- التنمية تقتضي مبادرة مدعومة من الجميع
تاريخ النشر :16 يناير ٢٠١٧
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
ما تمر به المنطقة والبحرين بشكل خاص يمثل تحديات كبيرة على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي. لا تقتصر التحديات على التهديد الامني والتدخلات الايرانية والارهاب متعدد الاتجاهات، ولكن التحدي الاكبر هو ما يمكن ان يحدث نتيجة تدني ايرادات دول المنطقة وتاثيرها على معيشة المواطن ومستوى الخدمات واهمها الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية للمسنين والمتقاعدين. الاضرار بهذه المصالح سيكون له تاثير مباشر على الامن والاستقرار وعلى جهود التنمية بشكل عام.
منذ السبعينات ودول الخليج تضع في برنامجها تنويع مصادر الدخل. لكن الاصلاح والتطور الذي حدث لم يعد يلبي طموح الشعب البحريني ومتطلبات المحافظة على مستوى المعيشة الذي تحقق، فما تحقق من تنويع في مصادر الدخل لا يعوض الانخفاض في الايرادات. خلال تلك الفترة تم انشاء بعض الصناعات التحويلية والخدمات المالية لكن مساهمتها في ايرادات الدولة مازالت متواضعة اثبتت التجربة العملية انها لم تكن كافية. هذه النتائج تفرض النظر في اعادة الهيكلة الاقتصادية وبحث اسسها وكيفية تمويلها وادارتها على اسس مهنية. وتحديد الدور الذي يجب على الدولة القيام به في تنشيط الاقتصاد وتوجيهه وتمويله ودور القطاع الخاص والمواطن في الاستثمار والادخار.
على المستوى السياسي خطت البحرين خطوات جريئة ورائدة من خلال المشروع الاصلاحي لجلالة الملك في فتح المجال السياسي والمشاركة في صنع القرار من خلال مجلس نيابي منتخب. غير ان التجربة على مدى العقد ونصف اثبتت ان المجلس لم يساهم هو الآخر في تطوير البيئة السياسية المساهمة في التطوير الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل وتحسين مستوى المعيشة، ولم يناقش مثل هذه القضايا الملحة. كما انه لم يساهم في خلق البيئة السياسية المواتية للتنيمة. هذا يستوجب اعادة النظر وطرح قضية تقوية المجلس النيابي لكي يكون عنصرُ بناء في اعادة هيكلة الاقتصاد التي اصبحت قضية ملحة. المجلس النيابي يحتاج الى تقوية من خلال تعديل اللائحة الداخلية ومن خلال تعديل صلاحياته لكي يساهم في الاصلاح والتنمية.
على المستوى الاجتماعي فان احداث فبراير 2011 احدثت توترا في المجتمع حدت من قدرته على النظر بتجرد الى المصالح الوطنية وضرورة تقوية المجتمع ومؤسساته المدنية، ليكون المجتمع عونا للدولة في مواجهة التحديات من جهة ويكون وسيلة فاعلة في تحقيق مصالح المواطن والدفاع عنها من جهة اخرى. المصلحة الوطنية تقتضي المحافظة على الامن والاستقرار والتأكيد على عناصر الميثاق الوطني والذي يؤكد على نظام الحكم الوراثي الخليفي، وتحت لوائه تتحول الدولة الى دولة دستورية ديمقراطية حديثة تتكاتف وتتظافر فيها الجهود لتحقيق الازدهار والرخاء لجميع المواطنين.
بعد ما مرت به البحرين مازال المجتمع يعاني آثار الانقسام وان التعافي يسير ببطئ متاثرا بما يحدث في الساحة العربية والاقليمية من صراع. الوضع الاقتصادي في البحرين لا يمكن ان ينتظر الى ان تنتهي صراعات الجوار العربي والاقليمي. وايجاد حلول اقتصادية في اجواء مشحونة قد يكتب عليها الفشل قبل ان تبدأ. هذا يستوجب المبادرة لايجاد ارضية مشتركة يمكن للمجتمع ومؤسساته المدنية ان تعمل بايجابية في دفع عجلة النمو الاقتصادي الحقيقي بعيدا عن النفط وفتح فرص عمل لشبابنا لكي يساهم في بناء بلده.
الجمعيات السياسية تمثل الطليعة بين مؤسسات المجتمع المدني التي يقع على عاتقها توحيد المجتمع. بدأت الجمعيات السياسية بخطوة رائدة في طريق معالجة آثار الازمة السياسية. على هذه الجمعيات ان تتوافق على حد ادني مشترك من الاصلاح يحقق المطالب المشروعة للمواطن ويمكن الدولة والمجتمع من التعامل مع التحديات التي تواجه. هذا التوافق يحتاج الى استمرار الحوار بين الجمعيات ودعمه من قبل التيارات الفكرية المختلفة ومن قبل النخب الثقافية والشخصيات الوطنية لكي يستمر في بحثه عن الارضية المشتركة الممكنة والقيم الجامعة التي وردت في الميثاق والدستور والرؤية الاقتصادية 2030.
بهدى هذه القيم والمبادئ تقوم الجمعيات المتوافقة باعداد مشروعا اصلاحيا مشتركا واضعا في الاعتبار خصوصيات المجتمع البحريني وما تمليه العلاقة الوطيدة بين دول مجلس التعاون واهمية المحافظة على هذه العلاقة. خصوصية المجتمع تقتضي فهم هذا المجتمع وتركيبته السكانية وعلاقاته الاجتماعية، وكذلك فهم مخاوف كل فئة في المجتمع ومراعات مصالحها وطموحاتها وتطلعاتها. هذه المخاوف تضع سقفا لمدى الانفتاح الديمقراطي الممكن في هذه المرحلة كما انها تفرض فترة كافية لبناء الثقة على ان تتخللها مبادرات وافعال واقوال ايجابية تيسر التحول وتؤكد مصداقيته.
تراعى في المشروع الاصلاحي قدرته على معالجة القضايا التي تعيق التنمية وتطرد الاستثمار وتعطل بذلك النمو الاقتصادي من جهة وتراعي القيم والمبادئ التي تساهم في استدامة التنمية وحسن توزيع الدخل ومنها العدالة والمساواة بين المواطنين بما يتفق مع مفهوم المواطنة وحقوق الانسان. واهم هذه القضايا الجامعة التي لا يتختلف عليها المجتمع هي اولا: محاربة الفساد وما يتطلبه ذلك من تعزيز المساءلة ورفع كفاءة الاجهزة الرقابية والمحاسبة. ثانيا: ضمان تكافؤ الفرص في التعليم والعمل وفي الترقيات والتعيينات وفي الاستثمار وشفافية القرارات المتعلقة بها. ثالثا: حسن ادارة المؤسسات الاستثمارية مثل التامينات الاجتماعية، وتمكين، وبنك البحرين للتنمية، ومجلس التنمية الاقتصادية ومن في حكمهم. رابعا حسن ادارة الموارد الوطنية من نفط واراضي وغيرها واستثمارها في صالح المجتمع ككل. خامسا: تمكين الحكومة من اخذ زمام المبادرة في تنمية قطاعات الصناعة والخدمات والطاقة لخلق فرص عمل مجزية. سادسا: تعزيز مبادئ الحوكمة على مستوى المؤسسات والهيئات العامة وكذلك الوزارات والحكومة. مثل هذه القضايا من شأنها ان تؤدي الى اجماع مجتمعي حولها كما ان الحكومة سوف تسهم في انجازها متى ما تحققت بعض عناصر الانفتاح.