- الثورات العربية .. اول الغيث قطرة
تاريخ النشر :3 يونيو 2011
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
بدأ العام الحالي باحداث هامة في العالم العربي قد تكون البداية لحقبة جديدة في تاريخ الامة أطلق عليها البعض الصحوة الثانية. فهل تنجح الثورات في إحداث التغيير ام انها تفشل وتعود الامة في انتظار صحوة ثالثة؟
اول هذه الاحداث كانت الثورة التونسية التي ثار فيها الشباب على الاوضاع الاقتصادية المتردية والفساد وسوء توزيع الثروة وفقدان الانسان لشعوره بالحرية والكرامة. يمكن القول بان هذه كانت عوامل مشتركة في معظم الثورات العربية.
من الصعب التعميم في التفاصيل فيما يتعلق بتاريخ الثورات العربية فلكل دولة خصوصيتها التي تنبع من ثقافتها وتركيبتها السكانية وتجاربها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن يمكن القول بان الصحوة الاولى التي بدأت في مصر في القرن التاسع عشر على يد محمد علي باشا كثورة علمية صناعية قبل اليابان والصين استمرت الى سبعينات القرن نفسه حتى افشلها الغزو البريطاني والاحتلال عام 1882. استمرت المحاولات للتغلب على هذا الوضع بثورة عرابي واتبعتها ثورة 1952 التي وضعت لنفسها ثلاثة اهداف هي الديمقراطية؛ والاستقلال الوطني والتقدم الاجتماعي؛ وبرنامج وطني تنموي صناعي.
فشلت الثورة بسبب عدم ادراكها بان هذه الاهداف الثلاثة هي في الواقع مترابطة ولا يمكن الاستمرار في احدها دون الآخر. فكانت محاولات الاصلاح من خارج الديمقراطية وليس من خلالها ولذلك فشلت في التغلغل في عمق المجتمع.
متطلبات النجاح هذه المرة تستوجب النظر الى قضيتين رئيسيتين تشترك فيهما الثورات العربية من تونس الى سوريا مرورا بمصر وليبيا واليمن هما اولا قضية الفساد وسوء توزيع الثروة، وثانيا قضية كرامة وحرية الانسان. هاتان القضيتان تتفرع منهما عدة مشاكل ولهما علاقة كبيرة بالتخلف العربي في جميع مناحي المنافسة العالمية كما انهما الاساس في فقدان الدول العربية استقلاليتها على مستوى السياسة الخارجية وقدرتها في حماية ثرواتها الطبيعية.
الان وبعد ان نجحت ثورتا تونس ومصر في كسر الحواجز وبدأتا مسيرة الاصلاح وبرزت ملامح الانفراج في كل من ليبيا وسوريا واليمن وتتحرك معظم الدول الاخرى نحو الاصلاح السياسي والاقتصادي نتساءل ماهي التحديات التي تواجه هذه الجهود في الاصلاح والتغيير وماهي عوامل النجاح في اخراج العالم العربي من المستنقع الذي استمر فيه منذ أمد. بمعنى آخر ماهو النجاح الذي ينتظره المواطن العربي والنتائج التي يتطلع اليها؟
يتطلع المواطن الى ان يتحول العالم العربي الى شريك عالمي في مسيرة التطور الانساني؛ ولاعب فاعل ومؤثر في السياسة الخارجية؛ وحارس أمين على مصالحه وحمايتها من الاستغلال الاجنبي واستباحتها؛ ويتطلع الى وطن يسوده الامن والاستقرار والتنمية المستدامة يتمتع بها جميع المواطنين. ان تحقيق ذلك يتطلب وجود منظومة -غير مجتزأة- من الاصلاحات الدستورية والسياسية والاجتماعية والادارية تحافظ على حقوق المجتمع في كل دولة وتوكد على أمور هامة هي:
اولا إخضاع السلطة التنفيذية للمساءلة والمحاسبة الحقيقية والشاملة، وفصل السلطة التنفيذية عن أجهزة الدولة للحد من هيمنتها على المجتمع واستمراء الفساد والتغطية عليه من خلال اجهزة الاعلام المنقادة لها والبرلمانات الصورية المؤتمرة بأمرها والقضاء الذي يسير في فلكها. ان السلطة التنفيذية في أي مجتمع هي قاطرة الحركة نحو التقدم وسلوكها وسياساتها ونشاطها يجب ان تُحْمى من الفساد من خلال المراقبة والمحاسبة المستمرة ولا تُترك لحسن النوايا. فقدرة المجتمع على محاربة الفساد تبدأ باخضاع السلطة التنفيذية دستويا لارادة الشعب وامكانية تبديلها بعد مدة محددة سواء كانت هذه السلطة منتخبة او معينة. ومالم ينطبق هذا الشرط فان ضمان نزاهة عملها سيكون دائما موضع شك وبذرة الفساد ستكون موجودة في داخل منظومتها لتؤدي في النهاية الى نفس مصير السلطات التنفيذية التي رفضتها الجماهير.
ثانيا: اشاعة العدالة في المجتمع وتوكيل الامر الى من هم أهلا له واعتبار تنمية الانسان هي الغاية. وهذا يتطلب نظاما سياسيا خاضعا للمساءلة والمحاسبة يرفض جميع انواع الفساد والمحسوبية ويقر بان الدولة في خدمة المجتمع وليس العكس، ووجود برلمان يمثل الشعب وقادر على ان يحمي الثروة الوطنية ومكاسب التنمية ويضمن توزيعها العادل.
ثالثا: تحرير ارادة الانظمة من الهيمنة الاجنبية وجعل شرعيتها مستمدة من شعوبها لكي تستطيع ان تبني اقتصاد منافس وتديره بما تقتضيه المصالح الوطنية بما في ذلك خلق التكامل الاقليمي والعربي والاسلامي.
رابعا: تعميم الادراك بان الأمن والاستقرار مطلب تنموي هام ومسئولية مجتمعية يسانده في ذلك جميع المؤسسات الدستورية، وللامن والاستقرار استحقاقات على الجميع ومرتكزاته العدالة والمساواة والتنمية.
اذا لم ينتج عن هذه الثورات العربية نظاما يحارب الافات المجتمعية والسياسية من فساد واستبداد وامتهان كرامته الانسان واستباحة حقوقه فانها لن تنجح في تحقيق التنمية والتقدم ولن تمكن الامة العربية من تبؤ مكانتها بين الامم وستبقى خيراتها مرهونة بالارادات الاجنبية وفي انتظار صحوة ثالثة.
ان عملية التغيير التي تمر بها الامة العربية سوف تأخذ وقتا طويلا لكي تخرج من هذا المخاض وهناك من يستعجل الامر وينظر الى تونس ومصر على انهما لم تحققا شيئ بعد، وانهما تتعرضان للخراب والدمار وعدم الاستقرار، ولكن من الطبيعي ان مثل هذه التغييرات سوف تحتاج الى وقت لكي تستقر الحياة وتجني ثمار الاصلاح الذي نتمنى ان يشمل المبادئ المذكورة سالفا. ولنتفاءل بان بوادر التغيير قد بدأت في سياسة مصر الخارجية والمصالحة الفلسطينية وفتح معبر رفح، واول الغيث قطرة.