نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الانقلاب في تركيا.. ودلالاته للمنطقة العربية

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :٢٧ يوليو ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

مقال الاسبوع- انقلاب تركيا هو اختبار للديمقراطية التركية هل تصمد على مبادئ الديمقراطية ام تنحرف في ممارسات تعسفية استبدادية.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/14005/article/32886.html


فاجأتنا الأخبار بحدوث انقلاب في تركيا لم تستمر المفاجأة طويلا حتى تم احتواؤه وبدأت عملية تصفية الانقلابيين. الجهات المتهمة اليوم هي التيار العلماني من جهة، والمنافس غولن الذي كان إلى وقت قريب حليفا لحزب العدالة من جهة اخرى. 
الغرابة ليست في الانقلاب، فالجيش التركي، له تاريخ طويل من الانقلابات امتدت حتى مطلع الالفية الثالثة. فوز حزب العدالة «الإسلامي» في دولة علمانية تحاول الدخول في التجمع الأوروبي وعضو في حلف الناتو شكل ازمة للجيش الذي كان يعتبر نفسه حاميا للدولة العلمانية المدنية. شكل التيار الإسلامي تحديا لسلطة الجيش منذ السبعينيات، وقد مرر حزب العدالة في عام 2007 وفي عام 2010 على اثر اكتشاف «مؤامرات» عددا من التعديلات والإجراءات، من خلال سيطرته على اجهزة الامن، حجمت دور الجيش في الحياة السياسية وحدت من قدرته على التصدي للحكومة وجعله تحت السلطة المدنية. وحتى في النزاع اليوناني على قبرص فإن حزب العدالة تمكن من تحويله إلى نزاع سياسي يمكن معالجته بالتنمية والدبلوماسية بدلا من الحل العسكري.
لكن الغرابة في كيفية افشال هذا الانقلاب. اعتمد اردوغان ومن خلفه حزب العدالة على امرين: الأول شرعية الاداء التي وظفها لصالحه وصالح الشعب، والثاني حماية الديمقراطية التي ينعم بها المجتمع. فالناتج المحلي الإجمالي ارتفع من 303 مليارات دولار أمريكي في 2003 إلى 614 في 2009. وارتفع دخل الفرد من 4538 دولارا أمريكيا في عام 2003. إلى 10283 دولارا أمريكيا في عام 2008. ونقل تركيا من دولة ترزح تحت وطأة الفساد والتخلف وتدني مستوى الدخل والمعيشة، إلى مضاعفة الناتج القومي خلال خمس سنوات، والسيطرة على استشراء الفساد.
من حقق النجاح ليس اردوغان ولا حزب العدالة ولكن مجموعة من العوامل تضافرت بقيادة مسؤولة تمكنت من تحقيق النجاح. هذه العوامل هي النظام الديمقراطي التعددي الذي اخضع القرارات التي اتخذت إلى النقد والنقاش في مجتمع مدني حيوي. ما حقق النجاح هو الانفتاح على المجتمع ووجود المعارضة التي تحفز حزب العدالة الحاكم على سلامة الاداء وخضوعه للتدقيق والمحاسبة والمساءلة. ما حقق النجاح هو المواطن التركي الذي استجاب للمناخ الديمقراطي الحر وعبر عن رأيه بخروجه في الشوارع اكثر من مرة في عمليات احتجاجية على بعض القرارات كما حدث في العام قبل الماضي في احداث ميدان تقسيم. ما حقق النجاح هو المجتمع المدني والصحافة والمنافسة القوية من العلمانيين والغولانيين. كل هذه العوامل هي التي صنعت النجاح. والشعب التركي خرج بالملايين لحماية هذه المنظومة الديمقراطية حتى وان كانت ناقصة.
سوف يرتكب اردوغان خطأ كبير ان هو بالغ في اتهام المجتمع بالتواطؤ والخيانة، واستغلال الانقلاب والاجواء العاطفية الحالية للتخلص من الخصوم. هذه الإجراءات لن تخدم اردوغان بل سيحوله إلى ديكتاتور محب للسلطة وتضعه على طريق الانحدار ان هو استمر في التعامل الامني الشرس مع الوضع. عليه ان يطرح السؤال لماذا حدث ذلك ولماذا الان، هذا السؤال لو طرحه القادة العرب لما وصلنا إلى هذا الوضع؟ 
ايا كانت الاسباب فإن ما حدث في تركيا يقدم لنا كعرب درسا في الحكم وفي الاداء وكيفية المحافظة على الدولة. اولا ومن حيث المبدأ فإن الانقلاب كان كارثة وخطأ كبيرا وتعديا على ارادة الشعب. ثانيا قد يكون الانقلاب وضع حدا والى الابد لتدخل الجيش في السياسة بشكل مباشر. ثالثا السلطة التي اكتسبت شرعيتها في الحكم من خلال انتخابات تعبر عن ارادة شعبية تمنح الحاكم سلطة محددة (وليست مطلقة) للقيام بادارة الدولة وفق شروط العدالة والحرية والمساواة واحترام كرامة الانسان. تسقط شرعيته باخلاله بهذه الشروط. 
لذلك نرى ان اردوغان قد يكون في خطر التعدي على هذه الشرعية من خلال إجراءات الامن التي قد يستغلها للقضاء على الخصوم ويستغل الانقلاب لتكريس حكم الفرد. فقد تعرض كثير من الناس للاتهام والتشهير والمعاملة غير الانسانية. رتب كبيرة في الجيش تعرضت للاهانة ونزع الملابس والتكديس في اكوام بشرية من دون اي احترام الحقوق الانسان ولكرامته. هذه الرتب الكبيرة لها احترامها ولها اتباعها في مجتمع منقسم بين العلمانيين والإسلاميين. فإن كانت اشتركت في الانقلاب فإن التعامل الحضاري يكون من خلال اخضاعهم للقانون والتحقيق العادل يفرز المذنب من البريء. ومن تثبت ادانته يتم التعامل معه وفق القانون الساري، ولا يجوز الان تغيير الاحكام في عملية انتقامية شخصية لارضاء كرامة أو كبرياء احد.
هذا السلوك قد يجر البلد إلى منزلق من الحقد والكراهية وعدم ثقة الجيش في قياداته وخصوصا من تعرض منهم للاهانة. ويجب على اردوغان ان يعي الدرس والا يستمر في بناء مجد شخصي له على حساب الدولة والمجتمع. تحطيم المجتمع المدني وتفكيك كياناته والهيمنة عليها لإضعافها لا يخدم التقدم والتنمية ولا يخدم الحياة الاقتصادية ولا يخدم حسن اتخاذ القرار. بل سوف يحول المجتمع إلى جماعات مفككة ومرعوبة، خائفة وخانعة، وغير متناغمة ولا تستطيع القيام بدور الناقد المراقب والمحاسب الذي به تصلح الحكومة ويستقيم الحكم وتتحقق التنمية والديمقراطية. 
لا نتمنى ان ينزلق اردوغان أو غيره في مسلسل منع المجتمع من المشاركة الفاعلة المبنية على القناعة وليس على الخضوع للضغط الاجتماعي الذي يتولد من تأليب فئة من الشعب على الاخرين. هذا سوف يحول المناوئين امثال جماعة غولن وغيرها إلى جماعات إرهابية تعمل في الخفاء. لا يمكن القضاء على الخصوم بقبضة امنية وانما من خلال الانفتاح واشراك المجتمع. وعلينا كعرب كما على اردوغان ان نتذكر دائما لماذا لا تحدث انقلابات عسكرية في اوروبا؟ 
mkuwaiti@batelco.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *