نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. التعليم في الوطن العربي.. إلى أين؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :٩ مارس ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

قضية التعليم لا تنفصل عن استراتيجية البلد التنموية بجوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية 

يحتاج الى ارادة سياسية حقيقية لتطويره. 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13865/article/10495.html

التعليم في الوطن العربي أمام تحديات تنموية وتكنولوجية وتوفير مهارات وقدرات تساهم في خلق بيئة تحفز قدرات الانسان العربي وتسهم في خلق تنمية تضع حدا لهذا الصراع والتناحر المجنون. يقول طالب من جامعة صنعاء في اليمن: «إن التعليم لم يعد محل جدل في كونه بداية التقدم الحقيقي، وأنه يمثل جوهر الصراع العالمي وإن اساس التنافس هو سباق في تطوير التعليم. الواقع العالمي يفرض علينا سرعة التحرك لكي لا نفقد إرادتنا كشعوب ودول، فالعالم العربي على أبواب كارثة كبرى!».
يتناول هذا الطالب في بحثه قضية كون التعليم هو احد مرتكزات الامن القومي والتقصير فيه يعتبر تقصيرا في المحافظة على الامن القومي وتلاعب بحياة الناس ومعيشتهم «يقول احد المفكرين ان اعز ما انتج العقل الانساني هو مفهوم الدولة»، بها تستقر الامور وتتقدم. وبالتالي فإنّ اي تنازل عن جودة التعليم من خلال التعيينات السياسية والمحسوبية والقرابة هو في الواقع فساد وتطاول على امن الدولة وأمن الامة. دولة مثل أمريكا استنفرت للدفاع عن امنها القومي بسبب تدني التعليم في التسعينيات. فالتقدم في نظام التعليم هو تقدم في جميع المجالات ومنها التنمية والدفاع والامن. فمثلا في مصر لوحدها ربع مليون عاطل من حملة الدبلوم التكنولوجي. ماذا يمكن ان يحقق هؤلاء ولماذا نحولهم إلى قنابل موقوتة أو لقمة سهلة للتلاعب بعقولهم. فما هي استراتيجيتنا للاستفادة من هذا الجيش من المتخرجين؟
التعليم في العالم العربي لا ينقصه الانفاق، الدول العربية تنفق على التعليم ما يفوق 6% من ناتجها القومي بينما الدول المتقدمة تنفق 5,5% وتحقق مستوى اعلى. ومع ذلك فإنّ هناك تراجعا واضحا في المستوى وبطالة كبيرة تجعل الكثير من ابناء الامة يغادر إلى الغرب حيث الفرص والتقدير. كما ادى تدني التعليم إلى انتشار المدارس الاجنبية مع كل ما ينطوي عليه هذا التوجه من فقدان الهوية العربية الإسلامية. السؤال الذي يطرح في الندوات والمقابلات والمؤتمرات هو: ما هو المخرج من ازمة التعليم؟
في مقابلة مع احد المفكرين يقول: ان تدني مستوى التعليم في الوطن العربي يرتبط بمعطيات عدة، المعطى السياسي، والمعطى الاقتصادي يقعان على رأس القائمة. ويطرح السؤال الذي ينبغي البدء به لمعالجة معضلة التعليم هو: ما نوع الدولة التي نريد ان نبنيها؟ وكيف للتعليم ان يخدمها؟ 
لو أخذنا دولة مثل ماليزيا التي عقدت مؤتمرا وطنيا لمناقشة استراتيجية الدولة والى اين ستتجه واتخذت القرار بالاتجاه نحو التصنيع. على هذا الاساس تغيرت مناهج التعليم والبعثات الدراسية ونظم الهجرة ونظم الاستثمار وخلال 10 سنوات تم لهم ما أرادوا، وأصبحت ماليزيا في عام 1995 عاشر دولة صناعية في العالم. 
لذلك هناك عدة اسباب في نظر ضيف المقابلة اولها هو عدم وجود رؤية واضحة لدى القيادات السياسية. لم تحاول ماليزيا ان تكون الأول في كل شيء لكسب الشرعية كما هو الحال في دولنا، بل تم التركيز على ان تكون دولة صناعية. السبب الثاني هو عدم وجود امل لدى الطالب بعد تخرجه بشهادة جامعية غير ان يلتحق بطابور البطالة ويسأل نفسه لماذا درست؟ فتبدو له الدراسة من دون هدف. السبب الثالث هو عدم وجود جرأة لتشخيص المشكلة ووضع اليد على الجرح بسبب النظام السياسي، والسبب الرابع ان الطالب لدينا مثقل بالمواد الكثيرة والمذاكرة لحفظ المقررات وتحصيل اعلى الدرجات التي تناهز 100%. ومع ذلك فهو لا ينتج علما ولا ينتج عملا. ويتساءل اين الخلل؟
من هذه المقدمة، هناك قضيتان الاولى تتعلق بالتعليم والأخرى تتعلق بإدارة الدولة. ما يتعلق بالتعليم ينحصر في أولا أسلوب تعيين الوزير وعلى أي أسس يتم هذا التعيين؟ هل هي اسس مهنية أم انها اسس مسؤولية سياسية، أم انها انتماء آيديولوجي؟ هذا التعيين سيقرر إما تمكين الوزير من الإصلاح، وإما تحويله إلى اداة اعلامية، أو تحويل وزارة التربية والتعليم برمتها إلى أداة وخدمات آيديولوجية. ثانيا المناهج، هل هي هادفة تخضع لإشراك المجتمع وتعدديته مع وجود معايير وفلسفة مجتمعية، أم انها فوقية اقصائية آيديولوجية تهدف إلى تكريس مفهوم سياسي معين يعتمد على الحشو ومنع الطالب من التفكير والبحث والتساؤل؟ ثالثا: المعلم ومدى تقديره ومكانته الاجتماعية التي يحددها الراتب والامتيازات. رابعا: الطالب ومدى رؤيته لفرصه في الحياة، هل هي محدودة بسبب لونه وعرقه وطائفته أم انها مفتوحة وفق قدراته وطموحاته؟ خامسا الإدارة المدرسية ومدى الصلاحيات والامكانيات المتاحة لها وعلاقتها بالمجتمع وأولياء الأمور.
فيما يتعلق بالدولة فإنه ليس من الانصاف القول ان التعليم في دولنا لم يتطور، لكنه لا يكفي. في التنافس العالمي لا يهم أين أنت، الأهم اين انت بالمقارنة بالاخرين؟ مشكلة التعليم مرتبطة بالتنمية وفرص العمل، فكثير من المتعلمين العرب هاجروا إلى الغرب بسبب عدم وجود الفرص، وهذه مشكلة نظام سياسي ونظام إداري ونظام اقتصادي وليس فقط نظام تعليمي. في الوقت الذي يتساوى انفاقنا على التعليم مع إنفاق دول غربية كثيرة نجد الفارق الكبير في المستوى، اين تذهب الاموال ومن هو المسؤول؟ هذا يحتاج إلى جواب سياسي. يقول اينشتاين «لن نستطيع أن نحل المشاكل المزمنة التي تواجهنا بنفس العقلية التي أوجدت تلك المشاكل».
لذلك فإنّ المطلوب معالجة الازمة بكاملها بعقلية جديدة شمولية. فقضية التعليم لا تنفصل عن استراتيجية البلد التنموية بجوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. وبالمقابل لا يمكن ان تكون هناك تنمية من دون استراتيجية لنوعية التعليم الذي نريد، ولا استراتيجية للتعليم من دون معرفة أي دولة نريد ان نبني، هل هي دولة العدالة والمواطنة أم دولة المحاباة والمحسوبية والامتيازات؟


mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *