- التنمية والحرب المؤسسية على الفساد
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
السبت ١٨ نوفمبر ٢٠١٧ – 01:30
http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1097534
الحرب على الفساد في الشقيقة المملكة العربية السعودية التي بدأت بإيقاف ما يقارب مائتي شخص من مختلف المستويات الاجتماعية وكبار المسؤولين ومختلف الأنشطة الاقتصادية ستكون لها تداعيات إيجابية قد تؤثر على مستقبل المنطقة إذا ما استمرت واتخذت التدابير لجعلها حربا شاملة على جميع أنواع الفساد وليست محدودة بظروف معينة.
أهم هذه الفوائد هو الإقرار بأن الفساد موجود في مختلف الطبقات وعلى مختلف المستويات وأنه متغلغل في بعض القيادات وليس حكرا على الموظف البسيط.
ثانيا: الإقرار بأن الفساد خطرا على المجتمع وعلى الدولة وأمنها كما صرح كثير من المسؤولين. بلغت الخسائر من الفساد مليارات الدولارات وهذه فقط ما برز خلال الأيام القليلة الماضية وفي دولة خليجية واحدة.
ثالثا: اتضح أن محاربة الفساد يحتاج إلى إرادة سياسية تتخذ القرار بالمحاربة ولا تقف عند حد.
رابعا: يتضح من هذه القضية أن تعريف المال العام المعمول به في العالم لا ينطبق على الخليج حيث إن مصدر الأموال العامة في الدول الأخرى هي الضرائب بشكل عام بينما في دول الخليج فإن المال العام هو إيرادات النفط التي يجب أن يتم التعامل معها بشفافية كاملة لا تقبل التجزئة والتوزيع التفضيلي. ما لم نعيد تعريفنا للمال العام وينفصل عن المال الخاص على جميع المستويات، فإن الفساد سوف يستمر بأشكال مختلفة يشوه الحياة الاقتصادية وينخر في الدولة ويعطل التنمية.
خامسا: تبين من هذه التجربة أن رجال الدين يحرمون الفساد ولكنهم كانوا صامتين في الماضي عن الممارسات بسبب التأثير السياسي عليهم. ونقول لهم بأن هذا الصمت أضر بمصداقيتهم وعليهم إعادة النظر في الصواب والخطأ وتعزيز الحق والعدل. فلا يجوز في مثل مجتمعاتنا أن تتسع الهوة بين الفقر والغنى بهذا الشكل الفج وخصوصا أن الغنى ليس من العمل والكسب والاجتهاد بل من خلال العلاقات والمحسوبيات. هذا يجعل قيم الابتكار والإبداع تتجه نحو الاستفادة من هذه الامتيازات وكيفية استغلالها بدلا من توجه الإبداع والابتكار نحو الإنتاج والتطور وخلق فرص عمل.
السؤال الآن كيف ستتعامل السلطات مع هذا الوضع بعد الإقرار بضرر الفساد على المجتمع وعلى جهود التنمية؟ هل يمكن الاستفادة من هذه الصحوة ضد الفساد والتجربة التي وجهت الأنظار إليها في خلق بيئة تحارب الفساد؟ بيئة تقوم على منظومة تشريعية ومؤسسية وقيمية أخلاقية تحارب الفساد وليس الاعتماد على مبادرة قيادات معينة في وقت معين وموجهة إلى أشخاص معينين.
إن محاربة الفساد لا يحتاج إلى إعادة اختراع. فالتجارب متوافرة المهم فقط أن تتوافر الإرادة لاجتثاث الفساد بلا هوادة. لذلك فإن البداية هي وضع تشريع يعرف الفساد تعريفا شموليا. هذا التعريف ينبغي أن يرسل الرسائل الصحيحة للمجتمع ويعزز قيمة الاستقامة والنزاهة والعمل مقابل المال. وترفض الواسطة والمحسوبية والإثراء من علاقات شخصية وعائلية ومعاملة تفضيلية للبعض على حساب الآخرين بحجة التقاليد والعادات. في قصة «عالم الحيوان» للكاتب جورج اورويل، يقول على لسان الحيوان «إننا جميعا متساوون ولكن هناك من هم أكثر مساواة من غيرهم». هذه بداية الظلم الاجتماعي والتوزيع غير العادل.
فمثلا المحسوبية والتعيين الذي لا يعتمد على الكفاءة والمنافسة بين الأكفاء على المنصب. لا يكفي أن يكون الشخص كفوء لتعيينه بل عليه أن يخضع للمنافسة مع آخرين قد يكونوا أكثر منه كفاءة لكنهم ليسوا من الدائرة الصغيرة التي يتم الاختيار منها. هذه التعيينات تضر بالتنمية والاقتصاد وترسل الرسالة الخاطئة وتعزز قيم لا تساهم في تشجيع المثابرة والعمل الجاد بل تشجع على البحث عن واسطات وتنمية علاقات يمكن أن تساعد الفرد في مسيرته الوظيفية والاجتماعية وتحميه من المساءلة والمحاسبة.
لاشك أن الفساد مرض اجتماعي ينتشر في المجتمع لأسباب كثيرة. كونه مرضا فإنه يحتاج إلى خلق بيئة تحاربه على جميع المستويات لكي تنجح الجهود في محاصرته. خلق هذه البيئة تحتاج إلى إرادة توجد التشريعات والمؤسسات التي تشكل مقومات البيئة المناسبة المعتمدة دوليا، أهم هذه المقومات إيجاد المؤسسات التي تحد من انتشار الفساد وتخلق القيم والحوافز والقيود. أول هذه المؤسسات هي سلطة تشريعية تمتلك صلاحيات واسعة للمساءلة والمحاسبة وتحويل الحالات المشكوك فيها إلى النيابة وليس الحالات التي ثبتت فيها التهمة.
سبق أن تم اقتراح إنشاء هيئة عامة لمكافحة الفساد وللأسف فإن مجلس النواب نفسه هو الذي رفض المقترح في الوقت الذي نرى أن هذه المؤسسة هي التي تعمل في معظم دول العالم على محاربة الفساد وكشفه وتحويل الحالات المشتبه فيها إلى النيابة. كما عملت الحكومة على تشكيل لجان لدراسة حالات الفساد وتقديم مقترحات للمعالجة ولم يتم تطبيق هذه المقترحات. كذلك أصدر جلالة الملك قرارا بأن تقتصر مدة الوزير بثماني سنوات ولم يتم العمل به. هذه المقترحات يمكن أن تساهم في خلق البيئة الملائمة.
وإذا أضفنا إلى ذلك صحافة تفتح المجال للرقابة المجتمعية نحصل على بيئة تنيرها الشفافية وتنتشر فيها المعلومة وتكون المساءلة والمحاسبة هي السمة المسيطرة في المجتمع من خلال المشاركة السياسية الحقيقة التي لا تخضع لإغراءات المال السياسي وإغراء المناصب. الشفافية هذه تعني ألا يوجد مال عام مبهم لا يُعرف كم مقداره وكيف يوزع وما هي الحصص التي توزع وكيف تصرف ولماذا تصرف؟. جميع أوجه الصرف ينبغي أن تكون خاضعة للمحاسبة والمساءلة الحقيقية. للأسف هذا العرف لم ينتشر في دول الخليج بل بقي المال العام يكتنفه الإبهام والسرية ما يسهل الفساد ويخلق قيما مجتمعية تقبل الفساد وتقبل نتائجه المدمرة على التنمية والتقدم.
فهل حان الوقت إلى جرعة أخرى من الإصلاح على غرار مشروع جلالة الملك الإصلاحي أو كما وصفه الكاتب إبراهيم الشيخ «نحن محتاجون إلى ثورة تغيير سياسية».