- الإرهاب يتغذى على تناقضاتنا وأزماتنا
تاريخ النشر :١ يوليو ٢٠١٥
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
صراعنا مع الإرهاب يتطلب اكثر من وقفات عاطفية وحملات إعلامية يتطلب بحث التناقضات في المجتمع وفتح نقاش حر شفاف جاد لتقييم انظمتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تولد هذه التناقضات وتسهم في تعميق الإحباط واليأس والتطرف والإرهاب.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/13613/article/30436.html
يشعر الإنسان بالغضب الشديد إزاء ما يحدث في المنطقة، ليس فقط من تعالي موجة الإرهاب التي ضربت مرة أخرى في مسجد الإمام الصادق في منطقة الصوابر في الكويت وفندق سوسة السياحي في تونس وقطع رأس رئيس شركة في فرنسا، في ثلاثة أحداث ارهابية متزامنة في هذا الشهر الفضيل. ما يثير الغضب والشفقة أحيانا ليس فقط الفعل الإرهابي الاجرامي الدنيء الذي هز مشاعر الامة، ولكن ما يثير الغضب هو كيفية تعاطي الدول العربية ممثلا في أجهزتها الإعلامية الرسمية وفزعتها العاطفية المؤقتة.
سلوك الدول العربية يكاد يكون سلوكا ميكانيكيا يبدأ بالاستنكار والرفض والإدانة في وسائل الاعلام، تشترك فيه الجهات الرسمية باتصالات على اعلى المستويات للدعم والمواساة، وإصدار بيانات التنديد من الجمعيات السياسية وبعض القوى المجتمعية. تُتخذ بعض الإجراءات ضد رجال دين متطرفين طائفيين، وإغلاق بعض المساجد وتوقيف خطيب هنا وآخر هناك. بعد هذه الموجة من الإدانات للإرهاب والدعم للمتضررين، تُكثف الإجراءات الأمنية، وتنشط الصحافة والتحليلات التي تُرجع الإرهاب إلى مؤامرة غربية أو إقليمية، وتتغنى الصحافة والمسئولون بقوة اللحمة الوطنية ووحدة الشعب ومن ثم تعود الأمور إلى سابق عهدها من دون ان نتقدم خطوة عملية حقيقية لمعرفة جذور الإرهاب والتطرف وأسبابه ودوافعه.
نحن بصدد قضية مصيرية تؤثر على الامة وعلى تقدمها وبقائها. القضية لا تنحصر في فئة متعصبة تكفيرية، القضية متشعبة ومعقدة لها جذور في المنظومات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية. والدليل على تجنب المواجهة هو رفض البرلمانات العربية والخليجية الخوض في مناقشتها ومناقشة أسبابها وفتح الصحافة لطرح جميع الاحتمالات. لذلك مازلنا غير قادرين على الانفتاح تجاه جميع الاحتمالات والتناول الموضوعي للقضية. مازلنا نتعامل بعاطفة تجاه ما يحدث.
ما هي الحلول التي اعتمدتها الحكومات العربية؟ هل يكفي ان يصلي السنة والشيعة في مسجد واحد كما فعل الاخوة الكويتيون والسعوديون؟ هذا عمل انساني ضروري ولكنه يبقى رد فعل عاطفي وتعبير عن التضامن وتماسك المجتمع ضد الإرهاب. فالإرهاب ليس معنيا بالمذاهب، بل بكل من يختلف معه بدليل ما يحدث في ليبيا وتونس.
إذن ماذا تريد هذه الجماعات الإرهابية؟ وفق اعلانهم فإنهم يسعون لإقامة الدولة الإسلامية، هذا يعني اننا إزاء نفس القضية التي عصفت بالأمة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه والصراع على السلطة الذي دار بين الأمويين والهاشميين. أي ان العالم العربي لم يتقدم سياسيا منذ ذلك الوقت وأن مسألة الشرعية لم تحسم في دولنا العربية. وهذا ما يجعل هذه الفئة الضالة تستحضر هذا الصراع وتريد ان تؤسس دولة إسلامية. السؤال الثاني: لماذا تريد إقامة هذه الدولة؟ ما هو الهدف؟ هل هو فقط تعطش للسلطة أم أنهم يرون قصورا في الأنظمة السياسية؟ أم هو تقصير في «تطبيق الشريعة»؟ الإجابات عن هذه الأسئلة تحتاج إلى مساءلة الكثير من فرضياتنا حول منظوماتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وقيمنا المجتمعية. أيا كانت الإجابات فإنها تبرز عددا من التناقضات، الأول يتعلق بالشرعية ونظم الحكم في الدول العربية، والثاني تتعلق بأزمة قيمية وأخلاقية وثقافية خلقها تراثنا الإسلامي، والتناقض الثالث بين أهدافنا كأمة وأسلوبنا وسلوكنا في تحقيق هذه الأهداف؛ والتناقض الرابع هو بين الواقع الحضاري العالمي وبين واقعنا وممارساتنا السياسية والاقتصادية والحقوقية.
معالجة هذه التناقضات تتطلب تحولات فكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية لكنها تصطدم بالتقاليد والعادات ومصالح الأنظمة، لذلك فإن إحداث هذه التحولات والتوفيق بين المصالح والتقاليد يحتاج إلى نقاش عميق ومطول وتنازلات على جميع المستويات وأولها على المستوى الديني والسياسي. فعلى المستوى الديني تقول داعش إنها تحارب «الشرك» و«الكفر» وتستند على كتب تراثية. هذه الكتب تدرس الآن في مدارسنا وجامعاتنا العربية مثل الصحيحين والتفاسير وكتب الفقه، وتجد في هذه الكتب ما يبرر لها قتل «المشركين» و«الكفار»، واستنادا على ذلك تفرض منظومة قيم لا تتسق مع مجتمعاتنا العربية.
أما على المستوى السياسي فإن الازمات هي نتيجة التناقض الصارخ بين القيم التي يدعو اليها ديننا الحنيف في أنقى صوره وغايات الدين الإسلامي من إقامة العدل والقسط والحق والمساواة من جهة، وبين القيم التي تتسم بها بعض مجتمعاتنا العربية من ظلم وفساد وتمييز صارخ بين الناس في حقوقهم ومصالحهم وواجباتهم.
تفكيك هذا التناقض وتحليل الازمات التي تعاني منها المجتمعات العربية يتطلب انفتاحا لا تسمح به الأنظمة السياسية، وشفافية تعتبرها بعض الأنظمة خطرا عليها وتكشف فسادها وبالتالي نجد أنفسنا في دائرة مغلقة تتكرر فيها الاعمال الإرهابية وتتجذر في الامة مع عدم القدرة على مواجهتها. وهذا ما يفسر التناول السطحي لقضية معالجة الازمة والتعامل الإعلامي العاطفي مع نتائجها المفجعة دون مواجهة حقيقية تجتث جذور الإرهاب.
لن نتمكن من معالجة الازمة الا بعد ان نسأل لماذا تشيع في مجتمعاتنا مفردات مثل «المكون الآخر» و«التعايش» و«التسامح» و«الطائفة الكريمة» و«نحن» و«هم» و«إخوة سنة وشيعة»، هذه المفردات هي نتيجة التناقضات وما أحدثته من شروخ وثنائيات بغيضة في المجتمعات العربية والخليجية. غير اننا نرفض أخذ العلاج ونرفض دفع الثمن. أما الوحدة الوطنية فإنها سوف تتحقق تلقائيا متى ما عالجنا تناقضاتنا وما نتج عنها من ازمات في منظوماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعملنا على إشاعة العدل والمواطنة وسيادة القانون بصورة حقيقية انسجاما مع تعاليم الدين والفطرة السليمة وليس كلاما إعلاميا. ثانيا وضع استراتيجية عملية شمولية تتبناها الدول العربية منفردة تأخذ المطالب التي فجرت الربيع العربي في الاعتبار. عندها يمكن أن ننتصر على الإرهاب بدون حرب لأنه سوف يذوي ويذبل لفقده ما يتغذى عليه من تناقضات.