- التعامل مع الإرهاب في العالم العربي 4-2-2015
تاريخ النشر :٤ فبراير ٢٠١٥
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
مقال الأسبوع- الأنظمة العربية تمارس تجاهل أسباب عدم الاستقرار في بلدانها ولا تقر بان الظلم الاجتماعي هو احد اهم أسباب عدم الاستقرار وبعض مظاهر الارهاب وفي نفس الوقت تطالب الغرب بالنظر الى أسباب الإرهاب ومعالجتها
http://www.akhbar-alkhaleej.com/13466/article/5338.html
تتعرض الأمة العربية لمصائب جمة منها موجات الإرهاب والحروب الأهلية التي تعصف بالمجتمعات والنزعة الطائفية التي قسمت الأمة وجعلت القيم الإنسانية والإسلامية العليا أمرا ثانويا وكلاما يقال ولا يعمل به. الجميع في الدول العربية يتغنى بالإسلام وسماحته وتقبله للاختلاف وأنه دين الرحمة، لكن كثيرا من الممارسات العملية، سواء من الجماعات السياسية التي تحمل اسم الإسلام في هوياتها أو من الدول التي تتغنى بانتمائها الإسلامي أو من الأفراد المترددين على المساجد والملتزمين بتعاليم الدين، لا تمت إلى الدين بصلة إلا في الشكل.
نتيجة ذلك نشأت جماعات في الدول العربية وفي العالم تتخذ من الإرهاب وسيلة لفرض رؤيتها للدين وفهمها للدولة الإسلامية. ومن ظواهر هذه الحالة برزت داعش والنصرة وبوكو حرام والقاعدة، تقوم بعمليات إرهابية وقتل على الهوية وصراعات مذهبية حولت سوريا والعراق وليبيا واليمن إلى دول شبه فاشلة. والسؤال هو لماذا يحدث ذلك في العالم العربي؟ هذا السؤال لا يطرح في أوساط الأنظمة العربية عندما يحدث فيها حالات إرهاب وعنف وتخريب. وإنما تسارع إلى اعتباره صادرا من فئات ضالة أو تآمرا مع الخارج. لكن نفس هذه الأنظمة تطرح السؤال على الغرب عندما تحدث جريمة إرهابية كما حدث في فرنسا.
جريمة الجريدة شارلي إيبدو أبرزت التناقضات في الدول والمجتمعات العربية الإسلامية. فمثلا هناك تناقض في تعامل الدول العربية مع الإرهاب. عندما يحدث في الغرب، كما حدث في جريدة شارلي إيبدو نجد أن دولنا العربية وصحافتنا ومثقفينا يقومون بعملين، الأول هو إدانة واستنكار ورفض أعمال العنف والإرهاب لأي سبب، وهذا موقف إنساني سليم. والإجراء الثاني هو وضع جزء من اللوم على الغرب ورفض ربط الأعمال الإرهابية بالإسلام، وهذا أيضا موضوعي وصحيح.
موقف الأنظمة العربية ومثقفيها مفاده أن الإرهاب الذي يحدث في الغرب ناتج عن عدة أسباب ولا يمكن معالجته بالحلول الأمنية والتضييق على الحريات والرقابة المفرطة. أول هذه الأسباب التهميش والفقر والإحباط وعدم المساواة الذي يتعرض له الشباب العربي المهاجر في الغرب، ثانيا فشل الغرب في إدماج الشباب المسلم في مجتمعاته، ثالثا استعلاء الغرب وعدم احترام حقوق الإنسان في الاعتقاد وازدراء الأديان والتعدي على المقدسات الإسلامية من دون غيرها، رابعا هيمنة الغرب ونهب ثروات الدول الفقيرة والضعيفة، وخامسا التدخل الغربي في الدول العربية وتسخير مقدراتها لخدمة أطماعه ومصالحه، وسادسا التحيز السافر ضد قضايا الأمة العربية العادلة وبالذات القضية الفلسطينية. في كل ذلك فإن دولنا ومثقفيها محقون فيما يقولون لأن جميع هذه الأسباب لها علاقة مباشرة بخلق العنف والإرهاب وهي التي تؤجج وتدفع الشباب المحبط إلى أحضان الجماعات المتطرفة والمنحرفة والتي هي في النهاية نتاج نظام عالمي منحاز ومتوحش، ونظام عربي قائم على الهيمنة والقوة وليس على العدل والمساواة واحترام الآخر.
لكن المفارقة هي انه عندما يحدث الإرهاب والعنف في دولنا العربية والإسلامية نجد ان الموقف الرسمي يُرجعه إلى فئات ضالة أو جماعات تتآمر على الدولة وليس له علاقة بانتهاكات حقوق الإنسان أو انتقائية العدالة أو بالنظام السياسي والاقتصادي والفساد وتقلص فرص العمل ومحدودية خيارات الشباب في حياة حرة كريمة يشارك في صنع قراراته ومستقبله.
مقارنة ذلك بكيفية تعاطي الغرب مع حالات الإرهاب والتخريب نجد أن أسلوب المعالجة الذي يتبعه ينقسم إلى شقين، يشمل الشق الأول إجراءات أمنية لحماية المجتمع من الهجمات الإرهابية «الإسلامية» ينتج عنها تضييق على الحريات، يصاحب الإجراءات الأمنية هذه فتح حوارات حول مدى استعداد المجتمع بالتضحية بالحريات في سبيل الأمن. وتختلف الآراء حول ذلك من دون أن يقوم أحد بتخوين من يرفض الحلول الأمنية ولا يؤمن بجدواها. الشق الثاني من التعامل الغربي مع الإرهاب هو ان تقوم الدولة بالاعتراف بوجود أسباب موضوعية تجعل الشباب المسلم في الغرب يقع ضحية الأغواء. تقر هذه الدول بضرورة معالجة أوضاع الشباب والاهتمام بهم وبقضاياهم ورفع الظلم عنهم. حدث ذلك في الأحداث التي وقعت في فرنسا وفي اسبانيا وفي بريطانيا مع اندلاع الربيع العربي. وكذلك يحدث الآن في فرنسا بعد هجمات شارلي إيبدو.
إن رفض الأنظمة العربية أي مسئولية عن بروز مشكلات الإرهاب ومساهمتها في خلق البيئة الحاضنة له وارتباطه بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لا يساعد على مواجهة هذا التحدي. لو أنها اتبعت منطق النصائح التي تسديها للغرب بضرورة الربط بين الجريمة والسبب لكان بالإمكان تجنب الكثير من المآسي والإحباط الذي أصاب الشباب ودفعهم في أحضان التطرف. ان مثل هذا الربط هو المنطق السليم الذي يؤدي في النهاية إلى فهم المشكلة ووضع العلاجات المناسبة لتفادي تكرار الجرائم الإرهابية. لكن للأسف تجد نفس القيادات العربية ترفض هذا المنطق عندما تحدث حالات «إرهاب» أو تخريب، وترفض ربط هذه الأعمال بأسباب موضوعية وتركز على أنها من فعل الغير وبتحريض أجنبي أو أي توصيف يرفع اللوم عن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في البلد ويلقي اللوم بكامله إما على تلك الجماعات فقط وإما على جهات خارجية. بهذا المنطق لن نتمكن من معالجة جذور المشكلة ولن نقدم حلولا شاملة لمواجهة الإرهاب.