نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

الامن والاستقرار شرط التنمية يقوم بتعريفه المجتمع وتعززه العدالة والمشاركة ويختل لعدم قدرة الدولة على فرض المساواة

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1092388

تحدثنا في مقال سابق عن مفهوم الإنسان كقيمة في حد ذاتها وربطناها بما تعاني الدول العربية من أزمات، وانتهينا بالحاجة إلى خلق نواة تؤمن بحقوق الإنسان وبأهميته وتؤمن بدور المؤسسات التشاركية التي تبني ولا تهدم. واليوم نتحدث عن مفهوم آخر وهو الأمن والاستقرار ونتساءل: هل بدأت معاناة الدول العربية وأزماتها بخلل في الأمن والاستقرار؟

لا يختلف اثنان على ان الأمن والاستقرار شرطان أساسيان لتحقيق التنمية المستدامة والارتقاء بالأمة لتأخذ مكانها بين الامم. المشكلة هي في كيفية تحقيق هذا الأمن والاستقرار الذي تنشده دول وشعوب العالم؟ والسؤال الاكبر هو لماذا هذا الخلل والحروب والصراعات إذا كان الجميع مقتنع بأن الأمن والاستقرار هو مطلب أساسي وضروري لتحقيق التقدم والتنمية للجميع؟

الأمن والاستقرار هما قيمة تطلبها جميع الأنظمة، عربية كانت أو اجنبية، السؤال الذي لم تتمكن معظم الدول العربية من الاجابة عنه هو ماذا يعني الأمن والاستقرار؟ عن أمن من نحن نتحدث؟ أمن المواطن أم أمن المجتمع أم أمن الدولة، وأين الأولويات وكيف التوازن بينها عندما تصدم متطلبات كل منهم؟ وأخيرا من يحدد تعريف المفهوم ومن يقرر كيفية التعامل مع التضارب في حالة حدوثه وما هي آلية القرار؟

الأمن والاستقرار مطلب لتحقيق التنمية، فهل كان هذا الأمن متحققا في تونس مثلا قبل اندلاع الثورة في ديسمبر 2010؟ أو في ليبيا قبل فبراير 2011؟ هذا يشير إلى ان الأمن والاستقرار قد يكون قائما على قاعدة ضعيفة وواهية لا تمنحه الاستدامة؟ ويطرح السؤال ما هي شروط تحقق الأمن والاستقرار المستدام؟ وهل الاسبق تحقيق أمن الدولة أم أمن المجتمع أم أمن الانسان؟ أيها الأصل وأيها النتيجة؟

هذه الأسئلة تفرض علينا تحديد عدة أمور. اولا ماذا نعني بأمن الدولة وهل هو خلو الدولة من العنف وعدم تعرضها لأي اعتداء خارجي وتحقق قدر معين من حكم القانون؟ وهل يكفي ان يتحقق هذا الأمن المتعلق بالدولة لاستدامة التنمية وتشجيع الاستثمار أم نحتاج إلى تحقيق أمن المجتمع وأمن الفرد كذلك كشرط لتحقق أمن الدولة؟ واذا كان كذلك فما هو أمن الفرد وأمن المجتمع؟ ومن يحدده وكيف؟ متى يشعر الفرد بالأمن والاستقرار؟ وهل يكفي ان يأمن الفرد على حياته وماله وعرضه؟ أم ان الأمن ينبغي ان يشمل أمنه الفكري والعقائدي؟

هذه الوضع يفرض علينا التعامل مع قضية الأمن والاستقرار تعاملا شاملا (أمن الفرد والمجتمع والدولة) وان نقرر إلى اي مستوى يوجد ترابط وعلاقة بين الأمن والاستقرار بشموليته وبين القدرات الإبداعية والريادة وتحقيق التنمية المستدامة؟ وما هو الحد المقبول والمعقول من الأمن والاستقرار الذي يحقق للإنسان كرامته وللمجتمع تماسكه ويخلق بيئة محفزة للاستثمار وملائمة للتنمية والتقدم والحداثة. وما علاقة ذلك بمستوى وجَوْدَة النظام السياسي وأسسه الدستورية ومدى تطبيق مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان؟

يدرك الجميع ان الأمن والاستقرار مطلب وهدف عام وانه شرط أساسي لتحقق التنمية المستدامة. لكن في نفس الوقت بينت الأحداث ان الأمن والاستقرار ليس قضية متفقا على شروطها وسبل تحققها. كما بينت الاحداث والحروب والتشظي ان الامة العربية مهددة من الداخل قبل الخارج. فها هو العراق يشهد التقسيم الذي ظهرت بوادره في 1990 عند حرب تحرير الكويت وكرسه الغزو الأمريكي 2003، وليبيا أصبحت ساحة احتراب مع العلم بأنها متجانسة مذهبيا وعرقيا. واليمن يمر بمرحلة عصيبة قد تنتهي بتقسيمه. وفي ضوء ما يحدث للامة العربية ومنطقتنا الخليجية نرى أنه قد آن الأوان لطرح السؤال بشدة على جميع القيادات والمسؤولين وعلى جميع المستويات في كل الدول العربية: اي أمن نتحدث عنه؟ وهل اقتنعنا من الاحداث ان الأمن يكون للجميع أو لا يكون؟ وان الأمن يجب أن يكون شاملا وليس فقط أمن دولة أو أمن فئة مجتمعية. كذلك اتضح من الاحداث ان أمن الفرد وأمن المجتمع متى ما اختل أصبح من السهل على الخارج اختراق الدولة وتعريضها للفوضى والتقسيم. ولا نحتاج إلى مزيد من الاقناع بأن الخطر قادم وأنه عام ولن يستثني عرقا أو مجموعة أو دولة. فالجميع في بوتقة الخطر.

الدراسات الكثيرة المنشورة حول العلاقة بين التنمية والاستقرار تشير إلى ان هناك علاقة بين التنمية وبين النظام السياسي الديمقراطي التشاركي الذي يحقق تطلعات المجتمع ككل ويحمي مصالح كل فئاته وافراده وقواه السياسية ومصالحها الاقتصادية وحماية أقلياته. فمثلا تعرف منظمة ضمان الاستثمار العربية البيئة الاستثمارية على انها (مجمل الأوضاع القانونية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تكون البيئة التي يتم فيها الاستثمار، وتضع أول شروطها الاستقرار السياسي).

بعد كل ذلك نعيد السؤال لماذا لم تتمكن الدول العربية حتى الآن من تبني مفهوم الأمن الشامل المؤدي إلى التنمية المستدامة واحترام الانسان وتقوية المجتمع؟ هذا بالرغم من ان القيادات السياسية تتحدث عن الأمن والاستقرار وضرورته للتنمية وعلاقته بالتقدم والرخاء.

إحدى المشاكل التي تقع فيها الشعوب والقيادات هي ان كل منها يضع تعريفه الخاص للأمن والاستقرار ويرى ان الآخرين هم من يتعدى على الأمن والاستقرار ويجب وقفه بكل السبل؟ ولا يقف ذلك عند تعريف الأمن الضيق بل يتعداه لتعريف المصلحة العامة وفق منظور معين من دون توسيع المفهوم ليشمل مصالح الجميع. التشبث بمفهوم احادي أفقدنا القدرة على الاستماع للآخر وحرمنا نعمة الحوار والنقاش والمجادلة الحسنة للتوصل إلى مفاهيم مشتركة يشعر الجميع بالأمن والاستقرار حين تطبيقها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *