مقال الاسبوع – البوم العالمي للشفافية ينبغي ان يكون مناسبة لمراجعة اداء دولنا العربية في الشفافية وتاثيرها على التنمية وعلى حقوق الانسان وعلى امن الفرد وامن الوطن. اضرار الفساد على حقوق المواطن كبيرة اقلها فقدان فرص عمل او بيت اسكان. الحل تقوية منظمات المجتمع المدني وتحرير الاعلام ليقوم بدورها في تقويم السياسات والممارسات.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1278281
اليوم العالمي للشفافية ومكافحة الفساد ودورها في التنمية
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ١٥ ديسمبر ٢٠٢١
في 9 ديسمبر يحتفل العالم باليوم العالمي للشفافية، وكان شعار هذا العام “احفظ حقك، العب دورك، قل لا للفساد”. شاركت في هذه الاحتفالات جمعية الشفافية البحرينية باحتفال دعت له بعض الشخصيات وجمعيات المجتمع المدني والقيت كلمات من ممثلين عن الشفافية العالمية وجمعيات الشفافية في الوطن العربي عبر الزوم.
تاسست جمعية الشفافية البحرينية قبل عشرين سنة تعاقبت على رئاستها عدد من الشخصيات البحرينية النشطة في مجال مكافحة الفساد والشفافية وعملت خلال هذه الفترة على نشر قيم الشفافية والنزاهة واستراتيجيات مكافحة الفساد ونشر الوعي بمخاطره مؤكدين بذلك على حرمة المال العام وحمايته بوصفة واجب وطني يخص كل مواطن. عملت الجمعية طوال العشرين عاما على تشجيع الحوار لتنمية ثقافة الاصلاح والمطالبة بتعزيز النزاهة الوطنية ودعم نهج المساءلة والمحاسبة التي هي من اسس التنمية والابتكار. نظمت الجمعية عبر هذه الفترة انشطة كثيرة كان لي شرف المشاركة في بعضها.
يعتبر الفساد آفة مجتمعية لا يخلو منها مجتمع، ولها اضرار كبيرة تؤثر في تقدم المجتمعات وتحرمها من مواردها ومن كفاءات وقدرات شبابها وتكلف العالم ما لا يقل عن 5% من ناتجه المحلي الاجمالي. لا يقتصر الفساد على نوع واحد وفي كثير من الاحيان يتخفى في صور مختلفة ظاهرها الرشوة والمحسوبية وباطنها سوء تعريف الفساد بحيث يختلط المال العام والخاص او اقتصاره على فئة معينة “يقام عليها الحد”. وضعت الدول بما فيها الدول العربية آليات ومؤسسات للحد من سطوته على المال العام واستغلال السلطة في تحقيق مكاسب غير مستحقة تحت عناوين مثل “الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد”. تساهم المجتمعات في هذه الجهود كجزء من نشاط المجتمع المدني الذي اخذ على عاتقه المشاركة في التنمية التي تعتمد في جزء كبير منها على الشفافية والنزاهة والحوكمة ومناهضة الفساد، وتعتمد كذلك على خلق بيئة لتمكين المجتمع من اكبر قدر من المعلومات. يعتبر حق الحصول على المعلومات شرطا أساسيا لجعل التنمية قضية وطنية يشارك فيها كافة أفراد وشرائح المجتمع، وليس الدولة أو النخبة فقط، لتكون التنمية نشاطا قائما على المشاركة والشفافية وخاضعا للتقييم وللمساءلة.
تواجه منظمات الشفافية ومناهضة الفساد تحديات جمة منها حق الوصول الى والحصول على المعلومات والتعامل معها في التحليل والنشر بحرية توضح بها مدى تغلغل الفساد في اتخاذ القرارات وخصوصا الاقتصادية والتنموية منها. تزداد هذه التحديات في العالم العربي والاسلامي والعالم الثالث بشكل عام. ترتبط الشفافية ومناهضة الفساد بقضية حقوق الانسان وقضية الديمقراطية. التفاعل بين هذه المفاهيم يعزز بعضه بعضا، فبدون الايمان بحقوق الانسان لا يمكن ان تزدهر الديمقراطية التي تقوم على العدالة والمساءلة وحق كل انسان فيها. والمساءلة تعني ان تخضع القرارات والمؤسسات والمسئولين الى المحاسبة والنقد. وهذا لا يمكن ان يتم بموضوعية في غياب المعلومات والافصاح عنها وخضوعها للتمحيص المجتمعي.
الديمقراطية كنظام سياسي جوهرها حرية الفرد وحقه في الاختيار والتقييم والمشاركة في القرار، وقد عبر عنها الاسلام في “وامرهم شورى بينهم”. كما عبر الاسلام عن حرية الفرد في اعلى صورها في “من شاء فاليؤمن ومن شاء فاليكفر”. هذا يجعل الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان منظومة متكاملة وجزء من الطبيعة الانسانية. لكن للاسف تتراجع القيم الديمقراطية في كثير من دول العالم وحتى المتقدمة مثل امريكا. فقد هيمن رأس المال والجشع واستغلال النفوذ وخلط المال العام بالخاص وتغليب المصالح الفئوية على قيم الديمقراطية وعلى النزاهة والشفافية واختطفها لصالح الطبقة الغنية المتنفذة وجردها من جوهرها وهو حق الانسان في المساءلة وحقه في الحصول على المعلومات، فاصبحت شح المعلومات هي السمة الغالبة في معظم دول العالم وبالذات وطننا العربي والاسلامي تحت مبررات امنية.
يعتمد تقدم الشعوب وازدهارها على طريقة تنظيمها لمجتمعها واستفادتها من طاقات ومهارات ومواهب شبابها وقدرات مؤسساتها. وهذا يعتمد على ما تسنه من دساتير وما تشرعه من قوانين وما تشيعه من عادات وتقاليد وما تقره من احكام. والنظام الديمقراطي هو نتائج لهذا التنظيم الذي ينبغي ان يراعي الطبيعة الانسانية، وجوهرها حقوق الانسان التي منحها الله سبحانه للانسان وكرمه بها. والسؤال هل يمكن خلق نظام دولة يخالف او يتناقض مع الطبيعة الانسانية؟ وهل يمكن لمثل هذا النظام ان ينجح في الارتقاء بالانسان وتحقيق طموحات المجتمع؟ وهل النظم السياسية والاجتماعية والثقافية في معظم دولنا العربية متوافقة مع الطبيعة الانسانية؟ وهل لذلك علاقة بتخلف وفشل بعض الدول العربية؟
امام هذه التساؤلات تواجه الامة العربية والاسلامية تحديات التقدم والحداثة والتنمية وما تتطلبه من استثمار طاقات الانسان وقدراته الابتكارية والابداعية والتي لا يمكن ان تنمو وتتطور وترتقي بدون العناصر الاساسية في المجتمع وهي حرية الانسان في اختياراته السياسية وفي نشاطه الفكري النقدي والبحثي وفي التنافس المتكافئ على فرص العمل والوظائف والمناصب. وثانيا حرية المجتمع في تنظيم نفسه في منظمات مجتمع مدني قوية تساعد الحكومات في كشف مواطن الفساد وتكريس الحوكمة والشفافية، وتدعيم قيم النزاهة وبناء مؤسسات قادرة على المساءلة والمحاسبة. ثالثا ما ينتج عن الحرية من خيارات وتنافس وارتقاء مدفوع بما تقوم به الاجهزه الاعلامية في احياء النقاش والحوار والتدبر والتاويل وطرح البدائل للافهام المتعددة التي تؤمن بها المجتمعات، والسياسات التي تقترحها الحكومات والمساهمة في الاصلاح على جميع المستويات. بدون مثل هذ الانفتاح والحوار وتنمية القدرات تصبح الدول في صراع دائم داخليا مع مجتمعاتها ومع محيطها وعرضة للاستغلال الاجنبي وبيئة تنمي التعصب والتخلف.