- التعليم .. ما اسباب التفوق وما دلالة 95%؟
تاريخ النشر : 26 يونيو 2010
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
انتهى العام الدراسي ونشرت نتائج الامتحانات في مختلف المراحل لنجد ان التفوق في التحصيل هو سيد الموقف. هذا التفوق هو ما تتطلع اليه العائلات والمؤسسات التعليمية والدولة. وتُخصص بموجبه البعثات ويتحدد وفقا له مستقبل الطالب. فمجرد فارق في جزء من العشرة من الدرجة يحدد مصير الطالب بين مبتعث ومحروم من كرم الدولة. في هذا العام حصل الاول على المدارس في توحيد المسارات على معدل 97.7% والاول على العلوم والرياضيات 99.4% وبلغ عدد المتفوقين الحاصلين على معدل 95% فاكثر في الثانوية العام هذا العام 435 طالبا. معظمهم من البنات، اي ما يزيد على 7% من مجموع الطلبة المتقدمين للامتحانات وعددهم 5931، وبلغت نسبة النجاح 95% تقريبا، اي بزيادة قدرها 2,3% عن العام الماضي. فهل هذه زيادة حقيقية في تطوير التعلم؟ واذا كانت كذلك لماذا نسب النجاح في المرحلة الاعدادية في مدارس الحكومة لا تتعدى 65% وفي المدارس الخاصة 88%؟ ماذا يعنى هذا التفاوت الكبير بين المرحلتين الاعدادية والثانوية في نسبة النجاح؟ وماذا يعنى الفرق بين نسبة النجاح في المدارس الحكومية والمدارس الخاصة؟
هذه الفروقات والاحصائيات هامة وجديرة بالدراسة لمعرفة اسبابها ومدلولاتها. كما هي هامة لمعرفة طبيعة العلاقة بين جودة التعليم وتزايد عدد المتفوقين؟ وهل زيادة نسبة التفوق هي بسبب تحسن في التعليم ام ارتفاع مفاجئ في ذكاء الطلبة؟ ام بسبب سياسة الامتحانات؟ هذا ما سنحاول طرحه للنقاش بمسابة انتهاء العام الدراسي ونامل من وزارة التربية ان تشرح الاسباب.
بدأت ظاهرة التفوق (ارتفاع نسب التحصيل الى ما فوق 95%) في التزايد في نهاية التسعينات . وشاع حينها ان بعض المتفوقين في الثانوية العامة يخفقون في امتحانات القبول في الجامعة وبعضهم يتعثرون في الدراسة الجامعية ولا يكملون عامهم الثاني. حينها اثيرت اسئلة حول اسباب هذا الفشل ولم توفر وزارة التربية اجابة شافية على ذلك. وفي عام 2005 بدأ كاتب المقال باجراء دراسة لهذه الظاهرة محاولا شرح تزايد التفوق في التحصيل الذي يزيد على 95%. هدفت الدراسة الى الاجابة على اسئلة البحث التالية: اولا هل التفوق ظاهرة ايجابية ام انه مؤشر ينذر بخطر نحتاج التنبه له؟ ثانيا ما مدى نجاح سياسة الامتحانات في تقييم قدرات الطالب المتعددة مثل الابداع والتفكير النقدي ومعالجة المشاكل (المهارات العليا كما سماها وزير التربية انذاك في كلمة له في هذا الخصوص). وهل يستمر هذا التفوق في الحياة العملية والدراسات العليا؟ ثالثا هل التفوق يرجع الى زيادة فعلية في قدرات الطلبة، ام انه بسبب تغيير في سياسة واسلوب الامتحانات؟
استخدمت الدراسة تعريف الجمعية الوطنية للدراسات التربوية بامريكا للمتفوق على انه الطالب “الذي يظهر اداءا مرموقا بصفة مستمرة في اي مجال من المجالات ذات الاهمية ” واعتبرت ان المعلومات والخبرات التي يحصلها الطالب عن طريق البرامج الدراسية في مراحل التعليم المختلفة ما هي الا وسيلة لعملية اعداده التي تمكنه من ممارسة ادواره الوظيفية التي يُعد لها. ولغرس قيم المجتمع ومعاييره بما يجعل هذا الطالب عضوا نشيطا وفعالا داخل مجتمعه. شملت العينة المستخدمة في الدراسة المرحلة الثانوية بفروعها العلمي والادبي والتجاري والصناعي واخذت مجمل الناجحين في الاعوام 1995 الى 2000 وتم تصنيف الناجحين حسب درجاتهم التي حصلوا عليها في المعدل النهائي.
بينت النتائج الاولية ان نسبت الحاصلين على معدلات تتراوح بين 50-60% في عام 1995 كانت 9.8% انخفضت الى 1.97% في عام 2000. اي انها تقلصت خمس مرات. وفي نفس الوقت صاحب هذا الانخفاض ارتفاع حاد في نسبة الحاصلين على معدلات تزيد على 95%. حيث ارتفعت نسبة هذه الشريحة من 1.96% في عام 1995 الى 8.73% في عام 1999. بشكل عام تبين من النتائج الاولية ان عام 1999 شهد ارتفاعات وانخفاضات حادة في جميع الشرائح. فهل هذا الارتفاع كان بسبب تطور في التعليم، او كفاءة المعلمين، او ارتفاع مفاجئ في نسبة ذكاء واجتهاد الطلبة؟ وهل هو ناتج عن تغيير حقيقي في المنظومة التعليمية ام انه نتيجة للتغيير في سياسة الامتحانات والتصحيح ورفع الدرجات كقرار اداري. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا حدث في المنظومة التعليمية عام 1999 وما بعدها التي ادت الى هذا التطور المفاجئ والمستمر الى اليوم؟
لم يتمكن كاتب المقال من انهاء الدراسة حيث تبين انها تحتاج الى معلومات وبيانات غير ممكن لفرد الحصول عليها والى جهد مؤسسي وليس عملا فرديا. غير ان المهم ان هذه الظاهرة مازالت تحتاج الى دراسة والسؤال مازال قائما – ماهي دلالات الارتفاع في نسبة التفوق؟ لذلك فاننا نلح في دعوتنا لوزارة التربية والتعليم ان تجري دراسة مماثلة للاجابة على اسئلة البحث اعلاه وشرح هذه الظاهرة، فقد تستفيد منها في اعداد جيل افضل يساهم في الرؤية الوطنية 2030