- التنمية وضرورة الإصلاح الإداري
تاريخ النشر :١٤ سبتمبر ٢٠١٦
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
مقال الاسبوع- دور الحكومات في وضع سياسات التنمية وفي إدارتها لتحقيق الأهداف يتطلب شفافية ومساءلة، فهل هناك قدرة سياسية على ذلك؟
http://www.akhbar-alkhaleej.com/14054/article/40007.html
ما يهمنا في هذا المقال هو الضعف الإداري بشكل عام وضعف إدارة التنمية في مجلس التعاون بشكل خاص. هناك كثير من الجهود التي تبذل في المنطقة لأحداث تنمية، لكن هذه الجهود لم تحقق أهداف تنموية، مثل إيجاد فرص عمل مجزية للشباب، ومازال تنويع مصادر الدخل بعيد المنال. كما أن الجهود ذاتها لم توفر القدرات والمهارات المطلوبة في الشباب لكي تتسق مع متطلبات التنمية. وهكذا تستمر الفجوة بين القدرات الإدارية المتاحة والقدرات المطلوبة لإدارة التنمية.
وعلى الرغم من معدلات التوظيف المحدودة، لا تزال الشركات تواجه تحديات كبيرة في إيجاد المرشحين الذين يتمتعون بالمهارات المناسبة، وخصوصا في المناصب العليا. ووفق بعض التقارير فإن 70% من الشركات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تجد صعوبة في الحصول على مرشحين للمناصب العليا يتمتعون بالمهارات المطلوبة للمناصب العليا، وإن 49% من الشركات تجد صعوبة في الحصول على مهارات للمناصب المبتدئة.
وبمقارنة آراء الشركات مع وجهات نظر الباحثين عن وظائف، برزت فجوة المهارات بشكل أكثر وضوحاً. وعلى خلاف آراء الشركات، فإن الباحثين عن وظائف يعدُّون أنفسهم بشكل عام أن لديهم درجة عالية من الكفاءة في معظم المهارات، مع إشارة الباحثين عن وظائف في المناصب العليا إلى أنهم أكثر ثقة بمهاراتهم، ويقيّمون أنفسهم بدرجات أعلى في جميع المهارات، وذلك عند مقارنتهم مع الباحثين عن وظائف في المستويات المهنية الأقل. وعلى الرغم من هذه النظرة الإيجابية لمهاراتهم الخاصة، فقد صرّح نصف الباحثين عن وظائف بأنه من الصعب عليهم إيجاد وظيفة.
هذا يضع أمام دول الخليج تحديات كبيرة إنسانية ومؤسساتية تتعلق بإدارة التنمية. منها ما يعتمد على التعليم والتدريب والسلوكيات الفردية، ومنها ما يتعلق بالثقافة المؤسسية والعادات السائدة في التعيينات والمحسوبيات، ومنها ما يتعلق بالوضع الذي استجد بهبوط سعر النفط. وهذه تحديات كبيرة تتطلب تكاتف الجميع لتجاوزها، ومن هنا تأتي أهمية التنبه إلى معالجة الخلافات السياسية والاجتماعية التي تعرقل مسيرة التنمية.
هذا يؤكد أهمية دور السلطات في وضع سياسات التنمية وفي إدارتها لتحقيق الأهداف مع حسن استخدام الموارد وما يتطلبه ذلك من شفافية ومساءلة. تصدى لهذه الظاهرة الكاتب محمد توفيق صادق في كتاب بعنوان «التنمية في دول مجلس التعاون دروس السبعينات وآفاق –المستقبل». ومع أن هذا الكتاب نشر في الثمانينات إلا أن ما يثيره من قضايا مازالت قائمة.
يُعرِّف الكاتب مفهوم إدارة التنمية على أنها: عملية مجتمعية متكاملة شاملة وديناميكية تلعب الدولة دورا بارزا فيها. يتضمن المفهوم مسؤوليات ومهام تزداد وتتنوع باستمرار وبسرعة هائلة، وتشمل المهام المنوط به تطوير قدرات إدارية متفهمة ومرنة للقيام بمسؤوليات التخطيط والتنفيذ والأشراف على مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية المختلفة. ويتم تقييم عمل الأجهزة الإدارية في التنمية بمقدار ما يتحقق من أهداف ومسؤوليات ومهام موكولة إليها.
يعدُّ الكاتب أن ضعف الإدارة العامة من جهة وضعف إدارة التنمية من جهة أخرى هما أحد أسباب تعثر التنمية وتطوير تنويع مصادر الدخل في الخليج. ويصف الكاتب وضع إدارة التنمية بأنه يعاني على مستويين مترابطين، المستوى الأول: ضعف في وضع السياسات وتخصيص الموارد بما يحقق أفضل عائد لهذه الموارد في أطار أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والمستوى الآخر: في كفاءة استخدام الموارد وحسن إدارة التنمية.
فيما يتعلق بوضع السياسات فإن الكاتب يرى أن دول الخليج توسعت كثيرا في الرفاهة الاجتماعي وفي الأنفاق البذخي؛ ما أضاع الكثير من الموارد من دون تحقيق مردود تنموي موازٍ لهذا الإنفاق. فمثلا الإنفاق على التسليح، بالرغم من أهميته فإنه لم يخلق قوة إقليمية تعكس مستوى الإنفاق، بالرغم من أن دول مجلس التعاون تعدُّ من الدول الأكثر إنفاقا على التسليح. كذلك حدث توسع في البنى الأساسية في دول المجلس.
هذا الإنفاق كان ينبغي أن يواكب النشاط الاقتصادي التي تخدمه البنى التحتية. لكن الملاحظ أن الإنفاق على البنى التحتية يفوق الحاجة الإنتاجية؛ ما جعل الكثير من هذا الإنفاق استهلاكيا. إضافة إلى ذلك فإن عمليات الإنفاق هذه شابها تدني الكفاءة، وفي بعض الحالات الفساد وسوء التخصيص؛ ما ضاعف من كلفتها. وبالقدر نفسه فإن الإنفاق على التعليم، بالرغم من أهميته، إلا أنه لم ينتج عنه نظام تعليمي فاعل تتسق مخرجاته مع متطلبات التنمية. هذا يؤكد الحاجة إلى إصلاح إداري يتناول قضية التنمية ومتطلباتها الإدارية الإنسانية والمؤسساتية.
mkuwaiti@batelco.com.bh