نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

القمة تثني على المجلس الاقتصادي بما حقق من فرص للشباب في حين ان البطالة بين الشباب وصلت 30% فأي انجاز هذا؟

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1120575

في بيان قمة القدس تطرق القادة العرب إلى قضية التنمية الاقتصادية، وقد أثنوا في الفقرة 28 على ما يبذله المجلس الاقتصادي والاجتماعي من جهود في تطوير التعاون الاقتصادي العربي وزيادة التبادر التجاري وتعزيز الاستثمارات العربية بما يحقق التنمية الاقتصادية وإيجاد فرص للشباب، وتثمن القمة ما تحقق من إنجازات في مجال التنمية المستدامة.

هذه فقرة مفرطة في التفاؤل، وتتحدث عن خلق فرص عمل للشباب. البيانات التي تصدر عن الأمم المتحدة وهيئاتها تقول ان نسبة البطالة بين الشباب في الوطن العربي مرتفعة تصل إلى 30%، وأن دخل الفرد -إذا استثنينا تأثير النفط- لا يتجاوز معدلات الدول المنخفضة الدخل؛ فمثلا تونس التي تعدُّ من الدول المتقدمة عربيا كان متوسط دخل الفرد عام 2009 لا يتجاوز أربعة آلاف دولار، مثله مثل ناميبيا أو جاميكا، وهذا قبل تأثير الربيع العربي وما صاحبه من تعطيل السياحة في تونس. في حين أن دولة صغيرة مثل هونج كونج وصل دخل الفرد فيها إلى ثلاثين ألف دولار.

أما مؤتمر العمل العربي في دورته الـ45 والذي أقيم في منتصف ابريل الحالي فيقول السيد سمير ناس في كلمته في المؤتمر إن سقف التحديات يرتفع ويزداد تأثيرها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ويطالب بتأهيل علمي حديث وتدريب واستنهاض طاقات الشباب، ويرى أن أهم التحديات هي تلك المتعلقة بسوق العمل، وأنه أصبح من الضروري الاهتمام بمخرجات التعليم والتركيز على تدريب الشباب لإنتاج يد عاملة مؤهلة. ويختم كلمته بأن ارتفاع معدلات البطالة التي بلغت 29% عام 2017 بحسب احصائيات صندوق النقد العربي سوف يؤثر على النمو الاقتصادي، ويؤثر على الظروف السياسية المضطربة أصلا. لذلك يطالب بأن توضع السياسات الاقتصادية بناء على هدف تخفيض البطالة وليس بناء على زيادة الناتج المحلي الإجمالي الذي لا يعني الكثير. فهل سيكون لهذا المؤتمر أي تأثير بعد عودة الوفود إلى بلدانهم ومنهم السيد سمير ناس؟

في ضوء هذه التحديات الجمّة والأرقام عن الأداء الاقتصادي العربي نتساءل كيف للقمة العربية ان تثني على المجلس الاقتصادي أو تتطلع إلى زيادة التبادل التجاري؟ كان الأجدى بها أن تطالب بتقليل تبادل الاتهامات وتقليل التدخل في الحروب الأهلية الدائرة في الوطن العربي وإنهائها والإسراع في زرع بذور الديمقراطية والعدالة والمساواة التي سيكون فيها أمل الاستقرار والسلم ومن ثم التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

التحديات الجمّة التي نتحدث عنها وردت في تقرير «التحديات والمخاطر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» الصادر عن (Brookings Centre، 2018)، الذي يتحدث عن الآلام المصاحبة لأحداث الربيع العربي في تونس على وجه الخصوص لكن في دول أخرى كذلك. فليبيا تعاني من التشرذم والصراع المناطقي، وحتى الدول المستقرة مثل دول الخليج فإنها تعاني من تأثير الضغوط الديموغرافية، وتأثير الإصلاحات الاقتصادية الجذرية الضرورية، والصراعات السياسية الداخلية والخارجية. هذه الصراعات لها نتائج سلبية على الاستثمار بشكل عام. غير ان التحدي الأكبر الذي تواجهه أكثر الدول العربية هو خلق فرص عمل وتعميم المردود الاقتصادي ليشمل الجميع وتخفيف المصروفات الأمنية والعسكرية وتوجيهها نحو الاستثمار والتنمية.

في ضوء هذا التفاؤل الحذِر عقدت المنظمة العربية للصناعة والتعدين مؤتمرها في الكويت قبل أيام (24-26 ابريل 2018)، لبحث كيفية تعزيز جهود المنظمة في تحفيز التنمية العربية من خلال الاستثمارات في الصناعة. وبالرغم من مضي ثلاثين سنة على إنشاء هذه المؤسسة (منذ عام 1988) لتحسين نوعية وإنتاجية الصناعة العربية ورفع مستوى الإبداع والابتكار والمعرفة فيها فإن النشاط الصناعي العربي مازال متواضعا. تعمل المنظمة مع وزارات الصناعة والتنمية العربية وبعض المنظمات العربية والآسيوية والدولية. وهذا المؤتمر يحاول ضخ روح الحياة فيها وزيادة الاستثمار لمعالجة قضية البطالة بين الشباب العربي. لكن للأسف فإن هذا الحديث ينتهي بانتهاء وقت المؤتمر وتعود الحياة كما كانت، تهيمن عليها الخلافات السياسية وتمنع أي تعاون أو تقدم تنموي.

يشترك في التفاؤل لعام 2018 معهد المحاسبين القانونين (إنجلترا وويلز) الذي اصدر توقعاته في تقرير نُشر في «أخبار الخليج» عدد (18 مارس 2018)، يقول إن «الشرق الأوسط سوف ينمو بواقع 2.8% مقارنة بـ1.1% في 2017، لكن هذا التفاؤل يشوبه الحذر بسبب البيئة السياسية المضطربة». غير ان هذه التوقعات لا تعتمد على زيادة الإنتاجية في الصناعة أو الأداء الاقتصادي بقدر ما هي نتيجة توقع ارتفاع أسعار النفط فضلا عن السياسات المالية التوسعية (زيادة السيولة) وزيادة الإنفاق الحكومي وتحسن الأوضاع الأمنية.

يشترط هذا التفاؤل الإصلاحات الضرورية لتحقق هذا التحسن، أول هذه الاشتراطات هو الحد من البطالة المرتفعة وهذا يحتاج إلى سياسة موجهة عمالية وإحلال المواطن محل الأجانب وزيادة الاستثمار في المشاريع التي تتناسب مع طموحات المواطنين الوظيفية. ثانيا: تعزيز المنافسة النزيهة في تكافؤ الفرص وفي التوظيف في الكوادر الإدارية والفنية. ثالثا: تحسين التشريعات الاستثمارية وترسيخ الحقوق القانونية وحقوق الملكية وحفظ المال العام. رابعا: الاستثمار في التعليم وتدريبية المواهب الشبابية. خامسا –بالنسبة إلى الخليج- التعامل مع تأثير ارتفاع مستوى المعيشة بسبب فرض ضريبة القيمة المضافة ورفع الدعم عن الوقود والكهرباء وزيادة الرسوم على الشركات والعمالة الوافدة، وارتفاع كلفة الإنتاج واحتمال ارتفاع سعر الفائدة الأمريكية وآثار التضخم الذي قد يصل إلى 4% بعدما كان 0.3% عام 2017. كل هذه التحولات والتحديات تتطلب إصلاحات عميقة على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي وليس فقط الجانب العسكري والأمني، فهل نحن مستعدون؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *