نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

معايير التنمية المستدامة المتعلقة بالفقر والتعليم والصحة لا تنطبق على البحرين، علينا ان نحدد معايير تتفق وإمكانات الدول النفطية والدول المتقدمة ، هذا لم يتحقق الى الان ويحتاج الى سياسات وبرامج وشفافية في نشر المعايير التي توصلنا اليها.

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1122320

التنمية المستدامة في تقارير الأمم المتحدة تشتمل على 17 عنصرا، بعضها يتعلق بالحالة الصحية والحالة التعليمية وحالة الفقر. هذه الحالات في مستواها الأدنى التي يتحدث عنها تقرير التنمية المستدامة لا ينطبق على الدول المتقدمة وبالتالي فهو لا يندرج ضمن معايير تقدم ونجاح هذه الدول في تحقيق التنمية المستدامة، بل يستعاض عنها بمعايير أخرى، مثل مساهمتها في الحفاظ على البيئة ونسبة الانبعاثات الحرارية وقدرتها على خفض مستويات الفقر النسبي في بلادها وقدراتها التنافسية ومستوى معيشة مواطنيها وتطورها الديمقراطي ومستوى الحريات وحقوق الإنسان. أي ان المعايير السبعة عشر المستخدمة في التنمية المستدامة لا تنطبق على الدول المتقدمة، وكذلك لا تنطبق على الدول النفطية الغنية مثل دول مجلس التعاون. دول مجلس التعاون تحتاج إلى مؤشرات متطورة نسبيا لتحديد مدى نجاحها في التنمية المستدامة 2030، وبهذا الصدد فقد تطرق سعادة الوزير محمد المطوع إلى هذا الموضوع أثناء اجتماع اللجنة الوطنية للمعلومات مع وفد إدارة التنمية المستدامة بالأمم المتحدة لبحث أوجه الدعم الفني في إعداد التقرير الوطني الطوعي الأول حول تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030 الذي سيقدم في يوليو المقبل.

هذا التقرير الذي ستقوم البحرين بإعداده بالتعاون مع هذا الوفد، ينبغي أن يعكس الواقع التنموي في البحرين بناء على معايير تناسب ما توصلت له البحرين من تنمية ولا يعتمد المعايير الموضوعة والتي تختص أكثر بالدول الفقيرة مثل كثير من الدول الإفريقية وبعض الدول الآسيوية. البحرين ودول مجلس التعاون بشكل عام، ينبغي أن تضع لنفسها معايير تمثل تحديا لها ولا تعتمد معايير تم تجاوزها قبل نصف قرن، سواء في التعليم أو في الحالة الاجتماعية والصحية ومستوى المعيشة وجودة الحياة بشكل عام.

اعتماد معايير متقدمة تعكس ظروف دول مجلس التعاون يحتاج إلى وضع تصور يربط المعايير هذه بالاستراتيجيات الوطنية في التنمية المستدامة. أي أنه لا بد لكل من دول المجلس أن تكون لها استراتيجية تنموية تستمد منها المعايير التي ستعتمدها. وللأسف في ظل غياب مثل هذه الاستراتيجيات التنموية، فإن وضع المعايير يصبح عملية تكرار لمعايير مستخدمة في دول أخرى وبرامج أممية. هذا لا يعني أن هذه المعايير غير مفيدة، ولكنها تصبح غير مترابطة ولا تؤدي إلى تحقيق أهداف وضعت ضمن خطة استراتيجية.

مع ذلك نقول إن هناك بعض المعايير العامة التي يمكن اعتمادها. من هذه المعايير مثلا مستويات التعليم ومستوى الفقر والصحة وجودة الحياة والمعايير البيئية المتعارف عليها لدى المختصين. لكن علينا أولا، في اعتماد مثل هذا المعايير، أن ننشر المستوى الذي تحقق اليوم، وألا نكتفي فقط بنشر المشاريع التي تقوم بها الوزارات والهيئات. فهذه المشاريع لا تعني بالضرورة أن تقدما قد حدث فعلا. ثانيا أن نعتمد المعايير النسبية وليست المعايير المطلقة. فمثلا لا يمكن أن نعتمد مستوى الفقر المقرر في الأمم المتحدة، أي دولارين في اليوم للفرد، ولا نعتمد معيار مستوى القيد في المدارس ومستويات الأمية. فهذه معايير تم تجاوزها بالنسبة إلى دول المجلس.

اعتماد المعيار النسبي يعني أن نحدد مستوى الفقر في البحرين في سنة ألفين مثلا، ونقارن نسبة الفقراء هذه مع نسبة الفقر في عام 2018. هذا النوع من المعايير يبين مدى التقدم الذي تحقق، ويسمح بتقييم السياسات التي اعتمدت لتحقيق التقدم. نفس المبدأ يستخدم في التعليم. فمثلا كم نسبة الخريجين الذين توظفوا خلال 12 شهرا من تخرجهم في عام 2000؟ ونقارن هذه النسبة بنسبة الخريجين الذين توظفوا خلال 12 شهرا من تخرجهم في عام 2015، وأن ننشر النتائج والسياسات التي اعتمدت لتحقيقها وتعريضها للنقد والتحليل والتعديل.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نحتاج إلى عقلية مختلفة في التعامل مع المعايير، وكلنا يعلم أن المعلومات ليست محايدة، وإذا وجد من يريد إظهارها بشكل معين فهي مطواعة. لكن في النهاية هذا يضر الدولة والمجتمع ويخفي مشاكل قد تتفاقم في حين انه كان يمكن أن تبرز ويتم علاجها.

التقرير الذي نريده يجب أن يبين مستوى التعليم الفعلي ولماذا مازلنا ننادي بضرورة تناسبه مع سوق العمل، التقرير الذي نريده يجب أن يبين من هي الفئة الأضعف في المجتمع (الطبقة الفقيرة ومحدودة الدخل) وكيف تأثرت بسياسات التنمية المستدامة، هل ارتفع مستواها المعيشي أم بقيت كما كانت أم تراجع وضعها وزادت نسبتها في عدد السكان؟ التقرير الذي نريده يجب أن يبين مستوى المساواة في الدخل ومقدار التفاوت وضرره على المجتمع. هذه قضايا يجب أن يظهرها التقرير وأن تكون محايدة وواضحة، فالصورة لا تشوهها الحقائق بل إن الحقائق تؤدي إلى الإصلاح في المستقبل وهذا هو الأهم.

يطالب المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة ان يتضمن التقرير ثلاثة أمور، أولا مشاركة المجتمع في صياغة التقارير. ثانيا ان يتم تحويل أهداف التنمية إلى رؤية وأهداف وطنية يتبناها المجتمع. ثالثا أن توضع آليات وإجراءات مؤسسية تتناول عملية تحقيق أهداف التنمية ومتابعة الأداء في الجهات المسؤولة. وفق ما نشر في الصحافة فإنه تم الاستعانة بالمجتمع المدني. السؤال هل كان ذلك في جميع المراحل؟ وإلى أي حد كان ذلك فاعلا ومؤثرا في وضع المعايير التي تبين التقدم في أسس التنمية الشاملة (الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية) المستدامة عمليا وليس فقط لتلبية متطلبات الأمم المتحدة؟ وإلى أي حد يستطيع المجتمع المدني والصحافة متابعة النتائج وتقييم الأداء والمحاسبة على التقصير إن وجد؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *