نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1.  التنمية في مجلس التعاون والعمق العربي

  تاريخ النشر :٦ مايو ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- جزء مما يحدث في اليمن هو عدم ادماجه في المنظومة الخليجية والعمل على تنميته والاستثمار في قدراته الزراعية والصناعية. الان يجب ان تعمل دول مجلس التعاون على اعتبار عمقها العربي جزء من التنمية المستدامة لها ولا تعمل في عزلة عنه.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13557/article/21142.html

ما يحدث من صراعات بعد أحداث الربيع العربي وتداعياتها يجد المواطن العربي نفسه مهموما بعدد من القضايا أو أزمات تحدد معالم المنطقة وتهدد مستقبلها. اهم هذه القضايا الصراع المذهبي الذي يجري التعامل معه بمختلف المستويات ويشغل العديد من المثقفين والمهتمين في كيفية التصدي له وإنقاذ المجتمعات من تصدعاتها وانشقاقاتها. تطرح القوى في المجتمع أسئلة حول جذور وأسباب هذه الصراعات المذهبية وكيفية التوصل إلى حلول تعيد للأمة رشدها. القضية الثانية هي الامن القومي العربي وعلاقته بالصراعات الداخلية. القضية الثالثة والتي لا تقل أهمية عن سابقتيها هي قضية التنمية والتخلف العربي على المستوى العلمي والتكنولوجي والانتاجي. هذه القضايا الثلاث المترابطة تغذي الصراع العربي يضاف إليها تردي العلاقة بين المجتمع والسلطات في كل دولة وقيمة الفرد في هذه المعادلة.

 فيما يخص قضية التنمية، تحتل دول مجلس التعاون والعراق مركز الثقل العربي من حيث وجود رؤوس الأموال، وتشكل الدول العربية الأخرى مثل مصر والشام واليمن مركز الثقل البشري. لم يحدث في تاريخنا الحديث ان عملت هذه الدول معا للاستفادة من مميزات هذه الكتل العربية. اذا استثنينا التعليم والصحة، فدول مجلس التعاون لم تشعر بالحاجة إلى هذه الدول بسبب توافر الحماية الأجنبية من جهة وحصولها على العمالة الفنية الرخيصة من الدول الآسيوية. والسبب الآخر هو خشيتها من تأثير الأفكار والايديولوجيات التحررية من جهة أخرى وعدم وعي لأهمية العمق العربي لأمن الخليج ونموه. عاشت دول مجلس التعاون في شبه عزلة اقتصادية عن باقي الدول العربية واتجهت إلى الغرب والشرق. بدليل ان التجارة البينية مازالت متدنية والاستثمارات الخليجية في الدول العربية متواضعة مقارنة بالاستثمارات في الغرب. حان الوقت لكي تتوجه دول مجلس التعاون نحو عروبتها وأن تأخذ من الدول العربية عمقا استراتيجيا على المستوى التنموي، ناهيك عن المستوى السياسي والأمني.

 هل ستغير عاصفة الحزم هذه العزلة وتدعو دول مجلس التعاون إلى إعادة حساباتها والعمل على تغيير سياساتها الاستثمارية والتنموية لتشمل الدول العربية كأولوية؟ مقتضيات التنمية ومنطق الامن القومي ومتطلبات الاستقرار يفرض على دول المجلس إعادة النظر في توجهاتها التنموية. فهل سنرى عاصفة حزم أخرى تنموية وثالثة إنسانية تحقق توازنا بين الانسان والمجتمع والدولة وتؤمن بذلك الامن والاستقرار؟

 نظرة الغرب إلى مجلس التعاون نظرة تكرس الانعزال عن عمقه العربي، وكذلك سياسات دول المجلس التنموية. فمثلا في تقرير صادر عن ارنست ان يونغ حول محفزات النمو في دول الخليج يتحدث عن ضرورة التنوع الاقتصادي ويرى ان الاعتماد على النفط في توظيف الشباب أصبح من أكبر التحديات الاقتصادية، أي انه يهدد الامن القومي الخليجي الذي يعتمد في استقراره على نوعية الخدمات ومستوى المعيشة المناسب. ويقدم هذا التقرير معيارا لتقييم مستوى التنوع يركز على ثلاثة عوامل هي القدرة التصديرية، وحصة القطاع غير النفطي، ومقارنة إنفاق القطاع الخاص بإنفاق القطاع العام. ويرى ان أبرز القطاعات الواعدة لتوفير فرص عمل هي قطاع النقل والخدمات المالية والتجزئة والسياحة والاتصالات والبحث والتطوير. ويرى التقرير ان نجاح هذا التنوع يعتمد على التكامل في السوق الخليجية وعلى الشراكة بين القطاع الخاص والعام. ويركز هذا التقرير على التكامل الخليجي وتعامله مع الغرب ويستبعد علاقته بمحيطة العربي والإقليمي مكرسا الحالة الانعزالية.

 لا يختلف هذا التقرير عن تقرير سابق لنفس المؤسسة عام 2014 وضع حوافز أربعة للتنمية في دول الخليج. تتحدث أولا عن تحول الشباب الخليجي إلى العمل في القطاع الخاص ورفع نسبتهم في حجم القوى العاملة والتي تتراوح بين 1% (الامارات وقطر) و 18% (السعودية) من مجموع القوى العاملة لمعالجة معدلات البطالة بين الشباب. وثانيا التحذير من الاعتماد على النفط الذي من المتوقع نضوبه في بعض دول الخليج بحلول عام 2030، ثالثا الاستفادة من علاقة الخليج مع الدول الغربية لتحقيق نوع من تنويع مصادر الدخل، رابعا الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي من خلال رفع مستوى الرعاية الاجتماعية والتعليم والصحة، في حالتي التعليم والصحة حدث تدن في المستوى بسبب ضغوط الزيادة السكانية من الوافدين. 

 هذه العوامل ليست جديدة وليس غريبة على دول المجلس، فمثلا وزير الاعلام البحريني يقول «إن الأولوية القصوى مستقبلا لتنويع مصادر الدخل ومنح دور أكبر للقطاع الخاص». هذه الكلام مكرر منذ اكثر من عقد من الزمان ولم يحدث الكثير بهذا الشأن بعد، كما ان ذلك يتناقض مع تصريحات رجال الاعمال بأن «الحكومات لا تقبل شراكة القطاع الخاص» (أخبار الخليج 4 مارس 2015). اليوم هناك توجه لانفاق 24,5 مليار دولار على مشاريع كبيرة لكنها لا تخرج عن نطاق المشاريع المرتبطة بالنفط مثل البنى التحتية والإسكان والسياحة والتطوير العقاري وتوسعة الصناعات الموجودة المرتبطة كذلك مع النفط. ولا نلمس من حديث وزير الاعلام أي توجه خليجي جديد نحو الحاضنة العربية وإنما إعادة وتكرار ما سبق قوله.

 مازال التوجه التنموي في الخليج بعيدا عن عمقنا العربي. اليوم وبعد ما حدث في المنطقة نحتاج إلى إعادة التفكير في وضع المنطقة العربية الاقتصادي والذي ادى أو أسهم فيما يحدث من نزاعات. الحاجة إلى التكامل العربي أصبحت قضية امن قومي وبقاء في المنافسة العالمية. واهم منطقة بالنسبة للخليج هي اليمن والعراق. ما نحتاج إليه اليوم هو ادماج اليمن بالدرجة الأولى (أيا تكون مخرجات الازمة) في منظومة دول المجلس ليس ادماجا سياسيا فقط ولكن الاهم ادماجا اقتصاديا والاستفادة من سوقها ومن عمالتها والاستثمار في تدريبها وفي خلق صناعات والاهتمام بالزراعة فيها لتكون مصدرا غذائيا لدول المجلس وان نساعد اليمن على الاستقرار وتحقيق الديمقراطية التي تحمي مكوناته وتحفظ توازنه. ادماج اليمن والديمقراطية يصب في مصلحة دول مجلس التعاون وخطوة مهمة نحو التكامل العربي.

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *