نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

إلى مجلس التعليم العالي.. أين السياسة العلمية؟

 تاريخ النشر :٢٨ مايو ٢٠١٤ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي  

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13214/article/24814.html

في اجتماع مجلس التعليم العالي الأخير (الرابع والثلاثين) تم إقرارالاستراتيجية الوطنية «الأولى» للتعليم العالي والاستراتيجية الوطنية الأولىللبحث العلمي اللتين اعدتهما الأمانة العامة للمجلس بالتعاون مع بيوت خبرةعالمية. تهدف الاستراتيجية «الأولى» إلى تطوير البرامج الاكاديمية والبحثيةلضمان الارتقاء بمخرجات التعليم العالي وتطوير البحث العلمي وربط البحوثالعلمية بالواقع المحلي وباحتياجات التنمية في مملكة البحرين. ثانيا ضرورةتنظيم البحوث بالشكل الذي يخدم الأهداف العلمية والتنموية في المؤسساتالحكومية والخاصة. اهم مرتكزات هذه الاستراتيجية هو الارتقاء بالتعليم العاليلتخريج طلاب مهيئين مهنيا واكاديميا وشخصيا، وخلق بيئة ريادة الاعمال فيالبحرين ومواءمة التعليم العالي ليحقق الأولويات المحلية والإقليمية بغرض جعلالبحرين مركزا إقليميا في هذا القطاع. أما فيما يتعلق باستراتيجية البحثالعلمي فتركز على تعزيز ثقافة البحث في الجامعات وتحسين نوعيتها وزيادةعوائد الاستثمار في البحوث الجامعية وتعظيم دوره في تنمية الاقتصادالوطني.  

لا شك ان هناك حاجة لتطوير مثل هذه الاستراتيجية، ولكن الغريب كما نفهممن هذا الخبر انه لم تكن هناك استراتيجية من قبل، وانها «الأولى» للتعليمالعالي والأولى للبحث العلمي. فهل هذا يعني ان الوزارة إلى الآن تسير علىغير هدى من دون استراتيجية للتعليم العالي والبحث العلمي؟ وهل يعني انجميع مشاريعها وتطويرها الذي سبق أن أعلنت عنهما لم يكونا ضمناستراتيجية أو رؤية واضحة ومحددة؟ وهل يحق لنا ان نستغرب لماذا يتراجعالتعليم؟ 

تطمح الوزارة من خلال هذه الاستراتيجية إلى الاتجاه نحو تقديم خدماتتعليمية للمنطقة على مستوى عال يجذب الباحثين عن التعليم المتميز والتعليمالراقي. والسؤال: هل بمقدور الوزارة ان تقدم خدمة للمنطقة قبل ان تقدم تعليمامقنعا للبحرين؟ وماذا هيأت من إمكانات له؟ وثانيا، علام استندت هذهالاستراتيجية التي وضعها المجلس؟ وأين هي السياسة العلمية للدولة التيحددت معالم هذه الاستراتيجية؟ ومتى صدرت؟ ولماذا لم تكن هذه في متناولالمجتمع لكي يتابع ويقيم الأداء والنتائج؟ 

للأسف لا يقتصر غياب هذه الرؤية عن البحرين، بل تشترك في ذلك دول الخليجبشكل عام حيث يركز الاهتمام بالعلم والبحث العلمي على الجوانب الشكليةبقصد الابهار وتلميع الذات. فمثلا نجد هناك اهتماما بالأشخاص المبدعينوتقديم الهدايا لهم والتكريم الفردي من دون ان يصاحب ذلك عمل مؤسسيينقل الابداع إلى رافد اقتصادي. فقد أنشئ مثلا في الامارات مركز الشرقالأوسط للقيادة يُعنى بالبحث العلمي ولتغطية حاجات الامارات العلمية. لكن لااحد يعتقد بأن مركزا واحدا يمكن ان يلبي جميع متطلبات الامارات التنموية أوحتى مجموعة من المراكز ما لم يصاحب ذلك سياسة تنموية صناعية إنتاجية(معرفية) وخلق بيئة حاضنة ومشجعة لتحويل الإنتاج العلمي إلى انتاج معرفيوسلعي. ينطبق نفس الكلام على باقي الدول الخليجية في غياب رؤية خليجيةمشتركة لسياسة علمية صناعية إنتاجية. 

بالنظر إلى الجانب الاقتصادي وإلى أين يتجه نجد ان قطاع العقاروالاستثمار في التعمير مازال يستحوذ على نصيب الأسد من الاهتمام ومنالاستثمارات ونشاهد الجزر الجديدة التي يزيد عددها على ثلاثين جزيرة فيالبحرين وحدها، وتستحوذ على معظم رؤوس الأموال. أما على المستوىالخليجي فبموجب دراسة أجرتها شركة «فنشر الشرق الأوسط» فإن القيمةالاجمالية المتوقعة لتشييد الأبنية يصل إلى 128 مليار دولار، نصيب البنيةالتحتية في التعليم منها فقط خمسة مليارات أي ما يقارب أربعة في المائة فقط. وفي غياب سياسة علمية فإن الاستثمار في التعليم يسير بدون هدى.  

فمثلا المعهد الوطني للتدريب الصناعي وفي اجتماعه في الشهر الحالي (مايو) بصدد وضع استراتيجية تدريب تركز على البعد العلمي للخريجين ليصبحواأكثر مواءمة مع متطلبات الشركات في الجانب العملي التخصصي. مثل هذهالمعاهد لا شك انها تحتاج إلى وضوح في الرؤية العلمية لإعداد برامجها. وفيغياب وجود استراتيجية واضحة من الوزارة فإن برامج وخطط هذا المعهد وغيرهقد لا تلبي متطلبات المستقبل ويبقى عملها يعتمد على ما ترد اليه من طلباتدون القدرة على التخطيط الطويل الأمد لرفد سوق العمل بمتطلباته. 

مثال آخر مؤسسة مثل تمكين التي حاولت ان تسهم في دفع الشركات الصغيرةوالمتوسطة ومازالت تحاول، فكيف يتأثر عملها في غياب وضوح السياسةالعلمية التنموية؟ تمكين تعكف اليوم على إعادة هيكلة نشاطها وبحاجة ماسةإلى وضوح مثل هذه السياسة ليس فقط في خطوطها العريضة كما وردت فيالرؤية بل بتفاصيل اكثر دقة تساعد على قيادة التطور في أنشطة مثل هذهالمؤسسات. 

الادراك بأهمية التعليم العالي والبحث العلمي وحدهما لا يكفيان للنجاح، فقدحدث ذلك منذ أوائل القرن التاسع عشر حين ربط القادة العرب بين العلم وبينالامن القومي دون احداث أي تطور يذكر يعطي الامة استقلالية عن التبعيةالغربية أو احداث نهضة علمية تنتشل الامة من كبوتها. فقد اعتمد القادة حينهاعلى شراء حاجتهم من السلاح دون العمل على صناعته وامتلاك تكنولوجيته. مازالت اثار هذه التبعية تعيق الحياة الاقتصادية والسياسية، لذلك لا بد منسياسة عامة شاملة للتنمية تربط الأبحاث مع السوق وقوى الإنتاج وتخلق البيئةالعلمية المطلوبة.  

لا تعاني الدول الخليجية من شح المال لذلك، فإن حجم الأصول المتداولة فيالمصارف الإسلامية في البحرين فقط 23 مليار دولار متوافرة للتمويل، هذابالإضافة إلى محفظة ممتلكات. المطلوب للتمويل العلمي والبحثي والانتاجي لنيتعدى جزء من ذلك. 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *