نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

مقال الاسبوع- الديمقراطية الغربية تشوهت بسبب الضغوط من قبل شركات السلاح والادوية ومراكز قوى صهيونية واصبحت تتصرف على عكس القيم الليبرالية والديمقراطية والانسانية. لكن في نفس الوقت هناك في الغرب من ينتقد بشده هذه الممارسات ويفضحها. هذا التدافع والنقد السجالي هو الذي يعطي الغرب الحيوية والقدرة في الاستمرار في التطور.

الديمقراطية الغربية والمواقف العربية منها

خلقت ازمة او حرب اوكرانيا واقعا تعاني منه معظم دول العالم ومنها دولنا العربية والاسلامية وتاثرت مستويات المعيشة بشكل كبير. تعاني الكثير من الشعوب ارتفاع اسعار المواد الغذائية وزادت اعداد الطبقة الفقيرة ومحدودة الدخل جراء ذلك. بالاضافة الى هذه الاثار الانسانية الصعبة فقد ابرزت الحرب تناقضات فكرية في الغرب وتغافل عربي عن تناقضاتنا الداخلية.

لا يمكن ان نضع الغرب في سلة واحدة. ففي الوقت الذي ندين مواقف وتصريحات الحكومات الغربية نرحب بمواقف وتصريحات كثير من المؤسسات والساسة الغربيين الذين انتقدوا امريكا واوروبا في حربهما الاوكرانية. تركزت الادانة لموقف امريكا التي اجازت لنفسها التهديد بالحرب عندما انتُهك مجالها الامني بالصواريخ السوفيتية في كوبا، والان ترفض نفس السلوك من روسيا. كذلك نرحب بمؤسسات وكتاب ومفكرون غربيون كثر انتقدوا ازدواجية المعايير التي تمارسها معظم الحكومات الغربية في نظرتها للقضية الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، وبين احتلال روسيا لاوكرانيا. ونرحب بالصحافة الغربية التي ابرزت اهم الانتقادات عن السلوك الغربي. فقد كانت هذه الانتقادات حادة وعميقة كشفت مستوى كبير من النفاق وهيمنة مصالح شركات السلاح والمصالح المختلفة على القرار الرسمي وخضوع اوروبا للارادة الامريكية. ومعظم ما نتداوله في صحافتنا هو انتاجهم.

نشرت الصحافة الغربية تباينات في اسباب الحرب، فمثلا يقول فريق بان روسيا تشعر بان وجود نظام ديمقراطي في اوكرانيا يهدد نظامها الداخلي ويمثل تحديا فكريا. اما فريد زكريا (امريكي الجنسية والخبير في العلاقات الدولية) فينظر اليها على انها بداية افول الهيمنة الامريكية، تقضي على العالم القديم الذي يسيطر فيه الاقتصاد على السياسة وان هذه الحرب (الاوكرانية) انهت السلام الامريكي. ويرى ان امريكا خلال الثلاثين سنة الماضية منذ سقوط الاتحاد السوفيتي عملت على نشر وفرض نموذج ديمقراطي يقوم على هيمنة عسكرية وسياسية واقتصادية وايديولوجية. غير ان حرب العراق انهت القاعدة الاخلاقية للنظام الامريكي وما تدعو اليه، ولم يعد بامكان امريكا تقديم نفسها على انها الحامية للديمقراطية الليبرالية والتي في الاساس تقوم على منظومة اخلاقية تعظم من شأن الانسان وحقوقه وحريته. فماذا عن باقي الحكومات الغربية. نقول بان كثير من هذه الحكومات سقطت اخلاقيا بتعاملها مع القضية الفلسطينية بشكل خاص واعتبار الضحية هو المذنب والمشاغب والارهابي. وهناك رأي اخر يرى الحرب على انها صراع بين نظامين في الحكم، النظام الديمقراطي التداولي والنظام الشمولي الابدي.

كذلك نشرت الصحافة المحلية عن باحث امريكي في جامعة شيكاغو يُحمِّل امريكا بالدرجة الاولى (وشركائها الغربيون بدرجة اقل) كامل المسئولية عن هذه الحرب ونتائجها. وهي مسئولة عن تسميم العلاقة الامريكية الروسية لسنوات عديدة، ومسئولة عن الإضرار بالاقتصاد العالمي. يتضح من ذلك ان هناك حوار ونقاش في الصحافة والجامعات الغربية حول اسباب الحرب والكثيرون يحَّملون امريكا المسئولية، ويناقشون كيفية التعامل مع نتائجها وتداعياتها. بعض هذه الحوارات قد تؤثر في النهاية على السياسة الخارجية والداخلية للدول الغربية. في نفس الوقت تتاثر هذه السياسات بمصالح الشركات الكبرى وجماعات الضغط المختلفة. والواضح من الصحافة الغربية ان الشعوب في معظمها تدرك اختطاف ديمقراطيتهم من قبل هذه المصالح.

هذا يستدعي الحرص في التمييز بين الحكومات الغربية المحكومة بالمصالح والصراعات الجيوسياسية، وبين الشعوب الغربية التي رفض معظمها هذا التوجه قبل غيره. فجميعنا يتذكر المظاهرة الحاشدة التي خرجت في معظم عواصم اوروبا ضد الحرب على العراق قبل وقوعها. كذلك علمنا عن تصرفات الحكومات الغربية من انتهاكات حقوق الانسان وانتهاكات حرية الصحافة، وقرأنا الاراء المنددة بالحرب الاوكرانية في الصحافة الغربية نفسها. وقد انتقد كثيرون من المجتمع الغربي علنا قرار حضر الفضائيات الروسية. بل ان الامين العام للاتحاد الاوروبي قال بانه “ليس من حق الحكومات حضر وسائل الاعلام” وان الحضر او النشر من شأن المنظمات المدنية. في حين تصدت جريدة الاندبندت اللندنية للرئيس بايدن في زيارته الاخيرة للكيان الصهيوني باسئلة تتعلق بتجاهله جرائم الفصل العنصري الاسرائيلي ضد الفسطينيين، وابرزت التناقض في مقولته عام 1984 عندما تحدث عن سياسات جنوب افريقيا وجرائمها المشابهة وادانها. كما صنفت جماعات حقوق الانسان الغربية “اسرائيل” على انها دولة تمارس الجرائم نفسها التي ادانها بايدن من جنوب افريقيا. وفي مارس الماضي دعت المنظمة في تقريرها الى معالجة ذلك.

ما يحدث في امريكا بشكل خاص وفي بعض الدول الاوربية، هي ان هناك نفوذ كبير للمنظمات الصهيونية وكذلك الشركات الكبرى وصناعة السلاح في تشكيل السياسات الخارجية الغربية. استجابة لهذه الضغوط تتجاهل الحكومات القيم الليبرالية والاخلاق الانسانية وتتبنى سياسات متناقضة مع هذه المبادئ. واحد الاسباب الرئيسية هو السماح بالمال السياسي لتمويل الحملات الانتخابية دون قيود. هذا الخلل المعياري الاخلاقي للاسف تقع فيه حكومات كثيرة عربية وغربية وشرقية، تتجاهل مبادئ وقيم في تبني قوانين انتخابية وسياسات خارجية وداخلية. معظم هذه الحكومات لا تلتزم في سياساتها بقيم انسانية واخلاقيات ومبادئ مثل حقوق الانسان وحقوق المواطن، وعادة ما تزين بها خطاباتها، بل وتعيبها علنا عندما تُمارس من قبل حكومات اخرى. للاسف ايديولوجيات واصوليات تاخذ من الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان وسيلة للهيمنة وبسط النفوذ، واستغلالها كواجهة للخارج حين تناسبها وتضرب بها عرض الحائط عندما تعترض طريقها. فهل هذا عيب في الديمقراطية والقيم والمبادئ ام انها سلوك بشري تشترك فيه حكومات كثيرة، وهل يجوز شن هجوم على فريق دون اخر؟

يختم الكاتب القدير محمد الرميحي مقالته في الصحافة المحلية (22-7-2022) بالقول “إن كان على العرب أن يختاروا في هذا المعركة الضروس، فعليهم أن يختاروا المستقبل ويحجزوا لهم مكاناً معقولاً بالسير نحو المشاركة وإعلاء حقوق الإنسان والقضاء المبرم على الفساد… تلك أمور لا حلول وسطى فيها، أما إذا اعتقد البعض أن قطب (الشمولية) هو الأقرب له، فذلك قِصر نظر، لأن قانون التطور سوف يقود حتماً إلى (تطور الاقتصاد سوف يقود حتماً إلى تطور سياسي من نوع ما باتجاه المشاركة) قانون حتمي الوقوع”.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *