نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. البرلمان والاستجوابات… هل الاختلاف رحمة؟

تاريخ النشر : 21 مارس  2008

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

وجود البرلمان هو جزء من العمل الديموقراطي الهادف الى تحقيق العدالة والمشاركة في القرار وحفظ حقوق الفئات المختلفة، وبالمقابل فان عدم وجود البرلمان يؤدي بشكل عام الى الاستبداد والظلم والتسلط. والادوات البرلمانية مثل الرقابة والاستجواب والمساءلة والتشريع لصرف المال العام ومراقبة عمل السلطة التنفيذية وخضوعها لتطبيق القوانين التي يسنها المجلس النيابي كلها تهدف الى منع تسلط طرف على اخر او استغلال طرف لسلطاته في تحقيق مكاسب او امتيازات قد تضر بالتوازنات في المجتمع وتخلق حالة من عدم الاستقرار. ولكي تعمل الديموقراطية تحتاج الى مجتمع مدني حيوي فاعل يساهم في المحافظة على التوازنات ويشكل اداة ضغط على السلطة التنفيذية والتشريعية لدفعها في الاتجاه السليم اذا ما انحرف اي منهما. اما اذا كان المجتمع المدني مغيب او غائب في مجمله ومستقطب في مواقفه فان هذه التوازنات تصاب بالخلل الذي يضر بالعملية الديموقراطية ويكرس الطائفية والعنصرية والنزعات الاخرى. وبالتالي فان تقوية الادوات الرقابية لدى البرلمان تصب في مصلحة خلق التوازنات وتزيد من قدرة البرلمان على مكافحة الفساد والاسهام بذلك في التنمية. لذلك فان القول بان قضية الاستجوابات المطروحة في الساحة البحرينية لا تفيد المواطن بشيئ قول يغفل دور الرقابة في التنمية وتحسين الخدمات ورفع المستوى المعيشي. وهذا هو الوضع الذي نجد انفسنا فيه اليوم بعد مضي ما يزيد على الشهر عن بروز اول مشكلة برلمانية في البحرين تهدد الديموقراطية الوليدة. 

في هذه الظروف اقام مجلس الدوي ندوة لمناقشة هذه المشكلة ودعيت له الكتل البرلمانية وعدد من النواب السابقين والمترشحين الذين لم يحالفهم الحظ في الانتخابات السابقة وجمهور كبير اكتضت به القاعة. قام كل طرف (الوفاق، والاصالة، والمنبر، والمستقلين) بطرح دفوعاته القانونية حول وجود او عدم وجو شبهة دستورية في  الاستجواب الموجه من الوفاق الى معالي الشيخ احمد بن عطية الله.  استمع الحضورالى مداخلات قانونية اخرى بعضها يساند هذا الطرف والبعض يساند الطرف الاخر كما اختلف قبلهم المستشارون القانونيون. انقسم الحضور الى قسمين احدهما لم يخرج بنتيجة قاطعة ترجح هذه الكفة او تلك من الناحية القانونية وبقى الانطباع السائد لديهم بان المشكلة ليست قانونية، وسرد المواد القانونية التي خاض فيها النواب ماهي الا غطاء لمواقف مسبقة اتخذها كل طرف للدفاع عن موقفه. والقسم الاخر بقى على مواقفه المسبقة من مؤيد او معارض للاستجواب. 

ولادراكنا بان المصلحة الوطنية تقتضي تقوية الادوات الرقابية للبرلمان لخدمة التنمية ومحاربة الفساد، كما تقتضي الالتزام بالقوانين والاعراف الدستورية ورفض اي تصرف غير حضاري لذلك نتقدم الى الفرقاء بسؤال وهو: هل هناك احتمال ولو 1% بان القول بوجود شبهة دستورية هو قول خاطئ وان الاستجواب صحيح؟ وكذلك نطرح نفس السؤال على الفريق الاخر القائل بصحة الاستجواب: اي هل هناك احتمال ولو بنسبة 1% بان الاستجواب غير دستوري؟ واذا اقر الطرفان بهذه الاحتمالية، فمن منطلق تفسير المواد لصالح البرلمان لتقوية الادوات الرقابية خصوصا في ظل وجود قصور تشريعي (النائب المهندي اخبار الخليج 21 مارس 2008) ندعوا الى تمرير الاستجواب وترك الخيار للحكومة في الطعن في صحته امام المحكمة الدستورية وبذلك تكون مسئولية حسم الخلاف الدستوري في المكان الصحيح.

والى ان يحصل انفراج مأمول فان هذا الوضع يقودنا الى تساؤلين. السؤال الاول، والذي سبق ان طرحناه في مقال سابق، هو هل التركيبة البرلمانية المكونة من رجال دين (الذين، بشهادة احدهم، اكثر استعدادا للميول الطائفي) قادرة على قيادة العملية الديموقراطية وتطويرها ام انهم جزء من المشكلة بسبب مواقفهم المسبقة المبنية على الخلافات المذهبية التاريخية والتي يحاولون جاهدين اضفاء الصبغة القانونية عليها. والسؤال الاخر هل هذه المشكلة ناتجة من إحساس معظم النواب بالياس بسبب عدم قدرتهم على التأثير على مجريات الامور كما وضح احدهم بالقول بان المجلس بجميع كتله غير قادر على التاثير على الحكومة فما بالك بمجلس منقسم على نفسه, ويقول نائب اخر بان الاستجوابات غير مجدية بسبب ان الابواب موصدة والمفاتيح رميت في البحر. 

يبدوا ان المشكلة هي نتيجة حتمية لهذين الامرين (الاستقطاب الطائفي الذي ساهمت تركيبة البرلمان الحالي بتأجيجه وبين احساس المجلس بالضعف تجاه الحكومة). واذا ما اضفنا الى ذلك انقسام المجتمع، كما يقول هشام الزياني (الوطن 11 مارس 2008)، بين مهلل ومسبح للحكومة يمدح كل قول وفعل، وفريق اخر ينتقد كل مشروع ويقلل من كل انجاز، وغالبية صامته لا تبدي اي اهتمام واسماع صوتهم لهذا الطرف او ذاك، فان التصادمات سوف تتكرر حتى لو تمت معالجتها هذه المرة.

ان المصادمات البرلمانية ليست حكرا على البحرين فهذه ظاهرة موجودة في كثير من الدول، لكن ما يميز البحرين هو ان التجربة البرلمانية حديثة وتحتاج الى رعاية واهتمام من الجميع لتنميتها خصوصا وان هناك من يتربص بها. لذلك علينا جميعا ان ندرك خطورة الوضع وان نفكر جادين في تبني مخرج يحفظ التجربة البرلمانية حتى ولو ادى ذلك الى التضحية من احد الاطراف. وسيكون هذا الطرف صاحب فضل على الشعب البحريني وسيذكر له الشعب هذا الموقف المشرف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *