نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٨ يوليو ٢٠٢١

مقال الاسبوع – اصبحت جودة التعليم قضية مجتمعية تبرز في اي ندوة او مناقشة برلمانية تتعلق بسوق العمل او بتنويع الاقتصاد او الابتكار وريادة الاعمال – وبقيت كذلك على مدى عقدين من الزمن ، حان الوقت لوضع متطلبات الطالب وولي الامر وصاحب العمل والمجتمع كاساس لاستراتيجية التعليم وتقييمها وفق اطار تقييم متوازن تنشر نتائجه بدلا من الارقام عديمة المعنى التي تعلنها وزارة التربية.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1260145

عُقدت في الاسبوع الماضي “ندوة البلاد” حول قضية التعليم عن بعد والتعليم بالانتساب في الجامعات وتطرقت الى قضية التعليم وجودته بشكل عام. شارك في الندوة هيئة الجودة وبعض النواب والشوريون والجمعية الاهلية لدعم التعليم والتدريب. تركز النقاش على قرار الغاء التعليم المفتوح والانتساب الذي صدر قبل عشر سنوات. القت هذه الندوة الضوء على قضية تكاد تكون من الثوابت في المجتمع وهي جودة مخرجات التعليم وملاءمتها مع سوق العمل وكيف انها تبرز في كل ندوة او حديث عن التعليم وسوق وبالتالي تحتاج الى مراجعة.

في حالة التعليم عن بعد يرى المنتدون ان ما فرضته الجائحة كانت بمثابة الدعم لضرورة عدول الوزارة عن قرارها والسماح باستمرار التعليم عن بعد. ويروا ان السعي لجودة التعليم لا يتعارض مع هذا النوع من التعليم اذا ما تم وفق ضوابط وتشريعات ومنهجية تعليم تنظر الى الصورة الكاملة ولا تتخذ قرارا بناء على تجربة قصيرة. فمثلا يقول احد المنتدين ان التعليم عن بعد مازال يتم دون وجود تشريع ينظمه بالرغم من ان المشروع بدأ في  2004 (مدارس المستقبل). هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ان القرارات التي تؤخذ لا يتم مراجعتها وتعديلها وفق مستجدات الواقع، مع اخضاع التجربة الى بحث معمق يكشف جوانب القوة والضعف وتحديد في اي المجالات يمكن استخدامها.

توصلت المناقشة حول التعليم عن بعد (الانتساب في هذه الحالة) الى ان قرار الغائه من قبل وزارة التربية كان تراجعا لا يبرره التقدم التكنولوجي، ويتناقض مع ما تراه الوزارة من نجاح في تطبيق التعليم عن بعد، والتجربة التي خاضتها الوزارة خلال العام الحالي والمنصرم في تطببقه. وان التعليم عن بعد يمكن ان يُستخدم في الدراسات الجامعية خصوصا في التخصصات التي لا تحتاج الى التطبيقات العملية ولذا يتوجب اعادة النظر فيه.

رأى المنتدون ان الوزارة لم تكن مستعدة للتعليم عن بعد ولم تضع رؤية واضحة تحدد سياسة التعليم بشكل عام ومتطلبات كل فئة من المجتمع. كذالك رأوا اهمية مشاركة جميع المعنيين والمجتمع للمساهمة في تطوير التعليم ومناقشة التشريعات الداعمة لها، وانظمة الادارة والتقييم المساندة. التقدم التكنولوجي في الاتصالات جعل العالم يتجه نحو التعليم الهجين (حضوري وعن بعد) مع تهيئة البنية التحتية اللازمة. تتلخص الندوة في ان الحاجة اصبحت ماسة لتوضيح الرؤية وسن التشريعات لكي لا تكون العملية التعليمية عرضة للتغيير بتغير القيادات التعليمية.

طرحت الندوة عدد من الاسئلة والقضايا اهمها جودة التعليم وتعريفها. ماذا نعني بجودة التعليم وكيف يتم تقييمها؟ وما دور الوسائط المستخدمة في هذه العملية، وترى ضرورة مشاركة اولياء الامور والجهات المعنية الاخرى في وضع متطلبات العملية التعليمية والاستراتيجيات المنفذة لها. وتطرح التساؤل هل التعليم عن بعد يعوض عن التعليم الحضوري في الجامعات؟ كذلك تطرح الندوة اهمية وضرورة وجود الشروط اللازمة لنجاح عملية التعليم سواء كانت حضوريا او عن بعد او هجين، وماهي شروط الجودة في مختلف مراحل التعليم؟

من سياق المناقشة ومن ما يُطرح في الصحافة حول التعليم نرى ان جودة التعليم تتعلق بعملية التقييم والمناهج وطرق التدريس المناسبة لواسطة التعليم والتعلم. فمن جانب يرى المجتمع ان التقييم المستخدم في الوزارة يكاد يقتصر على الارقام الكمية (اعداد الناجحين واعداد المتفوقين واعداد الملتحقين، واعداد الخريجين) واعطاءها معنى كبير والقفز من هذه الارقام الى خلاصات واستنتاجات تقول بارتفاع جودة التعليم. بينما التقييم العملي والواقعي في سوق العمل وفي الجامعات يبين ان المخرجات مازالت لا تلبي الطموحات، ومن جانب اخر ان كثير من المدارس لا تحقق مستوى الجودة وتعتبر “غير ملائم”، وفق تقييم هيئة الجودة.

قضية مهمة اخرى برزت في هذه الندوة هي اهمية وضرورة اجراء الدراسات على التجارب ومراجعة القرارات وفق نتائج هذه الدراسات. فمثلا مرت البحرين بتجربة في التعليم عن بعد اضطرارا، فكيف كان الاستعداد؟ وهل توفرت لها شروط النجاح وماذا كانت النتائج؟ وماذا يعني نجاح التجربة؟ الجواب على ذلك يحتاج الى دراسة معمقة وليست مجرد آراء وتصريحات. ينبغي ان يشارك في الدراسة شرائح كبيرة من المجتمع والمعنيين في العملية التعليمية وليس الجهات الرسمية في الوزارة فقط. وقد طالب المنتدون بمؤتمر وطني لوضع رؤية واستراتيجية واضحة للتعليم تشارك فيها جميع الجهات المعنية. وقد اورد احد المشاركين التجربة الكندية كنموذج للمشاركة في وضع التصور للتعليم.

من هذه النقاط نخرج بنتيجة ان هناك قضية هامة تتكرر وهي جودة التعليم وملاءمة مخرجاته مما يدل على ان التعليم بحاجة الى عملية تقييم في جميع مراحله تقوم على منهجية موضوعية تبدأ بطرح اسئلة اساسية مثل “ماذا يريد ولي الامر من العملية التعليمية؟ وماذا يريد الطالب؟ وماذا يريد سوق العمل؟ وماذا يريد المجتمع؟ وان تستخدم هذه الاجابات لوضع رؤية واضحة، ووضع استراتيجية لتنفيذها. نجاح التنفيذ يتطلب عملية تقييم تقوم على منهجية اطارية تضمن تنفيذ الاستراتيجية على مختلف المستويات وتضع مؤشرات لتقييم وقياس النتائج، مع تحديد المسئولية الادارية والقيادية عن النتائج. كثير من الحكومات تستخدم منظومة القياس المتوازن (Balanced Scorecard) كاطار لتنفيذ وتقييم استراتيجية التعليم وفق مؤشرات تترجم متطلبات هذه الجهات الاربع الرئيسية. ينتج عن منظومة القياس هذه توضيح للعلاقة بين الاستراتيجية والاهداف والقرارات (الخارطة الاستراتيجية) ونتائجها وما تفرضه من مؤشرات متوازنة تقيم النتائج وما يؤدي اليها (lead and lagging indicators)  على مختلف المستويات. وما تفرضه من مسئولية ومساءلة عن النتائج.

drmekuwaiti@gmail.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *