نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. البحث والتطوير ومجلس التنمية الاقتصادية

تاريخ النشر : 2 فبراير  2008

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

أُعلن قبل ايام عن جائزة تقدم بها معالي وزير الدولة لشئون الدفاع الشيخ محمد بن عبدالله ال خليفة للبحث العلمي في المجال الطبي. ولسنا بصدد ذكر مناقب هذا الرجل ومساهماته العديدة في المجالات العلمية وفي التطوير الاداري، ولكن ننوه الى ضرورة مثل هذه الخطوات والمبادرات التي لها دلالة هامة وهي ان الكثير من المسئولين يرون ان اهداف ومستقبل التنمية الاقتصادية المستدامة  لن يتحقق دون التركيز والاهتمام بالبحث والتطوير الانتاجي لخلق المعرفة التي هي ذخيرتنا في مواجهة التنافسية الاقتصادية في المستقبل. 

ومن المبادرات الاخرى في هذا المجال ما نشر عن تجربة هامة لجامعة الخليج العربي بتطوير اعلاف خضراء باستخدام تقنية الزراعة المائية. ان مثل هذه المبادرات بالرغم من اهميتها كمؤشر على اهتمام المواطن والمسئول والجامعات الا انها مازالت تعتبر جهودا فردية تحتاج الى نظام مؤسسي يحتضنها وينظمها ويحولها الى منتجات تفتح آفاق اقتصادية جديدة وخلق فرص عمل يستفيد منها المواطن وتضيف الى قدرتنا التنافسية. وقد تطرقنا الى هذا المجال في العديد من المقالات السابقة كما تطرق العديد من الكتاب امثال د. علي فخرو، د. فيصل الملا عبدالله، د. ناصر المعلم، د. شمسان المناعي والاستاذ صلاح عبيد وغيرهم الى اهمية البحث العلمي والتطوير في خلق فرص عمل مناسبة واعادة هيكلة الاقتصاد لينحو بعيدا عن الاعتماد على ايرادات النفط والاستثمار المحموم في العقار. 

لقد ركزت وزارة الصناعة والتجارة وكذلك مجلس التنمية الاقتصادية في استراتيجتهما الصادرة قبل عامين الى اهمية البحث والتطوير في التنمية غير انه الى الان لم تتضح اي خطوات عملية في تفعيل هذا المحور من الاستراتيجية. ومع ايماننا بان اقتصاد السوق والاقتصاد الحر هو الاقدر والانجع في دفع عجلة الاقتصاد الا اننا نرى حاجة لتدخل حكومي، وبالذات مجلس التنمية الاقتصادية بعد ان تم تعديل وزياد عضويته واصبح اكثر قدرة على الانجاز. وهذا التدخل الحكومي تقوم به الكثير من الدول بما في ذلك الولايات المتحدة الامريكية التي تعتبر معقل الرأسمالية.

ان ترك مجال البحث والتطوير على القطاع الخاص في تقديرنا هو قرار غير قابل للتطبيق لعدة اسباب اهمها ان حجم الاستثمار المطلوب وطول مدة المردود على الاستثمار يفوق قدرة ورغبة المستثمر الذي يسعى الى الربح السريع. فلو نظرنا الى حجم الاستثمارات خلال السنوات الثلاث الماضية نجد ان النصيب الاكبر منها كان في العقارات الفاخرة. ومع اهمية هذا النوع من الاستثمارات لتحريك عجلة الاقتصاد غير انها لا تعتبر استثمارا انتاجيا، كما ان مردودها الكبير يستفيد منه المستثمر وعدد قليل جدا من الناس، اما استفادة المواطن العادي فهي محدودة ولا تتناسب مع حجم الاستثمار. كما ان صيانتها قد تشكل عبئ مستقبلي في حالة انخفاض الطلب عليها بعد انتهاء الطفرة النفطية.

يعتبر الاتحاد السوفيتي من الدول النفطية الهامة ولكن بعد انهيار جدار برلين مر بمرحلة من الفوضى الاقتصادية وانتشرت الجريمة المنظمة وانهار اقتصادها واكل التضخم قيمة الروبل. وبعد ان استلم الرئيس بوتن ركز على الجانب الاقتصادي بضخ اموال في البحث العلمي والتطوير وخلق صناعات جديدة وانعش صناعات اخرى كادت ان تموت مثل صناعة الطائرات وغيرها حتى اصبح الاقتصاد الروسي من اقوى الاقتصاديات. هذا لا يعني اننا نقارن دول الخليج اوالبحرين بالقدرات العلمية الروسية، ولكن فقط نستشهد به لبيان دور الحكومة في توجيه الاقتصاد وباعطائه الدفعة المناسبة في الوقت المناسب وبعدها يمكن رفع يد الحكومة تدريجيا. 

في الوقت الحاضر نجد ان الحكومة تهدف الى جعل القطاع الخاص هو المحرك وعليه تقع مسئولية التنمية الاقتصادية. هذا التوجه لم يصاحبه تحرك في اتجاه خصخصة الشركات الكبيرة او بيع نسبة من حصتها! ونتساءل ماهو المانع واستخدام الايرادات لانشاء مراكز ابحاث تخدم الاقتصاد على المدى البعيد؟ ان اهتمامنا بالبحث العلمي والتطوير لا ينبع من اهميته للتنمية الاقتصادية فحسب بل كونه احد اهم العوامل في امننا القومي وهو الدعامة التي تحررنا من الاعتماد على القوى الاجنبية، واهمالها يعتبر مجازفة بمستقبل وامن الوطن بعد نضوب النفط. يقول السيد رشيد المعراج، محافظ مصرف البحرين المركزي، بان “العوامل الرئيسية في التنمية الاقتصادية هو الايرادات النفطية الضخمة التي سمحت بالمزيد من الانفاق الحكومي”، (جريدة الوطن) ويدعو الى اهمية تنويع مصادر الدخل لمواجهة التحديات في خلق فرص عمل جديدة ولتفادي تهديد المستقبل الاقتصادي.

والسؤال الذي نوجهه الى مجلس التنمية هو ماهو موقف المجلس من انشاء مراكز ابحاث متخصصة بتمويل حكومي؟ ان فرص البحث والتطوير كثيرة ومتعددة ويمكن ان تكون في مجالات مثل الالمنيوم او البتروكيماويات او الامن الغذائي وغيرها. فمثلا بالنسبة للبتروكيماويات فان سعر البرميل من النفط الان هو في حدود المائة دولار، ومنتجات البتروكيماويات سعرها يزيد على 300 دولار وامكانيات استغلالها كثيرة ومتعددة، نذكر منها امكانية استخدامها كبديل لبعض مواد البناء؟ والتغلب على قابليتها للاشتعال وزيادة قوتها من خلال البحث والتطوير. كذلك بالنسبة للامن الغذائي ماهي امكانية استخدام انتاج الاعلاف (المذكورة اعلاه) في اقامة صناعة حيوانية توفر للبحرين نسبة معينة من انتاج اللحوم؟ كل هذه الاسئلة واسئلة كثيرة غيرها يمكن الاجابة عليها من خلال ابحاث متخصصة وهادفة. ان التنافس في ظل الحرية الاقتصادية  التي تنشدها البحرين سوف يقوم على مدى قدراتنا الابتكارية والابداعية وذلك لن يكون الا من خلال البحث والتطوير. لقد بدأت قطر هذه الخطوة بانشاء مركز ابحاث بتمويل سخي تحت قيادة قديرة. فمتى تحذو البحرين وباقي دول الخليج حذوها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *