- التخطيط الاستراتيجي ومجلس التنمية (11)
تاريخ النشر : 3 اكتوبر 2010
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
تطرقنا في المقال السابق للفكر التنموي وتحوله من رفع يد الدولة الى ضرورة ان يكون للدولة دور فعال ومؤثر في الاقتصاد من خلال التخطيط العام ووضع سياسات اقتصادية وسياسية وعلمية. وعددنا بعض الاسس والقواعد التي برزت من هذا التحول وتساءلنا ان كانت الاستراتيجية الوطنية تراعي هذه الاسس والقواعد التي اهم معالمها ان الانسان هدف التنمية وان الاقتصاد والسياسة في خدمة الانسان. ولمناقشة ذلك نطرح هذه الافكار في تساؤلات محددة اولها هل الاستراتيجية الوطنية تضع الانسان هدفا ووسيلة للتنمية؟ ثانيا هل الاستراتيجية الوطنية تضع في اعتبارها ان السوق لوحدة لا يمكن ان يخدم اهداف المجتمع طويلة المدى؟ ثالثا هل الاستراتيجية الوطنية تعتمد الاقتصاد الحقيقي القائم على الصناعة والزراعة والخدمات المساندة لهما؟
تتكون الاستراتيجية الوطنية من ثلاث جوانب هي الاقتصاد والحكومة والمجتمع، وسوف نركز في هذا المقال على الاقتصاد ومناقشة المبادرات وفق معاييرالتنمية البشرية المستدامة ومدى توافقه مع الابتكار ومتطلباته. من خلال النمو والتنويع والتحول الاقتصادي تسعى هذه الاستراتيجية الى رفع دخل الاسرة الحقيقي الى اكثر من الضعف بحلول عام 2030 وتقوم على ثلاث مبادئ اساسية هي اولا تعزيز دور القطاع الخاص واعادة التوازن بين العمالة في القطاعين العام والخاص، ثانيا السعي الى التنويع والابتكار في اقتصاد مستدام قائم على المعرفة، وثالثا بناء وتطوير مهارات العمالة البحرينية بما يتماشى مع المتغيرات الاقتصادية.
تتضمن الاستراتبجية الاقتصادية ثلاثة اهداف هي اولا: ان النمو الاقتصادي ويقوم على خمس مرتكزات هي تحسين الانتاجية، وزيادة نسبة العمالة البحرينية وبناء مهاراتها وقدارتها، وتسهيل الريادة في تاسيس الاعمال الصغيرة والمتوسطة، والاستمرار في الخصخصة، وتحسين اداء الموجودات المملوكة للدولة مثل البا وبابكو وغيرها التي تديرها شركة ممتلكات. ثانيا: تسعى الاستراتيجية الاقتصادية الى التنوع، وقد تم اختيار خمس قطاعات تسعى الاستراتيجية الى بناء القدرات والمهارات فيها وهي الخدمات المالية، السياحة، خدمات الاعمال، الامداد اللوجستي، والصناعة. ثالثا: التحول الاقتصادي ويعتمد على المشاريع الضخمة التي ستقوم الدولة بانشائها والتي الى الان لم يتخذ قرار حول الاتجاه. غير ان الاستراتيجية ترى ان التركيز المبدئي سيكو على القطاعات الحالية الاكثر نموا مع فتح الباب لمجالات نمو جديدة اخرى. هذه الجوانب تحتاج الى مناقشة وتستحق ان نفرد لها مقال منفصل. والان نتطرق الى معايير تقييم وقياس التوجهات العامة التي وضعتها الاستراتيجية الاقتصادية.
استخدمت الاستراتيجية الاقتصادية معيارين لمتابعة التطور وهما نمو فرص العمل في القطاع الخاص بنسبة 6-7% سنويا ، وهذا النمو عام يشمل جميع الوظائف، غير ان معرفة المجتمع البحريني نحتاج ان نقيس النمو في نوعية الوظائف التي تناسب ويقبل عليها البحرينيون على ان يتم نشر هذه التفاصيل. لذا نامل ان يكون نمو الوظائف في قطاعات ذات قيمة مضافة عالية ورواتب مجزية ويشغلها بحرينيون وليس كما حدث في النصف الاول من هذا العام حيث ان معظم الفرص التي خُلقت ذهبت الى عمالة اجنبية.
المقياس الاخر المستخدم هو الناتج المحلي الاجمالي وتهدف الاستراتيجية الى تحقيق معدل لا يقل عن 6-7% سنويا. معدل النمو في الناتج المحلي مهم جدا وضروري لاحداث تنمية وبدونه لا يمكن للتنمية ان تستمر لذلك يجب التعامل معه بحذر ومراعات عاملين.
الاول هو ان هذا المعدل يشمل النمو الناتج من النفط وبالتالي فهو لا يعكس نتيجة فعلية للاستراتيجية ويتاثر بزيادة اسعار النفط. كما ان الزيادة في الناتج المحلي قد تحدث بسبب زيادة النشاط العمراني وجلب عمالة اجنبية وهذا كذلك لا يعتبر نمو طويل الامد او تنمية مستدامة. لذلك يتطلب الامر تحليل هذا الناتج الى مكوناته حسب القطاعات المساهمة لكي نحدد نوعيته وانعاكاساته على التنمية البشرية، وكذلك يحتاج الى معايير اخرى تعكس السياسات التي اتخذتها الحكومة لمعرفة مدى تاثير النمو في المجتمع. فهل ستنشر هذه التفاصيل؟
العامل الثاني، ان قدرة هذا النمو على احداث تغيير في حياة الناس لا ياتي تلقائيا (د. باسل البستاني، 2009)، كما ان تحذير تقرير الامم المتحدة الصادر الشهر الماضي من ان التحرر الاقتصادي لا يؤدي بالضرورة الى تنمية بشرية، لدليل على عدم حيادية المؤشرات الاقتصادية. لذلك يحتاج توزيع منافع النمو الى تدخل حكومي بموجب سياسات تقوم على قناعة المسئولين باهمية خلق الترابط بين نمو الدخل القومي وبين تحسين احوال المواطنين. كذلك يتطلب ذلك اهتمام فعلي بالتنمية المستدامة لتحقيق التوازن بين النمو والحفاظ على البيئة كشرط لاستدامتها. فمثلا تدمير البيئة يقوض مبدأ التنمية المستدامة ويطرح تساؤل حول قناعات متخذ القرار باهمية الاستدامة وتحسين احوال المواطنين. لذلك لا بد من اتخاذ سياسات واعية وبرامج هادفة وآليات عادلة تحدد المسار الذي من خلاله سوف يتحول النمو الاقتصادي الى حرب على الفقر “النسبي” واحداث تغيير في حياة المواطن ليكون الانسان هدفا حقيقيا للتنمية.. وللدولة دورا رئيسيا في توفير البيئة التي تعتبر الفقر حالة مضادة للتنمية البشرية المستدامة وان استمرار دوام الفقر دليل على وجود عدم العدالة في توزيع الثروة ونفيا للكرامة الانسانية وتهديدا لتماسك المجتمع.