نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء 2  نوفمبر 2022

مقال الاسبوع –المجلس النيابي يمثل بذرة الديمقراطية، مصلحة البلد ان يكون المجلس قوي والحكومة قوية، قوة المجلس من قوة المجتمع الذي يقوى بتنظيماته المدنية ونقاباته العمالية وجمعياته السياسية والمهنية ووعي افراده السياسي ولا مستقبل للمجلس بدون ذلك.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1314367

اولويات العمل البرلماني القادم

مساهمة من المجالس الاهلية في الحملات الانتخابية وفي تطوير الوعي السياسي واستخلاص المبادئ والاسس لتطوير التجربة الديمقراطية، نظم مجلس الدكتور محمد الكويتي ندوة يوم الاثنين 24 اكتوبر 2022 بعنوان “اولويات العمل البرلماني القادم”، قدمها فضيلة الشيخ الدكتور عبداللطيف المحمود رئيس الهيئة المركزية بتجمع الوحدة الوطنية وسط حضور مميز من المترشحين والناخبين من الجنسين.

تحدث فيها فضيلته عن الديمقراطية بشكل عام بوصفها نظام حكم سياسي تطور عبر التاريخ الى ان وصل الى ماهو عليه اليوم ليكون افضل نظام سياسي الى حد الان يقوم على مبادئ واسس اهمها التوازن بين السلطات وحماية الحقوق والحريات العامة وضمان مشاركة مجتمعية في صنع القرارات المتعلقة بادارة البلاد من سن التشريعات ومناقشة القضايا التي تهم حاضر ومستقبل الدولة والمجتمع.

الديمقراطية او التحول الديمقراطي هو مسار يتطور وفق متطلبات المجتمع مع الالتزام بقيم المواطنة المتساوية ومبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرض. ذكر فضيلته بعض الشروط التي يرى توفرها في العمل الديمقراطي سواء كان من قبل المجالس النيابية او الحكومات، منها صدق النية وسلامة التطبيق، كفاءة الحكومة وممثلي الشعب، وضوح الحقائق وتوفر المعلومات، الممارسة المنضبطة، والوعي الشعبي للمارسة الديمقراطية واخذ الحق. ويكون ذلك ضمن قيم اخلاقية وواعز ديني وادراك بان عمل المجلس ليس تنفيذيا.

ويواصل فضيلته بان تطوير العملية الديمقراطية، بل والعمل السياسي وادارة البلاد، تحتاج الى حكومة قوية ومجلس نواب قوي. قوة الحكومة تكمن في سلامة اداء اجهزتها في تنفيذ السياسات وتطبيق القوانين ليسود حكم القانون على الجميع، اي ان الحكومة تقوم على جودة المؤسسات والاجهزة البيروقراطية ومدى استقلالها عن التاثيرات السياسية واي اعتبارات اخرى في نظام عملها وفي تنفيذها للسياسات وتطبيقها للقوانين وخضوعها لمبادئ الحوكمة الرشيدة من شفافية ومساءلة وتقييم اداء متعدد الجوانب واتاحة هذه المعلومات للمجتمع. ولتحقيق ذلك عمدت الديمقراطيات العريقة الى فصل الجهاز البيروقراطي عن الجهاز السياسي في الحكومة لجعل المعلومات متوفرة للجميع وفق قوانين تقرها البرلمانات.

اما المجلس النيابي فيستمد قوته من عدة مصادر، منها وجود اعضاء (نواب) مقتدرين واكفاء يتمتعون بوعي سياسي وحس وطني ويؤمنون بوحدة المجتمع واستقلالية البلد. فالنائب يتعامل مع قضايا هامة تتطلب منه حد ادنى من التاهيل العلمي والمعرفي والاندماج المجتمعي والوعي السياسي وحد ادنى من التعليم (ثانوية عامة مثلا) وتزكية مجتمعية. فهو يتعامل مع قضايا تتعلق باقرار الميزانية العامة والبرنامج الحكومي والدين العام وقضايا اجتماعية مثل البطالة وبحرنة الوظائف والضمان الاجتماعي وقضايا المتقاعدين، بضمان حد ادنى من الدخل لعائلة المتوفى حتى وان كان معاشة التقاعدي اقل من هذا الحد الادنى. كذلك يتعامل المجلس مع قضية جودة التعليم والصحة والاسكان وتنظيم المجتمع وحرية الصحافة. بالاضافة الى تعامله مع قضايا هامة ذات طبيعة سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية تعتمد على مستوى عالي من الوعي السياسي والتدريب العملي الميداني في المنظمات الاهلية والجمعيات السياسية. من هذه القضايا سن تشريعات تنظم الحياة العامة وحماية الحقوق والممتلكات وتحقيق التوازن بين مختلف المصالح في المجتمع، وفي كل ذلك عليه ادراك مآلات هذه التشريعات والسياسات. كما تقع عليه مسئولية الرقابة على المال العام واوجه انفاقه من منطلق المصالح المختلفة.

المصدر الاخر لقوة المجلس يكمن في اجراء تعديلات ترفع مستوى الصلاحيات والادوات المتاحة والمستمدة من الدستور واللائحة الداخلية والقوانين والانظمة الناظمة لعمل المجلس والعملية الانتخابية، خصوصا وان المجالس السابقة فرطت في بعض من هذه الصلاحيات. والاهم في تقوية المجلس تكمن في تكوين المجلس نفسه المؤلف من اغلبية مستقلة يصعب عليها العمل الجماعي. هذه البنية اضعفت المجلس الى حد كبير. اتضح من تجارب الدول ان قدرة المستقل محدودة مقارنة بقدرة الجمعيات السياسية والتنظيمات المدنية والتجارية التي تمتلك امكانات اكبر والتزام فكري واستمرارية اطول. لذلك وجود الجمعيات السياسية مع نسبة من المستقلين يرفع اداء المجلس، وهذا مسئولية المجتمع والمجلس نفسه.

الخلاصة ان العمل السياسي هو عمل جماعي منظم، ومن الصعب تقوية المجلس بدون تنظيمات المجتمع المتمثلة في جمعياته السياسية والمدنية ونقاباته العمالية ومؤسساته التجارية. الديمقراطية وكذلك المجلس النيابي يحتاج الى تطوير مستمر لا يتوقف والى عمل مجتمعي وتفاعل يرفع من مستوى العملية الديمقراطية وفعالية المجلس. لذلك تحتاج هذه العملية الى دعم الدولة والمجلس بتخصيص قدر معقول من الدعم المادي من الميزانية العامة لمنظمات المجتمع المدني. تحميل المجلس مسئولية تطوير مسار العملية الديمقراطية ينسجم مع ما ورد في ديباجة الدستور، الذي يُحمِّل المجلس تطوير العملية الديمقراطية والارتقاء بها ليتمكن من خدمة المجتمع في تحقيق تطلعاته ومساعدة الحكومة في تجويد عمل المؤسسات والاجهزة الرسمية ورفع قدراتها من خلال الرقابة على الاداء وحماية المال العام. لذلك فان من اولويات العمل النيابي في المجلس القادم العمل على استرجاع الصلاحيات التي فقدها برلمان 2014 و2018 وتطويرها لكي يحقق المجلس رؤية جلالة الملك وتطلعات المجتمع في التقدم بالعملية الديمقراطية وخلق التوازن الهام في العمل العام بين السلطات. وسيكون ذلك في مصلحة المجتمع وكذلك مصلة الدولة والحكومة. خصوصا بعد ان ثبت ان تشكيل كتل نيابية بعد الانتخابات لم تحقق النجاح المتوقع منها ولا التماسك الفكري المطلوب ولا الالتزام بمبادئ مشتركة. لكن والحالة هذه هل يمكن تشكيل كتلة وطنية في المجلس القادم؟

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *