نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

“قانون التسامح الديني” و قبول الاختلاف

قاقون التسامح فرصة لتعريف التسامح وربطه بحق الاختلاف ومساءلة المسلمات البشرية التي صاغتها القرون الثلاثة الاولى ومراجعة اصول التطرف والعنف والكراهية في التراث. ما قاله سمو الامير محمد بن سلمان فيما يتعلق بالتراث له اهمية كبيرة في استعادة العقلانية واعادة فهم التسامح وازدراء الاديان مما يستوجب اعادة تعريفهما والتفريق بين الدين والتدين، ما قاله يدعم التيار التنويري الذي يجتاح المنطقة العربية وبالذات شمال افريقيا.

في خطاب جلالة الملك بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو 2021) وجه جلالته بوضع “قانون التسامح الديني” لمكافحة خطاب الكراهية والتطرف وازدراء الاديان في وسائل التعبير عن الرأي بجميع صوره بما يدعم الجهود الوطنية في نشر قيم الاعتدال والتسامح والسلام والحوار بين جميع الاديان والثقافات والحضارات والتصدي للافكار المتشددة المغذية للعنف والارهاب والتي هي نتاج التعصب والتصلب الفكري.

تكريس هذه القيم الانسانية في المجتمع والتقدم بها يقوم على تعاون اكثر من جهة. الدولة من جهة والمجلس التشريعي والمجتمع المدني والصحافة من جهة ثانية. تكريس هذه القيم ينبغي ان يوجه نحو تنمية الفكر النقدي وقبول الاختلاف سواء في التعليم او في الصحافة ورفض خطاب الكراهية والتعصب في الاراء والتاويلات والادعاء بامتلاك الحقيقة. يقوم الفكر السائد على ان هناك مجموعة من المسلمات التي راكمها الفكر البشري الديني والاجتماعي والسياسي منذ قرون لا يرتقي اليها النقد، والاهم اننا البسنا هذا الفكر البشري واجتهاده ثوب من القداسة نرفض اعادة التفكير في تأويلاته واجتهاداته باستخدام المعرفة والعلم الحديث. وهذا الرفض هو مصدر الخلافات والصراعات الدينية والتعصب في معظم دول العالم.

مهمة اعداد قانون التسامح الديني لن تكون سهلة، واول جوانب الصعوبة هي في تحديد القضايات والمشاكل التي يسعى القانون لمعالجتها. هل هو فقط لرصد الحالات التي تصنف على انها عنف وكراهية والتعامل معها قانونيا او انه يسعى الى محاولة تحديد وتغيير المرتكزات الفكرية والثقافية لهذا السلوك المتطرف ومراجعة اصوله ومنابعه في الفكر التراثي الذي يغذي هذه الحالات. هل نحن بصدد البحث عن تاثير مثل هذا التعصب على الانتاج الفكري الحر وعلى حيوية المجتمع في مناقشة القضايا الفكرية العلمية والدينية والاخلاقية والثقافية وغيرها، وتشجيع الابداع والريادة والابتكار. ام نسعى فقط الى عدم التعرض لافكار الاخرين ومعتقداتهم. وما ذا نعني بالضبط بازدراء الاديان؟

مفهوم التسامح يجب ان يشمل ليس فقط التسامح مع الاديان الاخرى ولكن كذلك التسامح مع الذات وقبول الاختلاف ضمن الدين الواحد ومدارسه الفقهية المختلفة التي تقوم على فكرة ان “كل فريق بما لديهم فرحون”. الاختلافات الفقهية هي كذلك نابعة من نفس المشكلة التي تصنف على انها كراهية الاديان. فمستوى الخلاف في بعض جوانبه خرج عن كونه خلاف فقهي يصيب ويخطئ الى خلاف عقائدي في نفس المدرسة الفقهية، كل فريق يتهم الاخر في عقيدته بسبب التوسع في مفهوم العقيدة واخراجها عن البساطة التي وصفها الله سبحانه “… من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا” البقرة 62 وكذلك التوسع في تحريم ما احل الله.

مهمة صعبة امام المشرعين في وضع هذا القانون ونرى الاخذ بالمتغيرات التي تحدث في العالم على المستوى التنموي التي تجد ان هناك الكثير من التحديدات الفكرية والثقافية التي تعترض طريق التنمية ناتجة من الفهم الضيق للدين والتدين والتراث ووضع الكثير من المسلمات البشرية التي تحد من القدرة على التفكير الحر. لا بد من التعامل مع هذه المسلمات البشرية لخلق مجتمع يتمتع بحرية فكرية وثقافية تساعده في خوض التنافس العالمي القائم على المعرفة والابتكار والابداع. وفي هذا الصدد يجري الان حوار في المجتمع العربي بشكل عام يؤطر لمتطلبات فكرية لخلق تيار ينادي بحوار ثقافي مستنير مع العالم يسهم في رفع مستوى جودة الحياة.

يؤكد هذا التيار على اهمية الاجتهاد وعدم اعتماد التفسيرات والاراء الفقهية والاحاديث الاحاد على انها مصدر لا يقبل التحديث وفق المعطيات الجديدة والادلة التي تبرز من العلوم والثقافة والمعارف الحديثة. ويدعو الى الاجتهاد والاعتماد على النصوص الواضحة في القرآن والحديث المتواتر، والمتفق مع روح القرآن وفق الغاية الكبرى وهي التوحيد والعدالة بين البشر واحترام فردانية الانسان. وكل ما عدا ذلك هو جهد بشري منقول الينا وفق اجتهادات رجال اجلاء اجتهدوا قدر طاقتهم ضمن ما توفر لهم من معطيات معرفية وعلمية وضمن ظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية لا بد وأن اثرت في انتاجهم الفكري ولم يدَّعوا العصمة لانفسهم. وعلينا ان نضيف اليه ونراجعة وفق ما يتوفر لدينا اليوم من معارف وعلوم وتقنيات حديثة. وهكذا تتراكم المعارف ولا تجمد العقول عن الابتكار. ويضيف هذا التيار من الشباب باهمية عدم الالتزام باي مدرسة معينة او بعالم معين يرفعه فوق البشر، ويجعلونه وصيا على الدين وعلى الفهم وعلى مستقبل الامة.

هذه المقاربة هي ما نحتاج اليها في وضع القانون الجديد وهو عدم تقديس البشر ومراجعة كل اقوالهم لنتمكن من صياغة قانون بروح العصر يسهم في تحرير الفكر والابداع وفي نفس الوقت يحمي من التعدي على الاديان واحترام الاختلاف بين المدارس الفقهية على انه رحمة. وتحقيق ذلك يتطلب اشراك مفكرين حداثيين وليس فقط رجال دين لضمان عدم التوسع في مفهوم “ازدراء الاديان”. يرى البعض لو ان الفقهاء الاجلاء خرجوا من قبورهم ورأو التزامنا بنصوصهم واغلاق عقولنا على الاجتهاد ورفعناهم فوق النقد وفوق البشر لعارضونا. لا توجد مدرسة ثابتة والفتاوى حسب كل زمان ومكان. قانون مكافحة الارهاب والتطرف ينبغي ان يكون بمستوى الحاضر ومتطلباته ومتسق مع الحاجة الى الفكر الحر والقادر على المنافسة في عالم لا يعترف بعصمة المسالمات البشرية ولا يقر بالجمود العقلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *