نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

أين المواطن العربي في المعادلة؟

تاريخ النشر :٥ مارس ٢٠١٤  

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي  

مقال اليوم- تحليل مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية في تحليله للأوضاع العربية ذكر كل التاثيرات الخارجية واغفل معاناة المواطن 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13130/article/10334.html

في دراسة لمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية حول عدم الاستقرار فيالشرق الأوسط عزت ذلك إلى ستة عوامل أولها موقعها الاستراتيجي؛ ثانيا غنىالمنطقة بمصادر الطاقة؛ ثالثا وجود إسرائيل؛ رابعا: كون المنطقة في المجالالحيوي للأمن القومي الأوروبي؛ خامسا بروز قوى إقليمية في المنطقة لهاطموحاتها في القيام بأدوار إقليمية تحقق لها الهيمنة والنفوذ؛ وسادساالصراعات الداخلية سواء الطائفية او العرقية الناتجة عن «تدخلات القوىالكبرى في المنطقة من ناحية، ومن ناحية أخرى ناتج عن سياسات قوىإقليمية». يرى المركز ان هذه العوامل تسبب عدم الاستقرار وتجعل دول المنطقةأمام تحدي الحفاظ على كيانها ووحدتها الداخلية. 

لا شك ان هذه عوامل وجيهة لكنها جميعا خارجية وتضع اللوم على الآخر، وكأنالأنظمة والشعوب ليس لها إرادة ولا دور يمكن من خلاله ان تؤثر في نتائج مايحدث. لم تضع الدراسة أي لوم على الدول والأنظمة الحاكمة نفسها التي قدتكون ساهمت في تكريس التبعية وتَصاعُد موجة الطائفية. تُرجع الدراسةالصراع الطائفي إلى سببين فقط الأول هو تدخل الدول الكبرى في المنطقةوالآخر هو سياسات قوى إقليمية. ولم يرد أي دور للقيادات السياسية والأحزابالدينية الداخلية والثقافة المجتمعية في تأجيج البعد الطائفي في جميع القضاياالوطنية. 

من العوامل التي ذكرها التقرير حالات العراق وسوريا ومصر وليبيا واليمن علىانها بؤر توتر نتيجة احداث الربيع العربي. غير ان معظم الدراسات الرصينةتشير إلى ان التوتر جاء نتيجة أوضاع داخلية صعبة عانى منها المواطنوالمجتمع، استغلتها جهات ودول كثيرة لتوجيهها لخدمة مصالحها، لكنهابالدرجة الأولى من فعل أنظمتها الحاكمة وثقافة شعوبها. اما حالة العراق فقدلعبت بعض الأنظمة العربية دورا كبيرا في توصيله إلى هذه الحالة من الهيمنةالإيرانية. وبالتالي فان اعتبار هذه النتائج على انها سبب عدم الاستقرار لاتسنده ادلة مقنعة. في الواقع ان من خلق البيئة المناسبة لإحباط المواطنوايصاله إلى درجة الياس والخروج في الميادين هو المتسبب وهو عامل هام فيعدم الاستقرار والتأزيم. وبالتالي فان هذه العوامل ستبقى قائمة ما دامتالأنظمة تسير على نفس النهج المتجاهل للمواطن والمجتمع. 

لم تتطرق الدراسة من قريب او بعيد إلى المواطن العربي الذي هو احد المتأثرينوالمؤثرين في الاستقرار من عدمه، ولم تأتِ الدراسة على ذكر مصلحة المواطناو تضرره من هذا الصراع وكيف انه يُستخدم كأداة في الصراع السياسيالديني، ولم تذكر الدراسة طبيعة العلاقة الصحية بين الفرد والدولة والمجتمع فيظل مفهوم الدولة الديمقراطية الحديثة التي تقوم على أساس المواطنة المتساوية.  

تنامت قوى الإسلام السياسي المتطرفة نتيجة استغلال الدين في الصراعالسياسي الداخلي والخارجي واكتسبت استقلالية في رؤاها وفي سلوكها وفيتوجهاتها السياسية. في وقت سابق، استخدمتها الأنظمة عندما ناسبها ذلكفي حربها الداخلية ضد شعبها وفي حربها الخارجية مع الدول الأخرى(أفغانستان وسوريا مثالا)، وبعدما تعرضت السلطات للضرر من جراء تماديهذه القوى الدينية وباتت تهدد الاستقرار والامن، تحاول الان ان تقيدها اوتجرمها. ان القضاء على ظاهرة الطائفية التي تعصف بالمنطقة لن يتم بتجريمهذه الجماعات المتطرفة فقط ولكن بخلق مناخ تفقد فيه هذه الجماعات دعمهاالسياسي والأخلاقي والمادي والمعنوي؛ مناخ منفتح على الرأي الآخر ومنفتحعلى حق الاخر في الحياة الكريمة وفي السلطة والثروة.  

تخلصت أوروبا من هذا الوباء بعد حروب طاحنة اكلت الأخضر واليابس، ونمرنحن اليوم في هذه المرحلة العصيبة وقد نحتاج إلى علاج مشابه. جزء من الحليكمن في إعطاء المواطن خيارات حقيقية وليس خيارا بين النار والرمضاء، بينمرض السل او مرض الجذام، بين الاستبداد او الفوضى، بين الموت جوعا اوالموت ذلا. بالنظر إلى الأوضاع في الدول العربية التي شهدت انتفاضات عارمةنجد انها تشترك في عوامل محددة هي الفساد والاستبداد والاستئثار بالثروةوسوء الأداء الاقتصادي وما نتج عنه من بطالة وفقر وتدني مستوى التعليم. هذهالأوضاع التي خلقتها الأنظمة العربية الفاسدة هي مصدر هام في عدمالاستقرار. اذا لم يكن هدف الأنظمة هو الارتقاء بشعوبها وتقديم فرص الحياةالكريمة لها وعدم التعرض لحريتها تصبح أنظمة تخدم ذاتها فتبدأ المشاكلوعدم الاستقرار الداخلي الذي يجلب عدم الاستقرار الخارجي. الانسان العربيالمواطن هو العامل المجهول في هذه المعادلة والمغيب بتاتا من تحليل مركزالخليج للدراسات الاستراتيجية. 

لا نختلف ان الطائفية هي عنصر مدمر للدول والمجتمعات لكن الاختلاف فيكيفية التصدي له ومواجهته فكريا وسياسيا وتنمويا. التصدي الفكري يكمن فيأولا رفض التوظيف السياسي للدين وفصله عن الدولة وتدشين مشروع للتسامحالديني يقوم على نقد التراث نقدا موضوعيا يقوض أسس التعصب واحتكارالحقيقة؛ وثانيا المواجهة الأسرع والاهم هي في اصلاح سياسي داخلي يحققالعدالة والحكم الرشيد والنظام الليبرالي الديمقراطي. والبعد الثالث هو التكتلالاقتصادي للدول العربية او الخليجية لبناء اقتصاد قوي قادر على خلق فرصعمل وتطوير وتنمية تمنح المواطن الاطمئنان لمستقبله ومستقبل أبنائه وتغريدول الجوار بالتعاون بدل المناكفة. عندها تتراجع المؤثرات الخارجية ويتضاءلبريقها وقدرتها على التضليل والاغواء والتآمر. اما الحل الذي ينادي به المركزوالذي يعتمد على استجداء القوى الخارجية بالتدخل فهو امعان في نقلالمسؤولية على الغير، ولن يتدخل المجتمع الدولي لحل مشاكلنا دون ثمن. فينهاية المطاف الانسان والمواطن العربي هو المتضرر مما يحدث، لكن تغييبه منالمعادلة ورفض مشاركته في القرار وفي الثروة وفي السلطة يضيق عليهالخيارات ويجعله قنبلة موقوتة تنتظر الشرر.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *