نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

أضواء على مناقشة «الضرائب» في زمن الكورونا

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٢ أبريل ٢٠٢٠ – 02:00

في ضوء ما تمر به البحرين والعالم أجمع من جائحة كورونا أصبح من الضروري تكاتف المجتمع لتجاوز أثرها على الناس وخصوصا الفئات الضعيفة في المجتمع وصغار التجار الذين تضرروا. في ضوء ذلك تقدم ثلاثة من النواب باقتراح بقانون حول فرض «ضريبة الدخل على المؤسسات والشركات التجارية»، على أن تصرف ضمن مصروفات «القطاع الاجتماعي». وبموجب التشريع تفرض الضريبة على البنوك والمؤسسات المالية بواقع 5% من صافي الأرباح، وبالنسبة لشركات الاتصالات وشركات التامين 3%. وبواقع 2% على الأشخاص الاعتباريين. تعفى من الضريبة المؤسسات الحكومية والمنظمات الأهلية غير الربحية والشركات التي يقل صافي أرباحها عن 50 ألف دينار.

بالإضافة إلى ذلك اقترح عدد آخر من النواب تعديلا على قانون الضمان الاجتماعي يقضي بخصم 1% من أرباح الشركات التي يزيد دخلها السنوي على خمسة ملايين دينار، وذلك لتمويل صندوق الضمان الاجتماعي، ويقترح التعديل دفع ألف دينار لكل أسرة يقل دخلها عن «حد متطلبات المعيشة». تأتي هذه الاقتراحات على خلفية أن قطاعا من المجتمع يشعر بأن الشركات والمؤسسات قصرت في دعم جهود الإنفاق على مشاريع وبرامج حماية المجتمع والاقتصاد من آثار وباء كورونا. 

نتفق مع النواب أننا نمر بمرحلة ليست عادية تحتاج إلى تكاتف الجميع. لكن مثل هذه التشريعات كان من المفترض أن تطرح نتيجة لدراسات مستفيضة عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي بشكل عام وتحديد مستويات المعيشة اللائقة وكيفية تمويلها وأن تكون الضرائب أحد الخيارات التي تدرس. 

أما أن تأتي الضرائب متزامنة مع جائحة كورونا وكأنها علاج لوضع نأمل أن يكون مؤقتا، وليس نتيجة توجهات اقتصادية تنموية ونقاش وحوار مجتمعي تشترك فيه الأطراف المعنية للخروج بحلول طويلة المدى للوضع الاقتصادي وللوضع المالي والنقدي بشكل عام.

مع أخذ هذه الأمور في الاعتبار نرى أن الضرائب هي الحل المستقبلي وهو ما تقوم به جميع الدول منذ قرون، وهي الطريقة الوحيدة المتاحة لهم لتمويل الإنفاق الحكومي على الخدمات وإدارة المجتمع وحمايته. ولقد تأخرت دول الخليج في الأخذ بفرض الضرائب لعدة أسباب، منها الفائض المالي المتوافر من النفط. وبما أن الموضوع تم طرحه، ونشكر النواب على ذلك، فإن السؤال الآن: من يدفع الضرائب؟ وكيف تدار الأموال؟

بالنسبة لمن يدفع ضريبة الدخل نجد المقترح يخص البنوك وشركات الاتصالات التي تقل أرباحها عن خمسين ألف دينار، وبالنسبة للشركات التي تقل أرباحها عن خمسة ملايين يتم خصم 1% للضمان الاجتماعي. لا يقول المقترح لماذا تم اختيار هذه الأرقام؟ ما المبرر لوضع هذا الحد؟ والسؤال الأهم: لماذا تم اقتصار الأمر على البنوك وشركات الاتصالات؟ دخل الشوريون في مجادلات ليقول أحدهم لماذا لا تفرض 10% على أرباح البنوك؟ وآخر يرى أن يتم دعم المهن الحرة من شركات البورصة. 

ردة فعل التجار ورجال الأعمال لم تكن أقل تسرعا، فقد اعتبر البعض أنها ستضر بالتنافسية وتضعف الاقتصاد. وآخر يرى أنها سوف تطرد رؤوس الأموال الأجنبية و يرى أنه لا جدوى منها في تنويع مصادر الدخل ويرى أن ضريبة القيمة المضافة ومساهمة بعض الشركات التطوعية في الأعمال الخيرية تغني عن الضريبة. ويرى أن الرسوم والضرائب غير المباشرة على التجار أثقلت كاهلهم ولا يتحملون أكثر من ذلك. وهناك من يرى أن فرض الضرائب أمر غير صحي!!

لا نعرف سبب ذلك ولا لماذا تطبق دول العالم أمرا غير صحي؟ وأضاف قائلا: إن ذلك يضر التوازن والتنافسية بين الشركات العاملة في البحرين، ولم يبين كيف ستتضرر شركة دون أخرى من الضرائب في نفس السوق؟ 

أولا: للأسف أن يطرح موضوع الضرائب بهذا الشكل المتسرع وغير المدروس وكأنه ردة فعل في وقت حرج. يعزز هذا التسرع والظرفية اقتراح أحد النواب التبرع براتب ثلاثة شهور بدلا من الضرائب. ومع ذلك فإن بعض التجار رأى أن هناك حسنات وهناك مخاوف ولا بد من دراسة المقترح بشكل مستفيض.

الدراسة المتأنية ضرورية لكن لا نرى أن التأثير على التنافسية سيكون حتميا، فجميع دول العالم تنافس في الأسواق وتستقطب ما يزيد على 80% من الاستثمارات مثل دول أوروبا وأمريكا، وجميعها تفرض ضرائب بنسب عالية جدا مقارنة بما يطرحه النواب. الواقع أن الشركات التي تحقق أرباحا هي التي تدفع ضرائب، وهذا لن يضيرها مادامت الأرباح متسقة مع نسب العائد على الاستثمار. ونرى أنها أقل ضررا من الرسوم الحالية التي تدفعها الشركات الرابحة والخاسرة.

القضية الرئيسة التي وردت من هذا السجال هي أن المنطقة لا تفرض ضرائب وبالتالي فان اعتماد الضرائب في دولة واحدة سوف يضر بالآخرين. يتبنى هذا الموقف جمعية رجال الأعمال. نرى أن هذا الخوف مشروع ويستوجب تعامل دول الخليج مع الضرائب بشكل جماعي كما تعاملوا مع ضريبة القيمة المضافة، ويتم التطبيق وفق ظروف كل دولة، لكن لا نرى انه بالضرورة لا يمكن معالجته على حدة.

القضية الثانية التي تستدعي الانتباه هي أن لكل قرار اقتصادي آثارا جانبية غير مقصودة (unintended effects) ولا يستثنى من ذلك قرارات الضرائب. وبالتالي فانه من الممكن أن تقود إلى سلوك مضاد من الشركات يُمَكنها من التلاعب وتجنب دفع الضرائب، لذلك يجب دراسة قانون الضرائب بشكل أكثر دقة وشمولية ووضع الاحتمالات للممارسات المضادة من الشركات. أما أن ترفض الضرائب مقابل حث الشركات على القيام بمساهمات اجتماعية كما يرى احد المتدخلين، فهذا غير ممكن الاعتماد عليه في تخطيط مرتبط بمعيشة الناس، حتى وإن تم ربطه بأفضلية الحصول على مناقصات المشاريع الحكومية. فما هو رأي الاقتصاديين في الموضوع؟ هذا ما نناقشه في مقال آخر.

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *