مع زيادة البطالة وتدني الايرادات تواجه دول الخليج ازمة تنموية اساسها ضرورة تغيير السلوك والقناعات وحتى التقاليد قبل فوات الاوان.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/14236/article/67365.html
الدول الخليجية وتحت غطاء خفيف من الإنفاق الترفي هناك معاناة وأزمة في الانتظار بسبب استمرار تدني أسعار النفط، النمو يتراجع والبطالة في ازدياد. هكذا تلخص مجلة الايكونومست الأزمة الاقتصادية في الخليج العربي. وتواصل بأن السياسيين بدأوا الحديث عن الضرائب التي كانت تعتبر من الأمور المستبعدة. القطاع الخاص فيها مازال يعتمد على الإنفاق الحكومي من النفط، ولتحقيق استدامة في الإنفاق على الحكومات تغيير هيكل اقتصاداتها.
صناعة النفط وعلى مستوى العالم أصبحت في حقبة جديدة تواجه تحديات لكي تتعافى وتستطيع أن تلبي احتياجات السوق. ينتظرها ضخ استثمارات ضخمة خلال العقدين القادمين بما يساوي عشرين تريليون دولار، وهذا يبدو غير ممكن في ضوء التدني في الأسعار وضعف الطلب. توفير مثل هذه الاستثمارات يعتمد على تعافي أسعار النفط خلال الأعوام القليلة القادمة، وبلوغه ما يقارب 77 دولارا بحلول عام 2020 بعد تخفيض الإنتاج الذي أقرته منظمة «اوبك» والمنتجون الآخرون.
هذا يعني انه يجب على دول الخليج التفكير بجدية في البدائل الاقتصادية، وتغيير سلوك الإنفاق بالنسبة إلى الدولة والفرد. لذلك نطالب مجلس النواب بطرح هذا الأمر للنقاش العام على مستوى المجتمع، وان يأخذ مجلس النواب المبادرة في مناقشة الوضع الاقتصادي بغرض إيجاد مخارج وليس فقط للإثارة وتسجيل نقاط. إلى الآن لم يقم المجلس بعقد مناقشة جادة حول الوضع وطرح بدائل وخيارات للخروج من الحالة الراهنة؟ خاصة على المستوى الاقتصادي.
قضية التنمية والحلول الاقتصادية التي تتحدث عنها الدولة وهيئاتها تتمحور حول جذب الاستثمار في الصناعات والخدمات وهذه جهود تشكر عليها بالرغم من أنها قليلة (106 ملايين دولار خلال 2016) ولا تخلق فرص العمل المنشودة. كما تبين من خلال كثير من التقارير المحلية والعالمية ان هناك عدم توافق بين مخرجات التعليم والتدريب وبين المتطلبات، لكن هل هذه هي المشكلة؟
التنمية بالدرجة الأولى تعتمد على منظومة من السياسات والمؤسسات والبرامج والاستراتيجيات وليس على أمر واحد منفصل. ومن أهم هذه السياسات هو ما يتعلق بتنمية القوى البشرية، ويأتي في صلب هذه العملية نظام التعليم والتدريب والبحث العلمي والتكنولوجي.
مشروع تطوير التعليم انطلق مع رؤية البحرين 2030. وفي بداية الشهر انعقد مؤتمر الشبكة الدولية لهيئات ضمان الجودة في التعليم العالي 2017، بحيث تمنح الخريجين القدرة على خلق مستقبل لهم ولغيرهم من خلال إبداعاتهم ومساهماتهم في «تأسيس مشروعات تصنع الأمل». مؤشرات البطالة بين الشباب توحي بعدم تمكن أنظمة التعليم من تحقيق هذه الرؤية. السؤال هل نظامنا التعليمي، بعد كل ما يقال عن الجودة، وصل إلى المستوى الذي يمكنه من المساهمة في التنمية واستفادة خريجيه من فرص العمل التي يخلقها الاقتصاد؟ وأين يكمن الخلل ومن المسؤول في ذلك؟
فيما يتعلق بجودة التعليم العالي يتحدث رئيس اتحاد الجامعات العربية الدكتور سلطان ابوعرابي عن التحديات التي تواجه التعليم العالي في الدول العربية والتي تتلخص في ضعف الميزانية، هجرة الأدمغة، عدم قدرة الجامعات على تزويد الخريجين بالكفاءة والتدريب، ضعف البحث العلمي، ضعف الأنفاق، قلة عدد الباحثين، وعدم تقييم جودة التعليم بمعيار صلاحيتهم لفرص العمل المتاحة.
وفي مناسبة أخرى يتحدث الأستاذ جمال فخرو ليقول ان ميزانية التدريب في شركات البحرين محدودة، وهذا فيه نوع من المجاملة، اذ الواقع قد يكون أكثر من محدودة في الشركات. وماذا عن الإنفاق في المؤسسات الحكومية والمؤسسات التعليمية؟ وزارة العمل و«تمكين» تحاولان ضخ أموال في سوق التدريب وفي تطوير منظومة التدريب وتطوير بنيتها التحتية لتأهيل الباحثين عن عمل، كما ان كلية البحرين التقنية أنفقت 10% من ميزانيتها على البحث العلمي خلال عام 2016. ودشنت الكلية جائزة البحث العلمي وجائزة الابتكار لتشجيع الريادة والابتكار.
بعد كل هذه الجهود والمشاريع لتطوير التعليم والبحث العلمي وتشجيع الابتكار على مستويات مختلفة لماذا إذًا تستمر البطالة والبحث عن عمل واستفادة الأجانب بالجزء الأكبر من فرص العمل، وهناك حاجة إلى تطوير الأداء الاقتصادي في الدولة؟ ويبقى السؤال أين الخلل ومن المسؤول؟
لم تتقدم وزارة التربية والتعليم بتقديم تفسير لذلك، ولم نسمع رأيا من مجلس التنمية الاقتصادية. وزارة العمل المتصدرة لتوظيف العاطلين غير قادرة وغير متوقع منها معالجة بطالة الشباب، وبالتالي فإن المسؤولية غير محددة.
على المستوى النظري توجد دراسات تحدد متطلبات التنمية ودور التعليم فيه. فمثلا في تقرير صادر عام 2000 (ليس متأخرا بالنسبة إلينا في الخليج) يرى أننا بحاجة إلى سياسات في العلوم والتكنولوجيا لمواجهة تحديات العولمة والمنافسة الشرسة في الأسواق، كما ان المنطق يقول إن دول الخليج لا بد أن تعمل معا لمعالجة مشكلة التنمية وهذا ما جاء في الاتفاقية الاقتصادية الأولى عام 1981 والثانية عام 2001. لكن للأسف إلى الآن لم نعمل على وضع مثل هذه السياسات وتنفيذها بفاعلية.
عمليا دول الخليج التي ضيعت فرصة التصنيع منذ السبعينيات تحاول الآن اللحاق من خلال الاستثمار الأجنبي، والتعليم والبحث العلمي تضخ فيه استثماراتها المالية والبشرية. هذه يحتاج إلى مؤسسات وأنظمة حديثة لإدارة عملية إنتاج المعرفة والابتكار. مثل هذه المؤسسات تتطلب قدرا كبيرا من الانفتاح الاقتصادي وتعزيز الشفافية والمساءلة وتوفير المعلومات على مستوى واسع. حينها يمكن نقل المعرفة من دول الغرب المتقدم إلى دول الخليج وخلق قدرات استيعابية من خلال منظومة متكاملة من المؤسسات، هذه المنظومة تتكون من شبكة من العمليات والأنشطة قوامها قوة بشرية تتمتع بمستوى عال من التعليم العلمي، والبحث والتطوير، وخدمات المعلومات، وقواعد ومعايير وإطار قانوني وخدمات مالية.
إنشاء مثل هذه المنظومة بحيث تتكامل مع قواعد الإنتاج الصناعي والتجاري والخدمي، وبناء الإنسان القادر على تحويل التقنيات إلى مشاريع اقتصادية يقع خارج نطاق وزارة العمل أو وزارة التعليم أو مجلس التنمية الاقتصادي، هذا الجهد يتطلب إستراتيجية حكومية على مستوى الدولة (وعلى مستوى مجلس التعاون) يشارك في وضعها الوزارات والمجتمع بمؤسساته الحية والإنسان نفسه، وفي كل ذك تكمن المشكلة وتقع المسؤولية النهائية.