نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. استقلالية هيئة ضمان جودة التعليم والتدريب

تاريخ النشر : 20 يونيو  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في يوم الثلاثاء الموافق 16 يونيو 2009 نظمت جمعية البحرين للتخطيط الاستراتيجي ندوة حول ضمان الجودة في التعليم والتدريب قدمتها الدكتورة جواهر المضحكي الرئيس التنفيذي لهيئة ضمان جودة التعليم والتدريب. وتطرقت خلال الندوة الى اهداف الهيئة وبرامجها واسلوب تقييمها والوحدات التي تعمل بها لتقييم جوانب مختلفة من العملية التعليمية. واوضحت ان هيئة ضمان الجودة تتكون من اربع وحدات وهي وحدة مراجعة مؤسسات التدريب الفني والمهني، وحدة مراجعة اداء المدارس، وحدة الامتحانات الوطنية، وحدة مراجعة أداء مؤسسات التعليم العالي. اوضحت الدكتورة العديد من الايجابيات في نظام ضمان الجودة مثل نشر التقارير والتركيز في الاصلاح على العملية التعليمية، لكن حديثها اثار عدد من التساؤلات حول استقلالية الهيئة وقدرتها على احداث الاصلاح.   

وقبل ان نناقش التساؤلات دعنا نوضح ماهو المفهوم. ضمان الجودة هي فلسفة راجت في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي في المجال الصناعي وكانت ثورة على ماكان سائدا من اسلوب للتاكد من جودة المنتج. فقد كان فيما سبق يتم من خلال فحص كل وحدة من المنتج للتاكد من مطابقتها للمواصفات. اما ضمان الجودة فيقوم على اساس تحسين وسيلة الانتاج ورفع قدرتها على المحافظة على المواصفات الهامة للمنتج وتقليل درجة التفاوت في هذه المواصفات ضمن حدود مقبوله تُحدد بفحص عينات من المنتج. ويقوم مفهوم ضمان الجودة على ثلاث مبادئ، الاول: هو صلاحية المنتج للغاية الذي وجد من أجلها وفق مواصفات المستفيد، والمبدأ الثاني هو ان يشمل الاصلاح عملية الانتاج (عملية التعليم) برمتها. والمبدأ الثالث هو ان يكون المنتج صالحا مباشرة بعد انتاجه (first time correct) (دون تعديلات وتصليحات بعد الانتاج). 

المبدأ الاول يفرض على القائمين على التعليم تحديد مواصفات يتفق عليها المجتمع للطالب والمدرسة والمدرس وباقي عناصر العملية التربوية. والمبدأ الثاني يقتضي ان يشمل التقييم مجمل عناصر العملية بمافي ذلك عملية وضع سياسات التعليم وتحديد الميزانيات بالاضافة الى المناهج والامتحانات ومصادر التعلم وتوفر المعلومات. والمبدأ الثالث يعني ان مجال التجربة محدود حيث ان الخطأ قد يؤثر على حياة الفرد ومستقبل جيل باكمله. من ذلك يتضح ان نظام الجودة يحتاج الى تحديد مواصفات للمنتج (الطالب) متفق عليها مجتمعيا. ويحتاج الى وسيلة انتاج بقدرات كافية لانتاج هذا المنتج (منظومة التعليم). كما يحتاج الى وضع مؤشرات تحدد المقصود بالاداء في جميع المراحل. 

بالنسبة للمبدأ الاول المتعلق بتحديد المواصفات فقد تفضل سمو ولي العهد في حفل افتتاح هيئة ضمان الجودة بالقول بان التعليم يهدف الى “خلق جيل متعلم قادر على الإبداع والمنافسة وتلبية احتياجات ومتطلبات سوق العمل في مختلف المجالات”، اخبار الخليج 11-2-2009. الانسان بطبيعته مبدع ومفكر ومحاور ومنتقد، ولكن التربية تبدأ في وقت مبكر بكبح هذه الصفات اما لاسباب دينية او سياسية او لدواعي اجتماعية. والابداع كما يرى المختصون يعتمد على عوامل عدة منها القدرة على التحليل والتشخيص وما يحتاجه ذلك من حرية التعبير وحرية البحث وحرية النقاش في المدارس وتوفر المعلومات. فهل سيكون من ضمن اختصاص الهيئة تقييم ذلك وتاثيره على الابداع والابتكار والمنافسة؟ وهل ارتباطها بالحكومة يمنحها هذه الحرية؟. اما بالنسبة للمبدأ الثاني المتعلق بشمولية العملية الانتاجية (عملية التعليم) فقد افاد سموه في نفس المناسبة ان “هيئة ضمان الجودة تقع عليها مهام مراجعة وتقييم أداء المؤسسات التعليمية والتدريبية في البلاد من خلال وحداتها الرئيسية”. اي ان مهمة الهيئة هي تقييم ومراجعة مؤسسات التعليم وتقديم التوصيات حول اصلاحها. من المعلوم ان عملية التعليم تتعدى حدود وصلاحيات مؤسسات التعليم. فمثلا وضع السياسات يتم من قبل وزارة التربية وتحديد الميزانية من قبل الحكومة، وتاثيرهما واضح على جودة التعليم. هذا يطرح تساؤلا اخر حول مدى استقلالية الهيئة وهل تملك الاستقلالية الكافية لتشخيص أسباب القصور في السياسات. لذا نرى ان هيئة التقييم ينبغي ان تكون منفصله عن مصدر وضع السياسات والتمويل والتعيينات ومصادر المعلومات لكي تستطيع ان تظهر القصور في هذه الجوانب بحيادية تامة. وقد يكون ذلك من خلال وحدة خامسة تعنى بتقييم هذه الجوانب وترفع تقريرها بشكل متزامن الى جلالة الملك والى الحكومة والبرلمان.

واخيرا بالنسبة للمبدا الثالث فان مشكلة اصلاح التعليم تكمن في ان نتائجه لا تظهر الا بعد مدة لا تقل عن خمس سنوات. وهذا يعني ان جيلا كاملا قد يفقد القدرة على المنافسة والابتكار بسبب قصور في مبادرات الاصلاح. لذلك فان التركيز على وسيلة الانتاج (منظومة التعليم) واصلاحها هي استراتيجية سليمة اذا ما شملت كذلك وضع مؤشرات مناسبة لمتابعة تاثير الاصلاح على الطلبة لكل مرحلة تعليمية ولكل سنة ضمن هذه المرحلة، على ان تكون هذه المؤشرات مستقلة عن الامتحانات التقليدية التي تركز على التلقين بدليل ان نسبة الحاصلين على نتائج تفوق التسعين اخذه في الازدياد في الوقت الذي يُجمع المختصون ورجال الاعمال على ان المخرجات ليست بالمستوى المطلوب. لذلك ينبغي ان تضع هيئة جودة التعليم مؤشرات تنبؤئية (predictive measures)  لتفادي ماحدث في مناهج التعليم الفني في التسعينات عندما اتضح بعد مضي خمس سنوات عدم صلاحيتها وتم استبدالها في عام 2000. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *