نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

20 فبراير 2023

مقال الاسبوع – بطالة الشباب من اهم القضايا التي تشغل المجتمعات على مختلف المستويات لعدة اسباب منها امنية واجتماعية واقتصادية. الخليج يعاني من ارتفاع مستوى العمالة الوافدة ومنافستها في سوق العمل. الكثيرون يرو ان تاهيل الشباب هو المفتاح وبعدها ياتي دور السياسات الاخرى المتعلقة بالاجور. ماهي اهم العوامل المؤثرة في توظيف الشباب؟ التحديات والفرص؟

التعليم وسوق العمل.

قضية الشباب والعمل والبطالة من اهم القضايا التي تشغل دول العالم لعدة اسباب. اولا ان الشباب ثروة وطنية لا بد من استغلالها في التنمية وتعتبر الطفرة الديمغرافية ميزة يتوجب على الدول استغلالها في خططها التنموية والاستفادة منها قبل فقدانها وتحولها الى عبء اجتماعي عندما يرتفع عدد كبار السن والمتقاعدين. ثانيا فئة الشباب تتطلع الى بناء مستقبل وتمثل مخزون الابتكار والابداع ولديها استعداد للمخاطرة والتجربة وبالتالي فهي ركيزة من ركائز التنمية الاقتصادية في اقتصاد يقوم على المعرفة والتنويع. ثالثا تعتبر هذه الفئة عنصر مهم يسهم في الاستقرار الاجتماعي والسياسي اذا ما استغل في الانتاج وقنبلة موقوتة اذا ما اهمل او فقد الدافع للعمل وسيطر عليه الاحباط.

وفق استطلاعات رأي في الصحافة المحلية يتضح ان موضوع توظيف البحرينيين ياتي على رأس اهتمامات المجتمع واعتباره اهم الملفات واكثرها الحاحا، ويطالب المجتمع مجلس النواب بالاهتمام الخاص بهذا الملف.

لهذا السبب اكتسبت مبادرة توظيف الاطباء اهمية خاصة واعتبرها المجتمع بادرة طيبة ليست فقط من الحكومة ولكن من مجلس النواب الذي اثار قضية توظيف الاطباء وجعلها موضوع مناقشة عامة تجاوبا مع الضغط المجتمعي. طالب النواب خلال المناقشة ربط مخرجات التعليم بالواقع الاقتصادي والتوجه الصناعي في برامج التنمية. اعطت هذه البادرة الحكومية الامل في تقديم مبادرات اخرى لتوظيف المهندسين والمهنيين الاخرين ومعظم الخريجين.

القضية كما يبدو ليست في عجز الاقتصاد في خلق فرص عمل ولكن الاشكالية في من يستفيد من فرص العمل هذه؟ ولماذا؟ هذا السؤال لا بد ان نناقشه كمجتمع: لماذا يفضل سوق العمل العمالة الاجنبية؟ هل بيئة العمل تميل لصالح العمالة الاجنبية؟ هل المشكلة في مستوى التعليم ومواءمته مع سوق العمل؟  ام ان سياسات سوق العمل لا تدعم بما يكفي تشغيل البحرينيين. ام انها نتاج سياسة اقتصادية تستند الى الايديولوجية الليبرالية الجديدة وهيمنة السوق المتحرر من القيود؟ يقود ذلك الى طرح السؤال الاهم وهو هل النموذج التنموي المتبع يتناسب مع متطلبات سوق العمل البحريني والخليجي او حتى العربي؟ مالم تكن هذه الاجابات واضحة من الصعب معالجة مشكلة البطالة.

مشكلة العلاقة بين سوق العمل والتعليم والتنمية الاقتصادية ليست حديثة ولا تقتصر على البحرين. هذه العلاقة خضعت لمناقشات من عدة جهات، وهناك حلول استخدمت في الخليج يمكن الاستفادة منها. فمثلا عُقد في الامارات في فبراير 2010 المؤتمر السنوي الخامس عشر بعنوان “التعليم ومتطلبات سوق العمل” نظمه مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية، شاركت فيه دول الخليج العربي. ناقش المؤتمر الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل في دول مجلس التعاون. اتفق المتحدثون على ان هناك عوامل مشتركة بين اقتصاديات دول الخليج ومنظوماتها التعليمية، وسوق العمل فيها. بالرغم من مرور 12 سنة على المؤتمر الا ان القضايا لم يجري عليها تغيير يذكر. فقد تناول المؤتمر المشكلة في ثلاث مقاربات. الاولى تقول بغياب المناهج التعليمية المناسبة وضعف المهارات المطلوبة لسوق العمل. المقاربة الثانية تقول بان مهمة التعليم اكبر من مجرد توفير متطلبات لسوق العمل، وبالتالي على القطاع الخاص ان يكون لديه الاستعداد للقيام بالتدريب اللازم لسد حاجته من العمالة المدربة، وان يوفر الحوافز اللازمة لجذب العمالة الوطنية. المقاربة الثالثة تقول ان العلاقة بين مخرجات التعليم وسوق العمل تتشكل بنمط التنمية في المجتمعات الخليجية. وان عملية التنمية ليست مسئولة فقط عن جودة ومستوى ومدى التعليم ولكن كذلك معنية بطبيعة فرص العمل في دول الخليج. ناهيك عن تاثير العولمة والتغيرات التكنولوجية.

المؤثر الثاني هو العوامل الديمغرافية ومنها الزيادة السكانية، خصوصا في فئة الشباب. فمثلا دخول المرأة سوق العمل زاد من الباحثين عن عمل وقلل نسبة فرصهم، ترافق ذلك مع انخفاض فرص التوظيف في القطاع العام وتباطؤ النمو في القطاع الخاص واستخدام التكنولوجيا للقيام ببعض المهن. يضاف الى ذلك ارتفاع تطلعات الشباب في نوعية الوظائف المتوقعة. كما ان ارتفاع المديونية في كثير من الدول العربية اثرت على القدرة الاستثمارية وعلى قدرة القطاع العام والخاص في التوظيف. نتيجة هذه الضغوط المالية اثرت في الانفاق على التعليم والخدمات الاجتماعية وضمانات ضد التعطل، كما اثرت كذلك على القدرة الشرائية في المجتمع وبالتالي تراجعت قدرة القطاع الخاص في النمو وخلق فرص عمل.

تمخضت عن هذه المؤتمرات عن معالجات للبطالة من خلال الاستثمار في التعليم واعادة النظر في مناهجة واسلوب التدريس ونوعية المهارات المطلوب التركيز عليها، وفي اقامة اقتصاد متنوع يتجه بشكل اكبر نحو الحلول التكنولوجيا المناسبة للفئة المتعلمة من المجتمع، اجراء اصلاحات في السياسات السكانية وتقليل الوافدين من العمالة ومن منح الجنسيات. بالاضافة الى اجراء اصلاحات سياسية تمكن المجتمع من المساءلة والمحاسبة لرفع قدرة السلطة التنفيذية في وضع وتنفيذ السياسات المناسبة لمعالجة هذه القضايا وخصوصا في وضع معايير الكفاءة في التوظيف. والاهم تغيير في النمط الاقتصادي ورفع مستوى التنويع الاقتصادي والتركيز على قطاع الصناعات السلعية والخدمات. الحلول الجزئية لا تكفي لمعالجة قضية متشعبة ومتداخلة مثل قضية البطالة وتوظيف الشباب وفق معايير عادلة ولا بد من الشمولية في المعالجة.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *