطالة المجتمع باسره والحكومة ووزارة العمل بصفة خاصة لما لها من اهمية على حياة الناس وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. وجود اعداد كبيرة من العاطلين في المجتمع مبعث قلق يتحملها الاقتصاد وادارة الاقتصاد بشكل خاص. تضع الدول حلول عدة اهمها التامين ضد التعطل. يتراوح سخاء هذه البرامج وفق رؤية المجتمع للمشكلة وكيف يرون سلوك العاطل وهل التعطل هو خيار يتخذه الفرد ام انه مفروض عليه بسبب الوضع الاقتصادي. فمثلا في بعض الدول الاوروبية وبالذات الاسكندنافية فان العاطل يعتبر مواطن لم توفر له الدولة والمجتمع فرصة عمل وبالتالي تتحمل الدولة والمجتمع مسئوليته الى ان يحصل على عمل. لذلك يمنح العاطل الى حد 90% من راتبة ويتم اعادة تدريبه على مهارات تساعده في الحصول على وظيفة اخرى في سوق العمل.

في جميع الحالات نسبة محدودة من البطالة (2-4%) تعتبر امرا طبيعيا بسبب الدورة الاقتصادية وعملية التسريح والتوظيف الطبيعي. في فترة الركود تتقلص بعض الانشطة فتسرح عمالة، وفي فترة الانتعاش تعيد التوظيف. يستخدم الانفاق الحكومي والمشاريع التي تطلقها الحكومة للتعويض عن ضعف الطلب للتخفيف من اضرار الركود. غير ان هناك اسباب اخرى للبطالة منها عدم تكافؤ فرص العمل المتاحة مع مهارات الباحث عن عمل، او عدم قدرة الاقتصاد على خلق فرص عمل كافية ومتنوعية. بالنسبة لنا في البحرين والخليج عموما لدينا اشكالية اخرى هي وجود العمالة الوافدة التي تخلق نوع اخر من البطالة وهو الناتج من المنافسة الشرسة على الوظائف مما يضغط على الاجور للاسفل من جانب، ومن جانب اخر تجعل العمل في بعض المهن غير مناسب للمواطن وغير مقبولة مجتمعيا. كذلك يفضل اصحاب العمل العامل الاجنبي ليس فقط بسبب انخفاض الاجور ولكن كذلك بسبب عدم تمتعه بحقوق العامل البحريني والاعتقاد بانه يوفر سرية اكثر للشركة او المؤسسة وضمان عدم تعرض المؤسسة للمشاكل العمالية الناتجة من النقابات. سبب اخر اثر بشكل كبير في سوق العمل هي عمليات الخصخصة التي انتهجتها الدولة وتم بموجبها الاستغناء عن العمالة الوطنية.

التعامل مع البطالة على انها ارقام فيه اجحاف بحق العاطلين وعدم الاحساس بمعاناتهم ومعاناة اسرهم بالاضافة الى انها خسارة طاقة انتاجية هامة تمثل اهم موارد الدولة. فكيف يتم التعامل معها يعكس رؤية المجتمع لهذه المشكلة، ونظرته للغاية من التنمية وتقديره لكرامة الانسان وحقه في العمل والحياة الكريمة. والاعلان عن “نجاح البرنامج الوطني للتوظيف في نسخته الثانية” من قبل وزارة العمل (8 اغسطس 2021) يعتبر استباق للاحداث وتقييم ذاتي لا يتوافق مع معدلات البطالة المحسوسة في المجتمع ولا تعززها احتساب عدد الداخلين في سوق العمل وماتعلنه الوزارة من توظيف.

في حوار شامل مع احدى الصحف المحلية بين وزير العمل المشاكل التي واجهتها الوزارة جراء جائحة كورونا واضطرار بعض الشركات تسريح عمالة وطنية بسبب ضعف الطلب على السلع والخدمات. يقول الوزير ان البحرين تجاوزت هذه المرحلة بفضل الاجراءات التي اتخذتها الحكومة، والان الوزارة تحقق معدل 2000 عملية توظيف شهريا وان بنك الشواغر ارتفعت من 1500 الى 5300 شاغر متاح امام المواطنين. وبطبيعة الحال يخطر السؤال ماهي نوعية هذه الشواغر ولاي شريحة من العمالة العاطلة؟

يقول الوزير بانه تم توظيف 12,642 الف باحث عن عمل في النصف الاول من 2021، وفي النصف الاول من 2020 تم توظيف 10,448. الاعلان عن النجاح من قبل الوزارة ينبغي ان يشعر به المجتمع متلقي الخدمة والشباب والاهالي. لذلك حبذا لو ان الوزارة تعلن عن نوعية الوظائف واعداد كل صنف منها. هذا من ناحية ومن ناحية اخرى من الطبيعي ان تقول الوزارة بان الارقام هذه تعد “مؤشرا حقيقيا لحركة التوظيف واستقرار سوق العمل وتوليد للوظائف”. غير ان المؤشر الحقيقي هو كيف يرى المجتمع كفاءة سوق العمل وفعالية جهود التوظيف؟ وكم هي الاعداد التي تدخل سوق العمل ومانسبة ما يتم توظيفهم في تخصصاتهم ونسبة من يتم توظيفهم في تخصصات اخرى احتاجت الى اعادة تدريب؟ وكم هي العمالة البحرينية غير الماهرة التي تم توظيفها؟

احد الحلول للمساهمة في مشكلة البطالة بشكل عام رفع مستوى الاستثمار في الصناعات المعتمدة على التكنولوجيا والمعرفة لكي تفتح مجالا لفرص عمل ذات محتوى تقني وفني وعلمي واجور مرتفعة يستفيد منها المواطن اذا حصل على تدريب على المهارات المطلوبة. هذا التحول الاقتصادي يتطلب رؤية جديدة في المنطقة نتمنى ان تكون خطة التعافي الاقتصادي بداية جديدة في هذا الاتجاه.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *