نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الجدوى من انشاء هيئة عليا للامن الاجتماعي

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

تاريخ النشر 9 نوفمبر 2007

انطلق في 29 اكتوبر مؤتمر الامن الاجتماعي الذي ركز فيه المؤتمرون على المبادئ الاسلامية لتحقيق الامن الاجتماعي وماهية الامن الاجتماعية ومقوماته وعوامل تحقيقه: فما هي رؤيتهم؟ اشترك المؤتمرون في مفهوم واحد وهو ان العدل والتكافل الاجتماعي هما اساس الامن. كما اتفقوا على نبذ العنف والتسلط والاستبداد على انها اسباب الخلاف والفرقة بين المسلمين. وتعرض احد المشاركين الى الظواهر التي تضعف الامن وهي السلبية وعدم الشعور بالانتماء، والطائفية والقبلية والتعصب بجميع اشكاله. كما بين المؤتمرون ان المقصود بالامن الاجتماعي هو الامن من الخوف على المال والنفس والدين والنسب وتساءل في هذا الصدد احدهم حول سبب التففت والتشرذم والفرقة في الواقع الاسلامي هل هي الشعوب ام الحكام؟

خلص المؤتمر بشكل عام الى ان الامن حاجة أساسية لتقدم الانسان ورفاهيته وسعادته ويقوم على ركيزتين هما اولا العدل الذي يعطي كل ذي حق حقه وينصف المظلوم من الظالم ويحمل الناس على مبادئ العدل وقاعدته واحكامه وتشريعاته. ثانيا الحزم والجد في ضبط الامور وتصحيح الاخطاء وعدم التهاون مع ما يعكر الامن الاجتماعي في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والفكرية. ووضع المؤتمرون توصيات لتحقيق الامن الاجتماعي منها اعتماد لغة الحوار للتفاهم بين مختلف الرؤى، والابتعاد عن الاختلافات الدينية والطائفية والمذهبية، وتغليب الحس الوطني والاخلاقي على المصالح التجارية والمنافع الشخصية، والمشاركة في النظام السياسي.

وهنا نريد ان نركز على ثلاث قضايا وردت في المؤتمر وهي اولا مسئولية الفرد والمجتمع، ثانيا اهمية الحرية في طرح القضايا والحلول والحوار المفتوح، وثالثا التوصية التي وصل اليها المؤتمر من انشاء هيئة وطنية تتحمل مسئولية التخطيط للامن الاجتماعي. 

اولا مسئولية الفرد والمجتمع: يقول احد المشاركين أن الامن الاجتماعي يبدأ من داخل الانسان الفرد فاذا تحقق الامن للفرد فاض على من حوله، بينما يقول مشترك اخر بان الامن الاجتماعي يتحقق بالعدل الاجتماعي والسياسي واطلاق الحريات المنضبطة وتحقيق الكرامة الانساية للمواطن والاهتمام بالتربية الصحيحة. ويمكن النظر الى هذين الرأيين على انهما اما متكاملين او متناقضين. يكمن التكامل في تزامن اصلاح المجتمع والفرد . اما اذا اعتمدنا على اصلاح الفرد فقط وتركنا اصلاح المجتمع فان ذلك لن يوصلنا الى اي نتائج ونكون بذلك كمن يعالج مظاهر الوباء وليس اسبابه. يجب ان يكون التركيز على اصلاح المجتمع من خلال تحمل الحكومات مسئوليتها في تحقيق الامن الاجتماعي و تمكين المواطن من حرية الرأي، وتفعيل الشورى والمشاركة السياسية، والاسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوفير التعليم والخدمات الصحية لعموم المواطنين والحزم في تطبيق القانون. وهذا ما ذهب اليه الاسلام الذي اهتم بحفظ الامن من خلال قيم مجتمعية مثل العدالة والمساواة وتشريعات عادلة لحفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال. 

فالتوعية باهمية الالتزام بالقانون على انها حاجة بشرية لتفادي العقاب لا تؤتي نتائجها اذا ما سُمح لاحد الافلات من العقاب لاعتبارات خاصة، عندها ينهار احترام القانون وتتسابق الناس على مخالفته ويتباهون بذلك ويعتبرونه من الوجاهة. وهذا ما يشيع الفساد والواسطة والتزلف وبالتالي تقويض الامن الاجتماعي. فمسئولية الامن الاجتماعي مشتركة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والفرد بهذا الترتيب.

ثانيا دور الحرية في أمن المجتمع: توصل المؤتمرون الى أن الحوار والمشاركة السياسية هي من العوامل الهامة المساعدة لتحقيق الامن الاجتماعي. واهمية الحوار تاتي في تشخيص المشاكل وطرح الحلول ومعالجتها. فلا يمكن لاي متخصص معالجة قضية اذا كانت خياراته في التفكير والنقاش محدودة. فلو ان طبيبا يعالج مريضا ويرفض اهل المريض اخذ عينات من الدم للتحليل، ويرفض المريض اخذ دواء معين فان فرص الشفاء تكون محدودة. فالحوار في معالجة اسباب فقدان الامن الاجتماعي التي حددها المؤتمرون – مثل الجهل والفقر والبطالة وتفكك الاسر واهمال الشباب – هو من اهم الامور في التوصل الى التشخيص السليم والعلاج المناسب. وهنا نود ان نذكِر باهمية ما ورد في خطاب جلالة الملك حول حرية الصحافة ودورها في تنمية المجتمع وتحقيق الديموقراطية والتنمية والامن الاجتماعي.

ثالثا الجدوى من إنشاء هيئة وطنية للتخطيط للامن الاجتماعي: من العنوان يتضح أن دور هذه الهيئة سيكون استشاريا، اي انها سوف تخطط وترفع توصيات. هل بهذا الاسلوب يتحقق الامن الاجتماعي؟ هذه الهيئة لن تحقق اي شيئ مالم تكن بصلاحيات تنفيذية، وهذا امر غير ممكن بسبب حجم الاصلاح المطلوب كما يتضح من النتائج التي توصل اليها المؤتمر. وفي اعتقادي ان مسئولية الامن الاجتماعي هو جزء من مسئولية الامن القومي وتختص به الحكومات بالدرجة الاولى، فهي الجهة التنفيذية والتي لديها الصلاحيات في احداث الاصلاح والتوصيات التي توصل اليها المؤتمر. ان ترابط الامور واعتماد الامن القومي على الكثير من القضايا العالقة مثل العدالة الاجتماعية وعدالة توزيع الثروة والتنمية تجعل انشاء هيئة وطنية للتخطيط للامن الاجتماعي تجزئة للامن القومي غير مجدية، و قد يعطي الشعور بالانجاز في حين ان الحكومات لن تلتزم باي من توصياتها. وقبل ان ننشئ هيئة تخطيط فالتبدأ الحكومات بتطبيق ابسط ما ورد في توصيات المؤتمر مثل تغليب الحس الوطني والاخلاقي واشاعة العدل والمساواة والسماح بالحوار المنفتح في معالجة كل ما يقوض الامن الاجتماعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *