نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. التهديد الخارجي واصلاح البيت من الداخل

تاريخ النشر : 13 نوفمبر  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

ماذا يجري في العالم العربي؟ حروب وتأزم داخلية وصراع وتخلف اقتصادي وعلمي وتفكك اجتماعي وصراع داخلي طائفي وتهديدات خارجية وداخلية. اصبحت الدول العربية مقسمة بين مجموعة تصنفها امريكيا بالمعتدلة واخرى ممانعة وثالثة تابعة وتائهة. تعصف الحروب والصراعات الداخلية بنصف هذه الدول من العراق وفلسطين والسوادان والجزائر والمغرب والصوامال واليمن ولبنان. وتتعرض الاخرى لصراعات طائفية وقبلية ظاهرة وخفية تزداد حدة وخطورة يوما بعد يوم. والتقسيم يلوح في الافق للسودان واليمن والعراق والبقية تأتي. 

على هذه الخلفية حدث في مجلس يوسف بن حسن – حالة بوماهر، المحرق- “حوار”- جدل غير مهذب في بعض جوانبه- حول الحرب اليمنية ودور ايران في هذه الحرب على اثر البيان المساند للشقيقة الملكة العربية السعودية الذي صدر عن مجلس النواب وامتناع جمعية الوفاق التصويت له. فراح فريق يخون البعض ويعتبر ايران اخطر من اسرائيل التي تلتهم القدس الشريف وتشرد ملايين الفلسطينيين وتسجن النصف الاخر.  ولكن الذي لم يتعرض له هذا الفريق هو ماهو الحل الذي يمكن للدول العربية ودول الخليج ان يقوموا به في التعامل مع التهديدات والمشاريع العديدة التي تتعرض لها الدول العربية والخليجية والوضع المأزوم الذي اوجزناه؟ 

في 19-21 اكتوبر 2009 عُقد مؤتمر في عمّان يتعرض لمشاريع التغيير في المنطقة العربية ومستقبلها. اوجز المؤتمر عدد من المشاريع التي تهدد الدول العربية أهمها المشروع الامريكي الصهيوني والمشروع الاوروبي والمشروع الايراني. مايهمنا في هذا المقال هو المشروع الايراني وتأثيره على الاوضاع الداخلية. هذا المشروع يمثل من جانب تحدي داخلي للدول والمجتمعات الخليجية، وفي الجانب الاخر فانه يمثل دعامة ضد المشروع الامريكي الصهيوني في دعم المقاومة وقوى الممانعة العربية. 

ويبقى السؤال الملح ماهي الرؤية الاستراتيجية العربية او الخليجية لامن ومستقبل الامة؟ المشروع الاسلامي انشغل بخلافاته المذهبية خصوصا في الخليج والبحرين ولم يضع اي رؤية استرتتيجية لمستقبل المنطقة. هذا التيار الاسلامي لا يرى البعد الاستراتيجية الايجابي في العلاقة الايرانية. وبالتالي فهو يتعامل معها من منطلق عداء مذهبي ازلي لا سبيل الى تجاوزه. وبالتالي فقد القدرة على قيادة المجتمع الى السلم الاهلي ونبذ الطائفية والتحرك في مشروع شمولي عربي اسلامي في مواجهة الخطر الاكبر وهو التحديات التنموية والتحديات الامنية التي يمثلها المشروع الامريكي الصهيوني.

حاول المؤتمر المذكور اعلاه الخروج برؤية عربية للتعامل مع التهديد الذي تمثله المشاريع المختلفة تفترض ان المشكلة تكمن في ان «نقص الديمقراطية يعتبر سببا رئيسيا لعدم قدرة الدول العربية التأثير على مجريات الأمور العالمية، وإذا أرادت الدولة العربية أن تلعب دورا مؤثرا في المجتمع الدولي، فيجب أن تكون هناك شراكة حقيقية في صنع القرار، وقضاء نزيه، وحرية صحافة، وديمقراطية متكاملة» اي اصلاح وتقوية البيت من الداخل. يقال بان القلاع لا تسقط الا من الداخل وهذا ما يحدث في اليمن وغيرها من نقط التوتر العربية والخليجية التي هي في الاساس صراع على الثروة والسلطة. فقد خلص المؤتمر على ان المنطقة العربية  مثلت “البيئة الأفضل لتمرير المشروع الإيراني، بسبب ضعف دولها وصراعاتها وفرص اختراقها المتاحة” (تقرير مؤتمر التغيير 19-11-2009). فتحصين الوضع الداخلي هو الدفاع الحقيقي لمجتمعاتنا العربية.  

من هذا المنطلق فان التعامل مع المشروع الايراني يخضع لرؤيتين الاولى اشغالها بتناقضاتها الداخلية التي يعاني منها المجتمع الايراني. هذا الاسلوب يحبذه المهووسون بالخلاف المذهبي من جمعيات اسلامية وقوى سياسية رسمية له سلبياته ويمكن ان يرتد على الدول الخليجية نفسها. اما الرؤية الايجابية فتقوم اولا على تقوية الوضع الداخلي الخليجي والعربي من خلال نظام ديموقراطي يقضي على الخلافات المذهبية والعرقية والعائلية والقطرية ثانيا تشكيل تكتل خليجي اقتصادي قوي يشمل اليمن والعراق ويشكل قوة اقتصادية تشمل دمج ايران في الرؤية الاقتصادية والامنية كونها سوق هام وقوة مؤثرة في المنطقة تتشابك مصالحها مع مصالح المنطقة. 

ادركت انظمة الحكم الخليجية أهمية التعاون بين الدول في وجه التهديدات الخارجية ومحدودية العمل الانفرادي فشكلت مجلس التعاون الخليجي الذي كان له ان يمثل كتلة سياسية واقتصادية تتصدى للتحديات الاقليمية والدولية. ولكن وبعد مرور ما يقارب الثلاثين عاما يتضح فشل الانظمة الحاكمة في ادارة العلاقات الخليجية فيما بينها، فمازال البيت الداخلي ضعيف على مستوى القطر نتيجة نقص الديموقراطية وعلى مستوى العلاقات الخليجية ومستوى التعاون الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بسبب السيادة المفرطة الواهمة.

فهل يمكن ان نبدأ من جديد بمشروع خليجي يكون نواة لمشروع عربي؟ ان الدفاع عن مستقبل الخليج والامة العربية والتصدي للمشاريع المختلفة لن يكون بالسلاح المستورد ولا برفع ميزانيات الدفاع التي تلتهم نصيب الاسد وتتسبب في زيادة التخلف العلمي والاقتصادي. الدفاع الحقيقي هو التماسك المجتمعي الذي لا يتم الا من خلال تعميم مفاهيم الديموقراطية والسير في عملية تكريس الحكم الرشيد القائم على العدالة المطبقة وليست العدالة المكتوبة في الدساتير. وحكم القانون الذي يُقر بحق المواطن في صياغة الدستور والقوانين وليس دستورا يكرس الحكم الفردي ويمنح الحاكم/الرئيس الفيتو على ارادة الشعب. المشكلة هنا تكمن في ان هذا التوجه يحتاج الى تنازلات عن الامتيازات التي تتمتع بها الانظمة الحاكمة ورؤية استراتيجية وتخطيط طويل المدى وهذا ما ينقص الانظمة العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *