نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الاتحاد الخليجي مطلب شعبي

  تاريخ النشر :٥ ديسمبر ٢٠١٢ 

بقلم : د. محمد عيسى الكويتي 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12675/article/63561.html

 منذ قيام مجلس التعاون في عام 1981م وشعوب المنطقة تتوق إلى تحقيق الوحدة على أسس سليمة تعطي الشعوب الكلمة في تقرير مصيرها وتنمية اقتصادها وحفظ أمنها وتقاسم ثرواتها. ومنذ البداية شكلت المخاوف، والشكوك والبطء في التنفيذ، الكوابح التي لجمت تطلعات الشعوب حتى من تحقيق الصيغ التوافقية التي تمخضت عن قادة المجلس المتوجسين. فأكثر ما تم الاتفاق عليه حينها هو «تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الاعضاء في جميع الميادين وصولا الى وحدته». لم تتحقق هذه الوحدة الى الآن وهي مسئولية القادة لأن الشعوب لم تكن في موقع القرار او المسئولية ولم يُتخذ رأيها في اي مرحلة من مراحل قيام المجلس. والى يومنا لا توجد استراتيجية اقتصادية موحدة ولا استراتيجية أمنية واضحة، ولا استراتجية اجتماعية. 

 والسبب في ذلك هو الخلافات التي تبرز بين حين وآخر بين القادة. يقول أمير البحرين الراحل المرحوم سمو الشيخ عيسى إن سبب ذلك «أن القادة في مجلس التعاون لا يتصارحون وهذه حصيلة عدم المصارحة». أما عبدالله بشارة الأمين العام الاول للمجلس فيعزو ذلك الى «الحساسية المفرطة للسيادة». وبسبب الحساسية المفرطة تأخر الكثير من المشاريع والبرامج خصوصا السياسية والعسكرية. ولاتزال الخلافات بين القادة تهدد استكمال هذه الخطوات المحدودة.

 في بداية التكوين رأى القادة ان ميدان الاقتصاد والتجارة هو الاقل حساسية. وفي اعلان ابوظبي الذي رسم مسارات المجلس المستقبلية وتمخض عن الوثيقة الاقتصادية الجامعة التي قدمتها دولة الكويت والتي قامت على اساسها الاتفاقية الاقتصادية وتشكيل العديد من اللجان العاملة منها لجنة التخطيط الاقتصادي والاجتماعي، ولجنة التعاون المالي والاقتصادي، ولجنة التعاون الصناعي، ولجنة النفط ولجنة الخدمات الاجتماعية والثقافية كوسيلة لتحقيق الاهداف التي حددها اعلان أبوظبي. فماذا حدث للمجلس منذ ذلك الوقت؟ وماذا فعلت اللجان والفرق؟ الجواب هو أن الارتكان الى الملوك والامراء يُعَرِّض الوحدة الخليجية الى تقلبات العلاقات بين القادة ويهدد تقدم المنطقة ورخاءها واستقرارها. ويشكل المحور الاقتصادي حجر الزاوية لاتحاد الخليج لعدة أسباب أهمها أن الاقتصاد هو الرافعة التي تمنح الشعوب التقدم والمنعة والقوة السياسية والعسكرية، وبذلك فإن الأمن القومي مدخله الاساسي هو القوة الاقتصادية، وهذا ما يعلمنا التاريخ الحديث من خلال صعود الصين كقوة اقتصادية والآن تكتسب قوة سياسية، وكذلك البرازيل واليابان. 

 الآن وفي الاحداث التي يشهدها العالم العربي ومنطقة الخليج بشكل خاص فإن المصلحة العامة تقتضي عودة الشعوب للساحة وأخذ زمام المبادرة لخلق الزخم للمطالبة بالوحدة على أسس من الديمقراطية والعدالة وعدم الاستسلام لأمزجة القادة والحساسيات التي تسود علاقاتهم. الشعوب هي المتأثرة مباشرة بتأخر الديمقراطية وبتأخر الوحدة وبجميع ما يصدر عن المجلس سواء في الجوانب الاقتصادية أو السياسية أو الامنية أو الدفاعية. وبالتالي فإن مسئولية القوى السياسية تكمن في الدفع في اتجاه إصلاحات سياسية عميقة تعطي الكلمة للشعوب في تحديد مسيرة الاتحاد الخليجي.

 تواجه دول الخليج تحديات كبيرة في المسيرة نحو الوحدة والأمن القومي الحقيقي الشامل أهمها تغيير العقلية التي تسود في المنطقة والتي تنظر الى الشعوب على أنها رعايا تحتاج الى إشراف أبوي وتحتاج الى من يتخذ عنها القرار. هذه العقلية لم تتمكن خلال العقود الماضية من تحقيق التنمية الحقيقية أو حتى الاستقرار الذي يمثل هاجسها الاول. كما انها لم تتمكن من تحقيق اعتماد ذاتي للحفاظ على أمنها او حتى وضع تصور شامل لماذا تعني بالأمن القومي. وللتدليل على الفهم الخاص للقادة للأمن القومي نرى ان الاتفاقية الأمنية التي وقعها وزراء الداخلية مؤخرا (اخبار الخليج 14 نوفمبر 2012) تركز فقط على نقطتين اعتبرهما الوزراء أهم تهديد للمنطقة وهما اولا موجات الاصلاح التي تهب على العالم العربي والأمر الثاني ما تمثله المنظمات الحقوقية من تهديد لها. أي أن الاستراتيجية الامنية الواضحة التي يتبناها المجلس هي في الواقع أمن داخلي وليس أمنا قوميا، أمن أنظمة وليست أمن شعوب. 

 الأمن الذي ينشده وزراء الداخلية تطرق له تقرير مؤشر السلام العالمي. يبين هذا المؤشر أن دول مجلس التعاون لم تتمكن من تحصين الخليج من الهزات التي تجتاح المنطقة العربية والتي يعتمد في التصدي لها على الاتفاقية الامنية. فمؤشر السلام العالمي لعام 2012 صنف دول الخليج في مراتب متدنية في هذا المعيار بينما شهدت جميع دول العالم تحسنا في الجوانب الايجابية من هذا المؤشر باستثناء دول الشرق الاوسط التي نحن في الخليج جزء منها. وأهم هذه المؤشرات هي مؤشر «السلام الإيجابي» الذي يتضمن عدة مؤشرات وتمثل، بحسب التقرير، «دعائم السلام»، و يندرج تحتها «الأداء الجيد للحكومة، البيئة التجارية السليمة، التوزيع العادل للموارد، قبول حقوق الآخرين، العلاقات الجيدة مع الدول المجاورة، التدفق الحر للمعلومات، ارتفاع مستويات التعليم، انخفاض مستويات الفساد».

 اي ان سبيل الوحدة وسبيل الأمن القومي وسبيل التنمية بموجب هذا المؤشر يكمن في التقدم في مؤشرات السلام الايجابي وبالذات دعائم السلام. لذلك نرى أن أولى خطوات الاتحاد وبالتالي تحقيق تطلعات الشعوب في حياة كريمة طبيعية بمعايير العصر هي النظر بجدية في تحقيق هذه المؤشرات التي توافق عليها العالم بأنها تحقق الأمن والاستقرار الداخلي وبعدها ننظر اذا كنا سنحتاج إلى أي إجراءات اخرى لتحصين الوضع الداخلي، ومتى ما تحقق ذلك فإن دول وشعوب الخليج بأكمله سوف تتصدى للتهديد الخارجي وللتنمية الحقيقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *