نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. التكامل الخليجي في ضوء التدخل الإيراني

  تاريخ النشر :٥ أغسطس ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- دعوة الى معالجة جذور المشكلة بين دول الخليج وايران لصالح المنطقة، معالجة شاملة تضع الانسان في سلم الأولويات وتحصين البيت من الداخل.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13648/article/35814.html

 عندما تشب الحرائق يهرع الناس إلى إطفائها وينقسمون في ذلك إلى عدة أنواع. منهم من ينهمك في عملية الإطفاء ولا يفكر في أي شيء آخر وبعد الانتهاء يعود إلى ما كان يعمله قبل الحريق وكأن شيئا لم يكن. وآخر يفكر في أسباب نشوب الحريق ويحاول ان يلاحظ أدلة تظهر له السبب أو الأسباب، وثالث يفكر ليس فقط في الأسباب ولكن كذلك في الظروف التي أوجدت الأسباب المؤدية إلى نشوب الحريق ويحاول ان يحلل هذه الظروف ويرجعها إلى أصولها وجذورها. وفريق آخر يتجاوز ذلك ويحاول ان يعرف كيف يمكن منع حدوث هذه الحرائق وقد يفكر في إيجاد بدائل تغني الإنسان عن النار في مثل هذه الظروف. المجتمع في حاجة إلى كل هذه الفئات وخصوصا تلك التي تفكر في الأسباب الجذرية وتحاول إيجاد البدائل لما تصادف المجتمعات من مشاكل.

 في قضية التصريحات المرفوضة والمستفزة التي تطلقها إيران بين الفينة والأخرى يتصرف الناس وفق احد النماذج أعلاه، فهناك من الناس من يعلن رفضه واستنكاره لمثل هذه التصريحات المتكررة. وهناك فئات مازالت ومنذ الثمانينات تفكر في معالجة الأمر معالجة جذرية عملية تعود بالنفع على المجتمعات الخليجية وعلى الإقليم ككل وعلى الوطن العربي، والمجتمع بحاجة إلى هذا وذاك.

 أولا نؤكد أن التصريحات المتكررة مرفوضة ومستهجنة وتدل على أطماع ومشروع لا يخفيه الجانب الإيراني. وقد تنبهت دول الخليج بإقامة مشروع مجلس التعاون أملا ان يصل إلى الوحدة الكاملة. غير ان هذا المشروع ما زال متعثرا لم يحقق أهدافه ولم يصل إلى طموحه. بل إننا نرى تراجعا في بعض الجوانب ونزاعات بين بعض دول مجلس التعاون تطفو على السطح من وقت إلى آخر. أما شعوب المنطقة التواقة إلى قيام مثل هذا المجلس فليس لها سوى مشاهدة التراجع والجمود والخلافات في بعض الحالات.

 السؤال الذي نطرحه على القادة الخليجيين هو ما هي الحلول الجذرية لهذه الحرائق التي تتعرض لها مجتمعاتنا بين فترة وأخرى من تدخلات إيرانية أو إرهاب محلي أو موجة التكفير التي اجتاحت المنطقة أو موجة الربيع العربي وما تلاه من حروب أهلية. وتتعقد الأمور بسبب القضايا الاقتصادية من أزمة انخفاض أسعار النفط وتدني مستوى التعليم والمعيشة وإيجاد فرص عمل. كل هذه قضايا تتطلب حلولا ومواجهة تصل إلى أصل المشاكل وتحاول وضع السياسات والاستراتيجيات لمعالجتها.

 في خضم حملة التأييد والدعم لموقف البحرين يقول الشيخ خالد بن خليفة رئيس مجلس أمناء مركز عيسى الثقافي «علينا ألا نكتفي بالشجب والاستنكار بل لا بد من تبني مشروع عربي فكري وعسكري متكامل ومضاد ورادع لهذا التمدد» لتحقيق الأمن القومي العربي والخليجي. ونضيف أن التكامل الفكري والعسكري لا يكفي إذا لم يكن مرتكزا على تكامل اقتصادي وإصلاح سياسي خليجي ومن ثم عربي.

 مثل هذه النداءات تكررت في كثير من المواقف ومازلنا نطرح السؤال على قادتنا في الخليج: متى تحدث هذا الوحدة أو التكامل الاقتصادي الذي يجعل من منطقة الخليج قاطرة لتكامل عربي؟ لماذا تأخر المشروع العربي الذي بدأ في أربعينيات القرن الماضي لكنه ولد كسيحا مشلولا كما ان مجلس التعاون الخليجي مازال يعاني بطء الحركة. ما هو السبب الرئيسي في فشل الدول العربية والخليجية في تحقيق أي تقدم يذكر في مجال التكامل؟ 

 أقيمت العديد من المؤتمرات والندوات والدراسات وأُلِّفت الكتب العديدة حول موضوع التكامل الخليجي المفضي إلى الوحدة ووضعت النظريات والأطر، والى الآن لم يتحقق إلا النزر اليسير، وما زال الخليج العربي معرضا لأطماع الدول الإقليمية والدولية. ويبقى السؤال لماذا؟ 

 آخر هذه المؤتمرات برعاية المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة في ديسمبر 2014 تحت عنوان «السياسة والاقتصاد في ظل المتغير الإقليمية والدولية». اختيار هذا الموضوع كان بدافع وجود تحديات غير مسبوقة وان هناك تباينا في مواقف واتجاهات وقراءات دول المجلس تجاه هذه التحديات والتهديدات.

 لخص المؤتمر هذه التحديات والقضايا في أولا: قضية الهوية التي أصبحت مهددة بفعل الجنسيات المختلفة وخطورة استفحال ذلك في ظل المواثيق الدولية التي تمنح حق الجنسية وحقوقا سياسية للوافدين.

 القضية الثانية هي التعليم وما يتهدد اللغة العربية من مخاطر من الجاليات الأجنبية ومن مناهج التعليم الأجنبية. القضية الثالثة هي طفرة النفط وتأثيره على تأخر مسيرة نمو المجتمعات بشكل طبيعي، سياسيا حيث مكنت الثروة النفطية من تأخير الإصلاح السياسي والاستعاضة عنه بالرفاهية والرخاء الاقتصادي المتأتي من النفط، واقتصاديا حيث أدت الوفرة المالية إلى إعاقة تطور الاقتصاد وتكالب الدول الكبرى على المنطقة والتدخل في أدق شئونها مما أفقدها جانبا كبيرا من سيادتها واستقلال قرارها السياسي والاقتصادي. القضية الرابعة كانت التحذير من آثار اختلال التركيبة السكانية على مفهوم المواطنة وأهمية التناسب بين الواجبات والحقوق وضرورة تقليص الامتيازات والتمايز بين المواطنين. القضية الخامسة تتعلق بجانب من الهوية حيث يحذر الباحث من إعطاء الهوية الخليجية صبغة سنية في مقابل إيران الشيعية ويؤكد أهمية التركيز على الهوية العربية في مقابل الهوية الفارسية.

 وتطرح أحدى الباحثات ضرورة إيجاد صيغة يكون بالإمكان معها الانفتاح على العالم وعلى الإقليم مع الحفاظ على الهوية الخليجية ضمن مشروع عربي.

 السؤال الآن كيف ستتعامل دول الخليج مع هذه التحديات وغيرها؟ وهل تملك دول المجلس الآلية والأدوات والمؤسسات للتحرك في اتجاه المعالجة العملية أسوة بالمؤسسات المتوافرة في الاتحاد الأوروبي أو الاتحادات الإقليمية الأخرى؟ الوضع لا يحتمل الانتظار ونرجو ان تسرع دول المجلس في بناء الإنسان والمجتمع والدولة وتحصين البيت الداخلي بالإصلاحات السياسية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *