نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

اهم مؤسسة في الميثاق هو المجلس النيابي والجمعيات السياسية وهما في وضع يحتاج الى تطوير وزيادة صلاحياتهما ليكونا اكثر فعالية. وتطويرهما هو جزء من مسيرة الاصلاح ولا يجب التوقف عنه.

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1111086

انطلق الميثاق الوطني في 2001 بتأسيس مؤسسات واتخاذ إجراءات تنقية الأجواء بعد أحدث التسعينيات المؤسفة ودخلت البحرين بذلك مرحلة جديدة من الأمل في حياة سياسية واجتماعية مثمرة تكمل مسيرة التحديث. كذلك تمخض عن الميثاق مجموعة من القيم والمفاهيم التي بدأت التحول نحو دولة القانون والمؤسسات ووضع اللبنات لحياة ديمقراطية لكي يسهم المجتمع في صناعة مستقبله.

من أهم المؤسسات في المشروع الإصلاحي لجلالة الملك التي أقيمت على اثر الميثاق هو المجلس النيابي والجمعيات السياسية. شكل ذلك نقلة نوعية في المجتمع وفتح آفاق المستقبل. وبالرغم من الخلاف حول دور مجلس الشورى كان المجلس الأول مجلسا حوى جمعيات سياسية وأفرادا على مستوى عال من الكفاءة وحسن الأداء، تجلى في مناقشاته والقضايا التي تصدى لها فاكتسب احترام المجتمع. وكان يمكن لهذا المجلس أن يتطور ويكتسب صلاحيات اكبر، لكن للأسف هذه المؤسسة أخذت في التراجع إلى أن وصل بها الحال إلى ما رأيناه خلال الفترة الماضية من مناقشات لا تجدر بالمجلس مثل مناقشات المكيفات أو المناكفات فيما بين الأعضاء أنفسهم على أمور لا ترقى لأن تكون قضايا اجتماعية أو ذات شأن عام. يحدث ذلك في الوقت الذي يخضع المواطن لوابل من الرسوم والضرائب تثقل عليه معيشته.

في ذكرى الميثاق نرى أن المشروع الإصلاحي بحاجة إلى دفعة قوية لاستعادة التمسك بقيمه. قال المرحوم الشيخ عبدالعزيز بن محمد عن هذه القيم «ليس المهم أن تكون نصوص الميثاق أرقى ما تكون بل المهم أن يكون تبنيها ومدها من جهودكم وأرواحكم حتى تثمر وتزدهر». أول هذه القيم التي أكد عليها الميثاق هو التوافق الوطني في صياغته وفي إقراره. اليوم نرى أن هذا التوافق الوطني واللحمة الوطنية قد تصدعت وتحتاج إلى جهود خاصة لمعالجتها. للأسف لم يبذل المجلس النيابي الجهد المتوقع منه في رأب الصدع بل قد يكون أسهم في زيادته. يوجد حراك تقوم عليه بعض الجمعيات السياسية لاستعادة شيء من اللحمة الوطنية نتمنى له التوفيق.

القيم الأخرى التي وردت في الميثاق منها العدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية الفاعلة والمحافظة على المال العام واعتماد الكفاءة في التوظيف والتعيين جميعها في حاجة إلى تعريف سليم وعمل تشريعي لتكريسها في المجتمع وخلق مؤسسات تنفيذية لتفعيلها، لكن المجلس لم يحقق تقدما مؤثرا تجاه ذلك. قد يستثنى من ذلك مجلس 2002 وإلى حد ما 2006 اللذين استطاعا أن يتناولا قضايا مهمة مثل التأمينات الاجتماعية والأراضي والدفان ولكن لم تسفر هذه الجهود عن نتائج تحافظ على المال العام أو تؤسس لتعامل شفاف معه أو تقوي من صلاحيات المجلس. في حين نجد أن مجلس 2010 تخلى عن أداة رقابية مهمة وهي الاستجواب التي جعلها تصبح شبه مستحيلة وأكمل سلسلة التراجع مجلس 2014 فبعض أعضائه لا يرتقون إلى مستوى التمثيل السياسي للمجتمع والحامي للمال العام.

المجلس اليوم بدأ يفقد هيبته في المجتمع وابتعدت كفاءات كثيرة عن الترشح للانتخابات وتراجعت مشاركة الجمعيات السياسية وكاد المجلس أن يتشكل من أفراد لا تربطهم أهداف أو برامج أو آيديولوجيا تجعلهم يمثلون كتلة يمكن أن تدفع في اتجاه مصالح الناس وتحظى بتأييد مجتمعي يمنحها القوة التفاوضية لتحقيق مكاسب مجتمعية. هذا المجلس بهذه التشكيلة لم يوفق في مناقشة برنامج الحكومة بالشكل الذي يضع معايير واضحة لتقييم الأداء ورصد التقدم في البرنامج، ولم يوفق في التعامل مع تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية، ولم يسع إلى استعادة ما خسر من صلاحيات من المجلس السابق، ولم يتصد لمناقشة القضايا الاقتصادية التي تتعرض لها الدولة من جراء انخفاض أسعار النفط، ولم يحمِ المجتمع من الرسوم والضرائب التي تفرض على المواطن العادي والمجتمع، ولم يقترح تحويل الضرائب على الأثرياء بدلا من المواطن العادي.

هل المشكلة في المجلس النيابي نفسه وتركيبته وصلاحياته ولائحته الداخلية أم في الأعضاء أنفسهم وقدراتهم أم في التعاون بينهم وبين المؤسسات الأخرى مثل الحكومة والوزارات ومجلس الشورى؟ أم أنها خليط من كل ذلك؟ تفكيك هذه المعضلة يحتاج إلى جهود مجتمعية ومشاركة الجمعيات السياسية والشخصيات الوطنية والنخب المتخصصة القادرة على تمثيل المجتمع تمثيلا سليما يهتم بقضاياه الكبرى ويطرحها للمناقشة العلنية في المجلس وخارجه وعلى مستوى المجتمع ليكوّن رأيا عاما جمعيا يرفع من وعي المواطن. هذا الجهد يحتاج كذلك إلى مساهمة الدولة في رفع شأن المجلس والتعاون معه من خلال تسهيل عمل الجمعيات السياسية ودعمها ماليا وفنيا ومعلوماتيا. إن قوة الجمعيات السياسية تعكس قوة المجتمع، وقوة الدولة من قوة المجتمع وإضعافه لا يخدم المصلحة العامة على المدى البعيد حتى وإن بدا في الوقت الحاضر عكس ذلك.

أي تحرك من قبل الجمعيات في اتجاه التنسيق فيما بينها ومآزرة بعضها بعضا لخوض الانتخابات القادمة هو مصلحة وطنية تستحق الدعم، فبدون هذا الحراك سيبقى المجلس مشتتا ضعيفا وأكثر عرضة للتأثيرات الخارجية في وقت تكون الدولة والمجتمع أحوج ما يكونان إلى مجلس قوي مدعوم مجتمعيا يمكنه محاولة إدخال إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية ورأب الصدع في المجتمع ودراسة آثار الضرائب على مستوى معيشة الطبقات المحدودة الدخل والطبقة الفقيرة، وكذلك دراسة آثار قوانين سوق العمل والنظام المرن وقوانين الاستثمار وما يتبعها من رسوم جديدة على المواطن وعلى رجال الأعمال والحراك الاستثماري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *