نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٠٨ مارس ٢٠٢٣

مقال الاسبوع –البطالة في الخليج لها ظروفها التي تختلف عن البطالة في العالم. يجد المواطن نفسه امام خيارات محدودة في القطاع العام او منافسة شرسة غير عادلة على وظائف القطاع الخاص. الحلول المطروحة لا تجيب على السؤال لماذا تذهب فرص العمل المجزية الى العمالة الاجنبية؟ لا توجد دراسات محلية تجيب على هذا السؤال وتحلل التحديات التي تواجه المواطن. ولا عزيمة رسمية لوضع الحل.

https://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1325085

التحديات والفرص في اصلاح سوق العمل

اتخذت قضية توطين الوظائف اهمية كبيرة في المجتمعات الخليجية والعربية. مجتمعاتنا مجتمعات شابة تكثر فيها فئة الشباب وتتطلب خلق فرص عمل تلبي طموحاتهم. لا يختلف المجتمع البحريني بل قد يرى البعض انه بحاجة الى فرص عمل للشباب اكثر من غيره في منطقة الخليج بسبب محدودية فرص عمل القطاع العام. مساهمة في هذا الحوار المجتمعي نظم مجلس الدكتور محمد عيسى الكويتي ندوة بعنوات “التنمية الاقتصادية وسوق العمل” قدمها الدكتور عمر العبيدلي ( مدير البحوث في مركز دراسات ورئيس جمعية الاقتصاديين).

يرى الدكتور عمر ان ما يحدث لسوق العمل في منطقة الخليج وفي البحرين قد لا يتماشى مع التوجهات الاقتصادية التقليدية فهي تختلف عن اسواق العمل في الاقتصاديات المتقدمة. من نتائج هذا الاختلاف صعوبة في خلق وظائف للمواطنين بما يتوافق مع تطلعاتهم. لا يبدو ان اي دولة خليجية استطاعت ان تعالج ذلك بشكل منهجي ومستدام، بل انها تعاملت معه عن طريق التوظيف المفرط في القطاع العام. فهل يمكن ان ناتي في البحرين بسياسات بديلة ونتائج ايجابية مختلفة؟

اهم الاختلافات بين اسواق العمل الغربية ووضعنا الخليجي هو التضخم في التوظيف في القطاع العام. نسبة العاملين في القطاع العام في دول الخليج مرتفعة جدا، تبدأ 30% في البحرين (في السلك المدني)، وترتفع النسبة في دول الخليج الاخرى الى ما فوق 90%. بينما النسبة في الغرب لا تتعدى 20 الى 25%. لهذا السبب فان الوظائف في القطاع العام يمثل اشكالية كون قرارات التوظيف والاجور غير مرتبطة بمعايير التنافسية ورفع الانتاجية، على خلاف ما يحدث في القطاع الخاص، من التزام بميزانية وربحية وتسريح الموظف الذي لا يحقق توقعات الشركة. هذا الوضوح والالتزام غير معمول به في القطاع العام مما يسهل تضخم التوظيف وارتفاع الاجور. هذه المزايا تمثل افضلية وجذب للمواطنين خصوصا الذين يرون زملاء لهم يتم توظيفهم في القطاع العام بشكل تلقائي حين تخرجهم. لا يمكن للقطاع الخاص المنافسة في الرواتب والاجور، وبالتالي اما ان يقبل البحريني بالاجور المتاحة في القطاع الخاص او يلجأ صاحب العمل الى العمالة الاجنبية.

هذا جانب من المعادلة، الجانب الاخر هو كفاءة مخرجات التعليم. وفق المؤشرات الدولية، وخلال العشرين سنة الماضية فان البحرين لا تحقق المستوى المطلوب من جودة تعليم يؤهل الخريجين للحصول على الوظائف التي تلبي طموحاتهم. قدم “مركز دراسات” في 2018 دراسة احدى توصياتها اجراء مسح دوري منتظم لقياس فجوة المهارات، كون مخرجات التعليم ولمدة طويلة كانت لا تتماشى مع سوق العمل. وبالتالي فان علاج المشكلة لا بد ان يبدأ بقياسها وتشخيص اسبابها. وقد قامت تمكين باجراء هذه الدراسة على قطاعي الخدمات المالية والاتصالات كتجربة لاحلال المواطنين في سوق العمل. تم توسعة الدراسة لتشمل سبعة قطاعات اخرى مثل السياحة والتصنيع وتقنية المعلومات وقطاعات اخرى يرغب المواطنين العمل فيها. السؤال كيف اثر ذلك على سياسات الحكومة في التوظيف؟ قد يكون الوقت مبكرا لظهور نتائج هذه الدراسة ونامل ان توضع السياسات التي تحقق الاستفادة ورفع مستوى التوظيف للبحرينيين. من هذه السياسات المأمولة اجراء اصلاحات في قطاع التعليم وفي القطاع الخاص بناء على نتائج هذه الدراسات، واجراء ربط منهجي بين التعليم والقطاع الخاص ليتمكن من خلق فرص عمل بوتيرة اعلى وافضل.

النقطة الاخيرة في هذا العرض هو الحاجة الماسة الى وجود ربط مؤسسي بين القطاع البحثي (الجامعات ومراكز الدراسات) وبين صناع القرار في مختلف المجالات والمستويات. هناك كفاءات كثيرة في الجامعات البحرينية بتخصصات متعددة يمكنهم تقديم دراسات رصينة يستفيد منها متخذ القرار اذا ما حدث تشاور منهجي معهم. يحسب لمجلس النواب اخذ استشارات من منظمات المجتمع المدني والمختصين في بعض القضايا ولكن مازالت مساهمة مجلس النواب في القرارات محدودة مقارنة بتاثير السلطة التنفيذية. مطلوب  تشكيل لجان استشارية، يجتمع بها المسئولون في السلطة التنفيذية بشكل منتظم، تقدم فيها استشاراتهم وتناقش على نطاق واسع كما في الدول المتقدمة.

بين الدكتور اكبر جعفري في مداخلته ان الحل يكون بالتدريب المهني الذي كان يمارس في الشركات الكبرى في البحرين مثل بابكو والبا في السبعينا والثمانينا والتي تخرج بفضلها عمالة ماهر تمكنت من ادارة التقدم الذي حدث في البا لتكون من افضل واكبر شركات صناعة الالمنيوم في العالم وبنسبة بحرنة 93% عام 1990. اذا، لدينا المعرفة والتجربة السابقة، فماهي المشكلة؟ هل هو ضعف الاعتقاد باهمية وضرورة المعالجة؟ ام مخرجات التعليم؟ ام ان الاستثمارات الاجنبية لا تساهم في خلق فرص عمل ومعظمها ياخذ اكثر مما يعطي خصوصا في القطاع المالي، ام هو فتح السوق البحريني وفتح المجال لتدريب ابناء الاجانب وتوظيفهم في وظائف مجزية يتطلع لها البحريني؟ مثل هذه التسهيلات لا تجدها تمنح للاجانب في الدول الغربية، بالرغم من الاقتصاد الحر. ويرى ان الحل في ان تستمع الحكومة الى اصحاب الكفاءات والخبرات والدراسات للاستفادة منها.

اما الدكتور جاسم حسين فيضيف في مداخلته ان هناك حاجة ماسة الى برنامج طويل الامد لا يقل عن عشر سنوات للتدريب مع دعم حكومي للاجور للشركات التي تساهم في التوظيف، بالاضافة الى وضع شروط على الدول المستفيدة من توظيف مواطنيها جلب استثمارات يستفيد منه الاقتصاد البحريني مقابل فرص العمل التي تمنح لمواطنيها.

من خلال المداخلات الاخرى برز اهمية التخطيط طويل الامد لخلق تنويع اقتصادي يقدم فرص عمل متنوعة وفي نفس الوقت تطوير منظومة التعليم لتواكب متطلبات السوق والمجتمع وتحقيق الاستفادة القصوى من الطاقات البشرية. كما برزت اهمية تكافؤ الفرص والتنافسية العادلة على جميع فرص العمل المتاحة، وفرض نوع من القيود على توظيف الاجانب اسوة ببقية دول العالم. بالاضافة الى الحاجة لوضع حلول مبنية على دراسات تعالج قضية توظيف الشباب ووقف اهدار طاقات شابة منتجة وما يصاحبه من امراض اجتماعية وتهديد للامن والسلم الاهليين.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *