نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1.  الثروة البحرية والأمن الغذائي 

  تاريخ النشر : الأربعاء ٢٦ سبتمبر ٢٠١٢

بقلم : د. محمد عيسى الكويتي 

موضوع مقالنا اليوم: الثروة السمكية والحياة البحرية يتم تدميرها لمصلحة فئة صغيرة من الناس تتعدى على مصالح ومستقبل اجيالنا القادمة وامننا العذائي.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12605/article/51945.html

 برزت قضية الصيادين ولم يتفاعل المجتمع معها ولم يولِها ما تستحق من اهتمام بالرغم من كونها تقع في صلب معيشته ومستقبل أجياله القادمة. تمثل القضية صراع المصالح الحالية والمصالح المستقبلية؛ مصالح الأقلية ومصالح المجتمع؛ المصالح المادية والكسب السريع والمصالح الحياتية والحق في تأمين الاستدامة في الموارد.

 برزت قضية الصيادين على السطح عندما أصدرت الإدارة العامة للثروة البحرية (إدارة الثروة) بتقليص المساحات المسموح لها بصيد الروبيان بما يعادل ٥٠%. تصدى لهذا القرار جمعية الصيادين من ناحيتين. الاولى رفض قرار تحديد مساحات صيد الروبيان الناحية الثانية تدمير البيئة الناجم عن تجريف الرمال والدفان والاستحواذ على الاراضي وتحويلها الى مشاريع استثمارية لصالح فئة وتاثير ذلك على الامن الغذائي.

 اولا فيما يتعلق بقرار تحديد مساحة الصيد الذي تهدف ادارة الثروة من خلاله الى المحافظة على الثروة البحرية وحمايتها من سوء استخدام ناتج عن امرين، الاول: هو اسلوب الصيد الجائر الذي يشمل ليس الروبيان فقط وانما اسماك صغيرة لم يكتمل نموها ولا دورتها، وتدمير قاع البحر والبيئة من جراء استخدام انواع من الشباك (جرافات) تكاد تكون ممنوعة في كثير من الدول. والامر الثاني: هو ارتفاع عدد رخص الصيد التي تجاوزت طاقة البحر بثلاث مرات مما يسرع عملية الاستنزاف. وفي كلتا الحالتين فان النتيجة هي القضاء على فرص تكاثر الروبيان وباقي الثروة البحرية والتعدي على مصالح المجتمع في حقه في المحافظة على ثرواته. ويوافقها الرأي عدد كبير من الصيادين اوضحوا موقفهم الرافض للصيد الجائر في وقت سابق ونشر ذلك في جريدة محلية قبل اربعة اشهر تقريبا.

 تطرح هذه القضية العديد من التساؤلات، اولا كيف حصل هذا العدد الكبير من البحارة على رخص تفوق قدرة البحر بثلاث مرات؟ فبحسب ادارة الثروة فان البحر لا يتحمل اكثر من ٩٤ رخصة بينما الممنوح هو ٣٥٠ رخصة (وجمعية الصيادين تقول انها ٤٠٠ رخصة)، ثانيا: لماذا لم تتحرك ادارة الثروة وتمنع الاستنزاف في السنوات الماضية، ثالثا: لماذا تعجز ادارة الثروة عن وقف التجريف والدفان الجائر والمضر بالبيئة البحرية، بالرغم من وجود تقرير برلماني اوضح مضاره وحجمه وتأثيره البيئي؟ ورابعا: لماذا لا توجد دراسة بيئية مهنية تضع حدا لهذا الجدل الدائر؟ 

 بالنسبة للنقطة الرابعة تقول ادارة الثروة بانه توجد دراسة وهي التي استندت اليها في تحديد عدد السفن (٩٤) الذي تستوعبه طاقة البحر. غير ان توجيه سمو رئيس الوزراء الى «إجراء دراسة شاملة لمصائد الاسماك والروبيان تكفل حماية الثروة البحرية» (الصحافة المحلية ٤ سبتمبر الجاري)، يدل على عدم وجود مثل هذه الدراسة. كذلك جمعية الصيادين تنفي وجود اي دراسة وتتهم ادارة الثروة بالعشوائية وعدم مراعات تاثير الحفريات على اماكن تكاثر الروبيان. يشير هذا الجدل في احسن الاحوال على وجود فوضى في منح الرخص وعدم قدرة الادارة على تطبيق القانون.

 ثانيا: تُبرز هذه القضية ان هناك طرفين من البحارة في هذا النزاع، طرف يرى جدوى من التحديد ويقف مع قرار ادارة الثروة ويعتبره خطوة اولى في المحافظة على الثروة البحرية، وطرف آخر (جمعية الصيادين) يرى ان التحديد يؤثر على معيشته وانه تضييق على حقه في استغلال الرخص الممنوحة له. الفريقان يتفقان على ان البحر تعرض للتدمير من جراء ممارسات استثمارية لصالح فئة صغيرة من المجتمع، وان للصيادين مطالب لم يتم تنفيذها واهمها ايقاف تخريب المراعي وقاع البحر من تاثير الحفر وطمي الدفان، خصوصا وان البحرين خسرت ٧٥% من مصائد الاسماك في التسوية الحدودية وما تبقى بات مهددا بالتعديات الجائرة. 

 الفريقان، وباختلاف رأيهما في التحديد، يتفقان على ان القانون يقف عاجزا للتصدي لهذه الفئة الصغيرة المستفيدة والتي تمعن في تدمير المخزون الغذائي وتُعرض الامن القومي للخطر خدمة لمصلحتها ومازالت تزاول كل انواع التعدي على البيئة وعلى حقوق المجتمع والاجيال القادمة دون رادع. والمفارقة ان الادارة العامة للثروة البحرية ساهمت على مدى ثلاثين عاما في عملية التدمير بمنحها رخص شفط الرمال والدفان. يحدث ذلك في صمت مطبق من «مجلس النواب والشورى على مدى ١٠ سنوات وعدم قدرته على مساءلة الجهات المسئولة عن التدمير او وضع التشريعات لحماية البيئة». (اخبار الخليج ٤ سبتمبر).

 يُمَثل ذلك تناقضا مع تصريحات الحكومة بتوفير «بيئة معيشية مستدامة لمواطنيها». ففي السبعينات تم تدمير الكثير من المناطق الزراعية والقضاء على الاكتفاء في بعض الخضروات، والان يجري تدمير الثروة البحرية حتى اصبحت البحرين تستورد الاسماك. فاذا كان هدف الحكومة هو انجاز المشروعات التنموية المدروسة فالاجدر ان تجتهد في ايقاف التعدي على المخزون الغذائي والثروة التي حبانا الله بها. وبما ان شعار الحكومة هو التخطيط لتحقيق جودة حياة ومساواة ورخاء وتوزيع الثروة والفرص، فان ذلك يجب ان يبدأ بالمحافظة على الثروة الموجودة لا تدميرها. 

 خلاصة القول هو ان هناك رخص صيد اكبر بكثير مما يتحمله البحر واقترح الصيادون على مدى الاعوام الماضية جملة من الحلول منها اولا انشاء صندوق لتعويض الصيادين عن فقدان رخصهم، ثانيا وضع شروط مثل ضرورة عمل البحار البحريني بنسب محددة مما قد يخفض من اعداد هذه السفن، ثالثا وضع قانون يحافظ على الثروة البحرية ويردع المتنفذين رابعا وضع دراسة بيئية مهنية شاملة تحدد مستوى المخزون وتقدير الكميات الممكن انتاجها بحيث تحفظ حقوق الاجيال القادمة وتحافظ على جودة الانتاج السمكي واستدامته.

 صحيح ان السير في طريق التنمية المستدامة صعب

 ويتطلب الكثير من الجهد والتخطيط والادخار والاستثمار الموجه في النواحي الانتاجية. وصحيح اننا، كما هو الحال مع الكثير من دول العالم النامي، نحتاج الى المساعدة لنتمكن من السير في هذا الطريق، لكن ان يتم تدمير الثروة وتغليب مصالح فئة صغيرة على مصالح المجتمع هي قضية لا يمكن ان يساعدنا فيها احد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *