بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الأربعاء ٢٠ يوليو ٢٠٢٢
مقال الاسبوع – التنمية والتقدم يحتاج الى بناء الانسان ولا يتم ذلك الا ببناء قدرته على النقد وحرية التعبير في دولة مدنية ديمقراطية، الدول العربية متقدمة في المتطلبات المادية لكنها متخلفة في بناء الانسان والدولة. هذا يحتاج الى قيادات تضع الانسان في اولوياتها فعليا وليس خطابيا.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1302768
لتصنيع احد اهم قاطرات التنمية والتقدم العلمي والتكنولوجي الداعم للاستعداد للمستقبل. نشطت دول الخليج في الاهتمام بالتصنيع في الاوانة الاخيرة. فمثلا تهدف السعودية الى ان تكون مساهمة الصناعة 450 مليار دولار في الناتج المحلي بحلول 2030، والامارات تعمل على تطوير مساهمتها في صناعات الطاقة، وفي البحرين ارتفعت وتيرة التصريحات عن انشاء مصانع للادوية، ولوحات الطاقة الشمسية، واطلقت وزارة الصناعة شعار “صنع في البحرين”، وتسعى الى تهيئة البيئة المناسبة لنمو المشاريع الصناعية والابداعية، ووضع اجراءات لحماية الصناعة الوطنية. وحسب الوزارة فان الصناعات التحويلية تضيف 2.3 مليار دينار للاقتصاد البحريني، وتمثل 25% من رواتب القطاع الخاص. اي ان هناك ادراك باهمية الصناعة للتنمية لكن كيف سيكون المستقبل وماهو استعدادنا له؟ ليس فقط كدول خليجية ولكن على مستوى الوطن العربي. فالتصنيع يحتاج الى تقدم علمي ومعرفي وتكنولوجي مستمر، وسوق كبيرة، وسياسة صناعية متناغمة توفر الحماية في مراحله الاولى. لن تتوفر هذه بسهولة في ظل تعثر التكامل العربي والاقليمي.
عقدت المنظمة العربية للتنمية الصناعية اجتماعها الواحد والستين بتاريخ 28 يونيو 2022. يطرح الاجتماع العديد من التساؤلات حول جوهرالدور الذي تقوم به المنظمة؟ والنتائج التي تحققت مقارنة بالطموح؟ كذلك يثير تساؤلات حول فاعلية المنظمة بصيغتها الحالية ومسئولية النهوض بالصناعة العربية؟ وهل البيئة العربية ملائمة، ام ان كل دولة عليها ان تشق طريقها نحو التصنيع لحماية مستقبلها ومستوى معيشة شعبها؟ وهل هناك جهود في كل دولة عربية كافية لتطوير قطاع الصناعة استعدادا للمستقبل؟ طرح مثل هذه الاسئلة يجعل المواطن العربي يبحث عن ما يطمئنه على مستقبل المجتمعات والدول العربية؟
من حيث المنظمات العربية فقد تاسست المنظمة العربية للتنمية الصناعية منذ 1988 ووضعت اربعة اهداف هي تحقيق التنسيق والتكامل الصناعي العربي؛ الاسهام في تنمية وتطوير الصناعة في الوطن العربي وتعضيد قراراته في مجال الصناعة والطاقة والتعدين والتقييس والجودة بما يعزز تطوير الانتاج والانتاجية؛ دعم واقامة المشروعات الصناعية على المستويين القطري والعربي؛ تنسيق التعاون بين الدول العربية وبينها وبين الدول الصناعية المتقدمة في مجال البحث العلمي والتطوير والابداع والابتكار والمشروعات الاستثمارية.
من حيث الاستعداد للمستقبل يقول تقرير “الاستعداد للمستقبل” الذي تصدره جوجل، بان الامارات العربية المتحدة من الدول العربية التي قطعت شوطا في التصنيع، وانها حققت المركز 23 من بين 123 دولة ناشئة في مدى الاستعداد للمستقبل. يركز هذا المؤشر على اربع مرتكزات هي رأس المال المادي، رأس المال البشري، التقدم التكنولوجي، والتنافسية. حققت دول الخليج وبعض الدول العربية مراكز متقدمة في رأس المال المادي بسبب الفوائض المالية وقدرتها على الاستثمار في الاتصالات والبنى التحتية بشكل عام. ويقول التقرير بان هذا عنصر هام لكنه ليس كافيا. بالنسبة لرأس المال البشري تقدمت المشهد دول مثل سنغافورا والصين والهند ودول شرق اسيا وجنوب افريقيا. وهذا هو العامل الحاسم في عملية الاستعداد للمستقبل، وما يزال هناك مجال للتقدم من حيث الاستثمار في التعليم والبحث العلمي. بالاضافة الى ذلك تبين التقارير المصاحبة للمؤشر ان هناك علاقة طردية بين حسن الادارة والحوكمة (المساءلة، الشفافية ومكافحة الفساد، وحكم القانون) وبين تبني الحلول التكنولوجية والتقدم فيها. من حيث التنافسية حققت الدول التي تمتلك اطار مؤسسي اكثر استعداد للتغيير والتكيف مراكز متقدمة، خصوصا وان هذه عوامل تعتمد في معظمها على التكنولوجيا وعلى الانسان ومدى استعداده للابتكار اولا ومن ثم الاستخدام.
الرسالة التي يوصلها هذا التقرير عبر مؤشر الاستعداد الاقتصادي المستقبلي ان الدول المتقدمة تشترك في جودة المؤسسات من حيث الحوكمة والكفاءة الادارية وسيادة القانون والاهتمام بالرفاه الاجتماعي، وتشترك في جودة البنى التحتية الشاملة من حيث المواصلات والاتصالات، ومن حيث التوازن في التقدم في المرتكزات الاربعة. اي انه لا يكفي تحقيق مراكز متقدمة في الجانب المادي والبنى التحتية والتكنولوجية دون ان يكون تقدم موازي في رأس المال البشري او عنصر من عناصر هذا المؤشر. لذلك على الدول العربية مواجهة السؤال حول كيفية تطوير قدرات وطاقات الانسان جميعها وليس التركيز على جانب مثل التعليم واغفال التنمية الفكرية والثقافية والسياسية وتنمية الحس النقدي. فهذه الجوانب تمنح الانسان قدرة على توظيف تعليمه في البحث والتطوير وفي تحسين اداء المؤسسات التي يخدم فيها وفي الارتقاء بالمجتمع ككل.
بالعودة الى التصينع نجد ان رأس المال البشري وقدرته على توظيف المعرفة والتكنولوجيا والثورة الرقمية تمثل العنصر الاساسي والمكون الاهم فكيف توظفه الدول العربية؟ من المهم اعتبار هذه التقنيات الرقمية والتكنولوجية على انها وسائل وليست اهداف في حد ذاتها كما يبدوا من توجهات بعض الجهات التعليمية. الغاية الاساسية هي اولا انتاج سلع وخدمات للاستخدام النهائي تخدم رفاهية الانسان ورفع مستوى نشاطه العام ومستوى معيشته، وثانيا تحقيق مستوى من القدرة التصديرية لتغطية ما تستورده الدول العربية من الخارج. فاذا لم يتحقق ذلك فان هناك حاجة ملحة لمراجعة الرؤى والاستراتيجيات والتوجهات بشكل عام وبالذات الحالة الذهنية التي تقود الى هذه النتائج.
لذلك فانه من الضروري مقارنة التقدم الرقمي والتكنولوجي والصناعي الذي نسعى له مع القدرة على الابتكار ومستوى الدول العربية في مؤشر الابتكار العالمي، ثانيا مقارنة مستوى القدرات التنافسية في مؤشر التنافسية العالمية، ومؤشر الاستعداد في شبكة التواصل (الانترنيت). اي ان الاستعداد المستقبلي يقوم على مزيج من التقدم البشري المتوازن والاهتمام بالمواهب لتحسين قدرات التحضير للمستقبل وتبني نتائجه والاستعداد له معرفيا وفكريا بالتوازي مع الاستعدات التكنولوجية، بهذا التوازن يكون الاستعداد. وفق هذه المؤشرات فان الدول العربية والخليجية بشكل خاص تتقدم في رأس المال المادي وتحتاج الى جهد اكبر في رأس المال البشري. هل هناك دور للمنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين في معالجة ذلك، او اي منظمة عربية اخرى؟ ام على الدول العربية وضع رؤية للتنمية الصناعية بشكل منفرد تاخذ مثل هذه النتائج في الاعتبار؟