بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ٠٨ سبتمبر ٢٠٢١
مقال الاسبوع –تاسيس شركة البحرين للتطوير الزراعي مهم للامن الغذائي البحريني يتحقق اذا تكامل مع الامن الغذائي الخليج والعربي. اراضي السودان يمكن ان تكون فرصة في وضع استراتيجية عربية للامن الغذائي بناء على المقترحات المقدمة. لكن يبقى سؤال لماذا مساهمة القطاع الخاص 1% فقط، ولماذا لم تشترك شركات الغذاء البحرينية في تأسيس الشركة؟
عبر المرسوم الملكي بتاسيس “شركة البحرين للتطوير الزراعي” عن الاهتمام بالامن الغذائي وخصوصا اذا ما اتجهت الشركة نحو استغلال ارض “خيرات البحرين” في السودان، كما يوحي المرسوم، واتخاذ اجراءات عملية لتطوير التنمية الزراعية والمساهمة في الامن الغذائي البحريني والخليجي. ادراك اهمية الامن الغذائي البحريني والخليجي والعربي له مقدمات كثيرة بالرغم من التحديات والعقبات ومنها قضية المياه والزحف العمراني وتوفر التلكنولوجيا الزراعية الحديثة.
فمثلا يتخذ الامن الغذائي، خصوصا في منطقتنا العربية التى تعاني من شح المياه (معدل هطول الامطار من 1-100 ملم متر سنويا)، اهمية قصوى ويعتبر قضية امن قومي وانساني. على المستوى العربي. تقدمت الشورية الدكتورة جهاد الفاضل (البحرين) بمقترح الى الامـانـة العامة لجامعة الــدول العربية بإنـشـاء “المركز العربي لـلأمـن الـغـذائـي وتحفيز الاستثمارات العربية” للعمل في القطاع الزراعي من خلال ضخ رؤوس الأموال العربية في هذا المجال إلى جانب ترقية التجارة البينية العربية للسلع الغذائية. اما اتحاد غرفة التجارة العربية فقد وضع دراسة تهدف الى تعزيز منظومة الأمن الغذائي والتوجه نحو تعديل سياساتها.
وعلى مستوى مجلس التعاون وضعت الامانة العامة لمجلس التعاون في 2016 استراتيجية بعيدة المدى بشأن المياه، كما صرح مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية في مارس الماضي باهمية وضع خطط استراتيجية تساعدها في تحقيق الامن المائي الذي ستعتمد عليه الزراعة، ناهيك عن وجود الانسان نفسه عليها. وقد اقرت دول مجلس التعاون مقترح تقدمت به الكويت بإنشاءِ شبكةِ أمنٍ غذائيٍ موحدة لدول الخليج العربي، والعمل على إعداد دراسة لهذا الموضوع. كما قدم اتحاد الغرف التجارية الخليجي توصية باطلاق مبادرة خليجية موحدة لضمان استدامة التنمية.
وعلى مستوى كل دولة هناك خطط استراتيجية لتوفير المياه من التحلية وتوجيه مياه الامطار (الكويت)، ومحاولة ترشيد الاستهلاك والتوعية وضبط الزيادة السكانية (قطر)، ومشرعات خزانات طوارئ (عُمان). لكن واضح ان منطقة الخليج ستجد صعوبة في تحقيق ما يغطي متطلباتها الغذائية، كما ان كلفة توفير الماء في تزايد، فقد بلغت في السعودية مثلا 10% من الميزانية العامة، او 3% من الناتج المحلي الاجمالي بحلول 2040 ويستقطع نسبة كبيرة من الانتاج اليومي للنفط.
وفي البحرين تحدثت وزارة الاشغال والزراعة عن مشاريع زراعية كبيرة تسعى الى ان تحقق تقدما في الامن الغذائي يشمل وفرة الغذاء والقدرة على الحصول على الغذاء والاستمرار في توفيره ومدى جودته، فقد وصل الاكتفاء الذاتي من الخضروات بين 10 الى 20%. وان هناك عدة مبادرات تشمل الاستزراع السمكي وتشجيع الاستثمار في الزراعة وتعزيز الشراكة مع المنظمات الدولية.
وللتاكيد على اهمية الامن الغذائي فقد بادر مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة (دراسات) بعقد حلقات نقاشية في يونيو الماضي شارك فيها مجلس الشورى والنواب والحكومة، وحلقة اخرى تبنتها الصحافة المحلية. تطرقت النقاشات الى عدد من القضايا المتعلقة بالامن الغذائي اهمها توضيح مفهوم الامن الغذائي واهدافه والامكانات المتوفرة واهم التحديات التي تواجه الحكومة. من القضايا التي اثيرت هو اهمية مشاركة القطاع الخاص مع الحكومة وكيفية تحفيز القطاع الخاص في المساهمة. كما تطرق المنتدى الى تجارب اقليمية ودولية والى آليات لتحقيق الامن الغذائي على المستوى الخليجي وتحديد العوامل المشتركة بينها. وفي النهاية اوصى ببناء القدرات الوطنية في بحوث التقنية الزراعية والاستفادة بتقديم تسهيلات استثمارية متنوعة للقطاع الخاص وتعاون مشترك مع الجهات الحكومية.
مما تقدم فان الاراضي المقدمة من السودان لدول الخليج لها اهمية استراتيجية تتطلب افضل استغلال. لذلك فان مبادرة الحكومة بهذا الاستثمار سيكون له مردود كبير على النمو الاقتصادي (الحقيقي) الذي يؤثر فعلا في مستوى المعيشة وحياة المواطن اذا ما ساهم في تخفيض اسعار الاغذية. فمثلا تكلفة المواد الغذائية تمثل نسبة عالية من انفاق المواطن محدود الدخل والذي يمثل اكثر من نصف السكان، وكلما توفرت باسعار في متناول المواطن البسيط كلما كان المجتمع اكثر صحة ورفاه وامن واستقرار. بالاضافة الى انها تفتح مجالات عمل متنوعة تناسب خريجي الثانوي والجامعيين والدراسات العليا، وحتى غير المتعلمين. لذلك نرى ان تعمل الحكومات الخليجية بصفة جماعية لانشاء مراكز ابحاث تهتم بالاستثمار في ابحاث التصحر وشح المياه ومنها الاهتمام بتكنولوجيا التحلية واستخلاص الماء من الضباب وكذلك الاهتمام بابحاث الاستزراع السمكي والانتاج الزراعي بشكل عام.
وختام نرى ان قيام الحكومة بتاسيس هذه الشركة (مع مساهمة من القطاع الخاص) هو النموذج الافضل للتنويع الاقتصادي في دول الخليج. سبق ان دعونا الى مثل هذا التوجه في مجال الصناعات السلعية وليست التحويلية فقط.. الان وقد تم تاسيس شركة حكومية نتمنى اتاحة الفرصة لاشراك الصيادين والعاملين في القطاع بالمساهمة بنسبة اكبر، خصوصا في الظروف الحالية التي تقاتل المجتمعات لايجاد فرص عمل لشبابها الذي تتقلص امامه الفرص. كما نتمنى ان ترتفع حصة القطاع الخاص في الشركة من1% الى ما يقارب النصف لتعكس توصيات الدراسات والطموحات والحاجة للمشاركة الفعلية التي تفتح مجال استثماري مهم للقطاع الخاص.