- اسئلة حول اصلاح سوق العمل – فما هي النتائج؟
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ٢٩ مارس ٢٠١٧ – 03:00
http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1065384
في جلسة مجلس النواب بتاريخ 21 مارس الحالي ناقش مجلس النواب بعض الاسئلة حول توظيف البحرينيين في القطاع الخاص على اثر قرار الاستغناء عن نسبة البحرنة مقابل دفع 300 دينار لكل عامل سنويا. اكدت الحكومة بان نسبة البحرنة في القطاع الخاص مصانة ولا مساس بها، وان مستوى العمالة البحرينية في القطاع الخاص بلغت 159 الف في نهاية 2016. وان الباحثين عن عمل بلغ 7942. والسؤال الذي لم يطرح هو لماذا يمتنع الكثيرون من التسجيل كعاطلين لدى وزارة العمل؟ هل هي بسبب اجراءات التسجيل او بسبب اهمال العاطلين؟ وهل لدى وزارة العمل جوابا؟ وماذا عن وظائف عليا في مؤسسات تملك الحكومة نسبة كبيرة من اسهمها تذهب الى اجانب بالرغم من وجود بحرينيين مؤهلين؟ هذه الاسئلة وغيرها تشير الى ضرورة مناقشة هذه القضية بشكل اوسع في مجلس النواب وفي المجتمع.
تقول وزارة العمل بانها حريصة على توظيف البحرينيين في القطاع الخاص، لكن الزام الشركات بتوظيف غير مؤهلين لا يخدم مصلحة الشركة ولا مصلحة الاقتصاد. قد نتفق مع هذا التفسير، لكن المشكلة الاهم ان البحريني ليس الخيار الاول للشركات، فلديها خيارات ارخص من الانفاق على تدريب البحريني. جلب العمالة الماهرة من الخارج يوفر على الشركات، خصوصا المتوسطة والصغيرة منها اعباء مالية لا يمكن تحملها في ضوء المنافسة في الخليج وفي ضوء وضع السوق المحلي ومستوى الدخل العام في البحرين، وبعض المهن مرفوضة اجتماعيا. فما هو الحل؟ هل يبقى المواطن بدون عمل؟ هل هناك برامج تدريب تؤهل العاطلين لشغل الوظائف المتوفرة؟ وهل التدريب هو الحل؟
هذا اسئلة وغيرها لا تتوفر لها اجوبة شافية، ومن مسئولية الحكومة ومجلس النواب توفير مثل هذه الاجابات. يرى النواب بان جهود المحافظة على وظائف البحرينيين سواء كان في الوظائف المهنية والادارية العادية او في الوظائف العليا تنقصها الصرامة والمتابعة؟ فهل بناء على ذلك طرح المجلس هذه القضية الملحة والكبيرة للنقاش وحاول ايجاد حلول مع السلطة التنفيذية؟ لا نرى اي جهود من ايا من الجهتين بخلاف ما تقوم به وزارة العمل بالرغم من محدودية تاثيره.
في معرض البحرين للتعليم والتدريب الذي نظمته وزارة العمل (21-3-2017) يقول الوزير بان سوق العمل يحتاج الى اصلاح بنيته التحتية! يرى الوزير بان اصلاح البنية التحتية (مرصد سوق العمل) يجعل التنبؤات والاختيارات تصب في صالح الطلبة والعاملين في المستقبل. كما يرى بان هناك تخصصات لا مستقبل وظيفي لها. ويواصل بان “لدينا مشروع معايير المهنية يتم بموجبه وضع حقائب تدريبية وبرامج للتعليم والتدريب تتلاءم تماما مع احتياجات سوق العمل”، هذه وسيلة من وسائل اصلاح سوق العمل، لكنها غير كافية.
الرسالة التي حاول الوزير اطلاقها انه ما زالت الحاجة ملحة لمواءمة مخرجات التعليم مع سوق العمل. وان وزارة العمل لا تستطيع ان تقوم باكثر من انها تتعامل مع الموجود، خريجين كما هم وفرص عمل كما هي معروضة. فالوزارة تضع امام الطلبة والباحثين عن عمل الخيارات المتاحة في السوق، والمشكلة في ان هذه الوظائف او فرص العمل غير كافية من ناحية، وغير متوائمة مع مخرجات التعليم من ناحية اخرى، وفي الحالتين فهي ليست مشكلة وزارة العمل. بل مشكلة الحكومة ككل في مواءمة التعليم وسوق العمل وفي جودة التعليم بشكل عام. فمثلا يقول رئيس مجلس امناء جامعة الخليج الاستاذ عبدالله الحواج ان النقص في المؤشرات التي تعلمنا اين نحن من رؤية 2030 فيما يتعلق بالتعليم، ونضيف وبسوق العمل كذلك؟ لا شك ان جهود وزارة العمل قد تساهم في تخفيف تشوهات سوق العمل وعدم مواءمة التعليم، ولكن ذلك ليس وسيلة للعلاج.
هذه قضية وطنية وقضية مصيرية تؤثر على التنمية وعلى الاستقرار في البلد ومع ذلك نرى انها مستمرة منذ امد دون تصدي حقيقي لها، فما هو العلاج؟
المشكلة ان مثل هذه القضايا التي تحتاج الى جهد حكومي مشترك لا يتم مناقشتها علانية وبتعمق لمعرفة الحلول. كل وزارة تقوم ببعض البرامج التي ترى انها وسيلة للعلاج وتستمر الازمة منذ الثمانينات الى اليوم؟ وتبقى نفس الاسئلة تطرح سنة بعد اخرى. فهل المشكلة في جودة التعليم ام في سياسات التنمية ام في سوق العمل؟ ام تقصير مجلس النواب في طرح هذه القضايا لنقاش مفتوح؟ ام في الحكومة ام ان المشكلة اكبر من ذلك بكثير؟
سياسات التنمية المتسرعة التي انتهجت في بداية الطفرة النفطية واغراق السوق بالمشاريع الكبيرة دفعة واحدة خلق واقع مشوه لسوق العمل. ادى في النهاية الى التشوهات التي نراها اليوم. سوق العمل في الخليج بشكل عام (وفي البحرين) مشوه الى درجة ان المنطق الاقتصادي والاجتماعي يعجز عن معالجته. والسبب هو ان هناك سوق عمل اخر في الخارج وليس في البحرين هو الذي يتحكم في حجم العمالة في الخليج. نفس الوظيفة اذا تقدم لها اجنبي يدفع له راتب معين واذا تقدم لها بحريني يطلب راتب مختلف ناهيك عن الوظائف التي لا يفَضَّل فيها البحريني.
هذا يضع البحريني اما اشكالية لا يستطيع معالجتها، ولا تستطيع وزارة العمل التعامل معها، ولا يمكن لوزارة التعليم معالجتها. هذه ازمة مستعصية منذ زمن والجهود للعلاج ما زالت متواضعة؟ كما يطرح تساؤل حول امكانية البحرين منفردة في وضع العلاج اللازم. فهل نحن امام قضية تتطلب علاج جماعي على مستوى حكومات مجلس التعاون الذي يعاني من نفس المشكلة. اعتقد ان هناك وجاهة في التصدي الجماعي لهذه القضية خصوصا وان السوق الخلجية اصبحت متداخلة وتعاني من نفس التشوهات. واذا كان كذلك فما هي الالية الامثل ومن هي الجهة المسئولة؟