نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٣ مارس ٢٠٢٢

مقال الاسبوع- يراود الامة امل النهضة منذ قرن ونصف ومازلنا نراوح عاجزين عن تحقيق هذا الامل، الصراعات تمزق الامة وتقضي على حلمها. مازال الجدل حول اي الاصلاحات اولا السياسي ام الاقتصادي ام الفكري. يبدو ان القيادات رأت تزامنا بين الاصلاح الفكري والاقتصادي وتاجيل السياسي، فهل ينجح؟ القاطرة لهذه الاصلاح في البعد الفكري مصر والسعودية تضاف الامارات في البعد الاقتصادي.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1289508

منذ الخمسينات والامل يراود الامة العربية في نهضة تنموية من خلال تقوية قواعدها الاقتصادية وتعزيز تماسكها الاجتماعي بخلق مناخ من التعاون والتكامل الاقتصادي سواء في الانتاج او في الاسواق او في الاستثمار والتنمية. تاسست وفق هذه التطلعات الجامعة العربية والاتحاد الجمركي وتكتلات اقليمية في المشرق العربي وشمال افريقيا وفي منطقة الخليج. تم وضع العديد من الرؤى والاستراتيجيات والى الان مازال الامل بالنهوض يراود الغالبية العظمى. يرى البعض ان التنمية تتطلب تحولات فكرية واصلاحات سياسية ومشاريع تنموية مازالت تتعرض لنكسات بعضها تاثيرات خارجية واكثرها معوقات داخلية.

برزت في العقد الاخير بوادر قد تكون فيها تجديد لهذا الامل من الناحية الاقتصادية وكذلك وهو الاهم من الناحية الفكرية. تناولنا في الاسبوع الماضي (اخبار الخليج 16 مارس الجاري- قراءة في مقابلة سمو الامير محمد بن سلمان) الناحية الفكرية التي تقودها السعودية ومصر في تجديد الفكر الديني واليوم نتناول الجانب الاقتصادي الذي تبرز فيه جهود السعودية ومصر بالاضافة الى الامارات.

فمثلا اعلن حديثا عن تعاون سعودي اماراتي في قطاع البحث والتطوير العسكري لبناء قدرات محلية. بالنسبة للسعودية فانها تنوي تخصيص ما يزيد على عشرة مليارات للبحث والتطوير في مجال بناء قدراتها البحثية في الصناعات العسكرية بهدف رفع امكاناتها الصناعية المحلية في هذا المجال. حيث يرتفع الانفاق على البحث والتطوير العسكري من 0.2% الى 4% من مجمل الانفاق العسكري في 2030. كذلك تعمل الامارات على رفع قدراتها الدفاعية المحلية، وقد وقعت وزارة الدفاع عقدا مع مؤسسة التموين العسكري الاماراتي – Tawazun) تخولها بادارة البحث والتطوير والتنفيذ في مجال البحث والتطوير.

لا يقتصر الجهد على الصناعة العسكرية بل هناك محاولات في الذكاء الصناعي وانظمة الحاسوب والمعلومات. تعمل السعودية والامارات بتعاون فيما بينها في هذه المجالات. فمثلا وضعت الامارات 25 شركة تحت مظلة واحدة تسمى (EDGE) منها شركة بناء السفن، مركز صيانة المعدات العسكرية، بايرات تصل الى خمس مليارات دولار تمكنها من المنافسة العالمية. في السعودية تم انشاء جهاز تنظيم الصناعة والابحاث العسكرية وضندوق استثماري عام والصناعات العسكرية السعودية (SAMI) كجزء من رؤية 2030.

كذلك من باب التعاون يوجه الرئيس التنفيذي لشركة سابك دعوة لشركات البتروكيماويات الخليجية بزيادة تحولها نحو الاقتصاد الاخضر. ويرى ضرورة التركيز على تحسين سمعتها في هذا المجال من خلال استخدام الاقتصاد الدائري الكربوني. خصوصا وان صناعة البتروكيماويات هي نفسها تقوم على مبدأ التخلص من الانبعاث الكربوني. رفع قدرة دول الخليج في هذا المجال يتطلب النجاح في التركيز على خلق القدرات التكنولوجية والمواهب البشرية محليا بالاضافة الى رأس المال الاجتماعي.

هذا يطرح تساؤل: هل الصناعة العسكرية هي الطريق السليم للدخول في المنافسة العالمية وتنويع الاقتصاد؟ عند الحديث عن الصناعة العسكرية دائما هناك قضية امنية تثار حيث الواقع يقول بان الدول لا يمكن ان تتخلى عن بناء قدراتها العسكرية. هل يكون ذلك على حساب القدرات الاخرى، ليس بالضرورة، بل ان الصناعة العسكرية مهمة للتنمية كذلك. فالصناعة العسكرية يمكن ان تكون القاطرة التي تخلق القدرات الصناعية الاخرى وتخلق فرص استثمارية لشركات صغيرة ومتوسطة وعالية التقنية لكي تسهم في الصناعة. ينتج من الصناعات العسكرية تقنيات متطورة يمكن ان تتحول الى منتجات مدنية تنافسية. فمثلا كثير من التكنولوجيا الحالية التي نستخدمها تم تطويرها في مراكز الابحاث العسكرية وبتمويل من القوات المسلحة الامريكية، وخير مثال على ذلك انظمة الاتصالات والانترنيت نفسه وكثير من التقنيات الداخلة في صناعة الايفون. لكن هناك تخوف ومحاذير لان الدول المتقدمة لا تشارك غيرها في الصناعة العسكرية المتقدمة والبحث العلمي العسكري.

لذلك لا يقتصر التركيز على الصناعة العسكرية. فقد طورت مصر صناعتها المدنية بهدف تقليل كلفة الاستيراد ورفع امكانية الصادرات. وعملت مع الامارات في مشاريع مشتركة مثل مشروع صناعة سيارات مصرية اماراتية ، تعمل الشركة المصرية الاماراتية لصناعة السيارات – بالعمل على انتاج سيارة، في البداية عملية تجميع وفق اتفاق مع شركات اجنبية، يبدأ الانتاج في  2022 او 2023. وسوف تبدأ بمرحلة تجميع وتنتهي بزيادة المحتوى المحلي تدريجيا. بالاضافة الى ذلك تعمل مصر على تطوير عدد من القطاعات الصناعية في مدن خاصة لهذا الغرض. فمثلا هناك عمل في اعادة احياء صناعة النسيج المصرية، وتطوير صناعة الحديد والصلب على اسس حديثة، والصناعات الميكانية وقطع الغيار ومنها صناعة الاطارات. كذلك تعمل على تطوير صناعة الدواء وتعمل مع الامارات في الصناعات الجيوفضائية.

هذا لا يعني اننا تخطينا حواجز الصعوبات المصاحبة للتكامل الاقتصادي والتطور الصناعي. فهناك عقبات تفرض التعامل معها. فمثلا كثير من الصناعات في الدول الثلاث تقودها الدولة وللقوات المسلحة نصيب كبير منها. دور الدولة في التنمية مهم وضروري، وهذا ما حدث في دول شرق اسيا. لكن ينبغي الحذر من اقتصار التصنيع على الجانب الحكومي. لا بد من دخول القطاع الخاص في عملية التنمية وبقوة لكي تستطيع الدول المنافسة في الاسواق العالمية. فمثلا في دول شرق اسيا كان المعيار الاول والاساسي لاستمرار دعم الحكومات هو القدرة على المنافسة في الاسواق العالمية ورفع نسبة الصادرات من المنتجات المحلية. فبناء القطاع الخاص يقوم على اسس المنافسة مع الدعم المشروط في بداية المشوار. القضية الثانية التي تهدد نجاح هذا التكامل والتطور الصناعي هو الجانب الاداري والحوكمة والشفافية وخضوع المؤسسات والشركات الصناعية الحكومية الى رقابة سياسية برلمانية وشعبية ومجتمعية قوية تبقي هذه الشركات على طريق التقدم. القضية الثالثة تكمن في ان التاكد من تاثير ذلك ايجابيا على مستوى المعيشته وخلق فرص عمل مجزية مع رعاية اجتماعية وغطاء صحي وزيادة الانفاق على التعليم والبحث العلمي لرفع مستوياتهما بما يواكب الحاجة في السوق وفي المجتمع. واخيرا لكي ينجح التكامل لا بد من جهاز عربي قوي بسلطات مستقلة عن الدول يدير عملية التكامل والتعاون لصالح جميع الاطراف الرسمية والمجتمعية.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *