بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
السبت ١٣ أبريل ٢٠٢٤
مقال الاسبوع – وضع رؤية 2050 سوف يعتمد بشكل كبير على مقدار ما نولي رؤية 2030 من تحليل وفهم اي معوقات اثرت في النتائج. كذلك هناك مفاهيم وتوجهات مهمة في رؤية 2030 مثل تقوية وتوسيع الطبقة الوسطى ينبغي ان تدرس ويوضع في الحسبان اهمية دورها المحوري في تقدم المجتمع. قضايا عدة حاولت رؤية 2030 معالجتها مازالت قائمة مثل البطالة ومستوى المعيشة. دراسة هذه القضايا ووضع المؤشرات لتقييمها عنصر مهم في انجاح الرؤية.
https://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1363799
الرؤية 2050 والحاجة الى تحليل الوضع الحالي؟
تحدثنا في مقلين سابقين (13 و23 مارس 2024 -اخبار الخليج) حول الطموحات الاقتصادية من الرؤية (هناك ايضا طموحات الدولة وطموحات المجتمع). كانت التحديات الاقتصادية الواردة في الرؤية البطالة ومستوى المعيشة والتعليم والصحة، اضافة الى ارتفاع الدين العام والزيادة السكانية. خلصنا الى ان الهدف الاقتصادي هو رفع مستوى دخل الاسرة الى الضعف في 2030.
لتحقيق الطموحات الاقتصادية وضعت رؤية 2030 هدف اقتصادي عام يتمثل في “نمو اقتصادي قوي يحقق المنفعة لشعب البحرين”. يتحقق ذلك بتعزيز دور القطاع الخاص ومن خلال تحسين الانتاجية والمهارات، تطوير وتنويع الاقتصاد بالتركيز على القطاعات ذات الامكانيات العالية، تحويل الاقتصاد تدريجيا الى اقتصاد انتاجي معرفي بالاستفادة من الفرص الناشئة الجديدة وتطوير الابتكار. التحدي الذي يواجهنا هو ان يحقق الاقتصاد نموا يفوق معدل التضخم والزيادة السكانية، وكذلك وضع سياسات اعادة توزيع لضمان استفادة الجميع من الزيادة. كل ذلك سوف يعتمد على مدى التقدم في الابتكار والانتاجية.
وضعت الرؤية سياسات لزيادة انتاجية القطاع الخاص وجعل البحريني الخيار المفضل. ولتقليل الاعتماد على العمالة الاجنبية اكدت الرؤية اهمية الاعتماد على توظيف التكنولوجيا في عمليات الانتاج بدلا من العمالة الاجنبية ذات التكلفة المنخفضة لكي يتمكن القطاع الخاص من توفير فرص مجزية للمواطنين اسوة بالقطاع المالي. ومع وجود تماسكا واتساقا بين الهدف والسياسة المتبناه في الرؤية (توظيف التكنولوجيا) نتساءل لماذا لم يصل توظيف التكنولوجيات و”جعل البحريني الخيار الافضل” الى ما نطمح اليه. مما يطرح السؤال كيف يمكن مزج دور القطاع الخاص بالقطاع العام في مفهوم الدولة الانمائية لرفع الانتاجية والابداع وخلق فرص عمل للبحرينيين؟ هذا سؤال حبذا لو تتناوله الرؤية 2050 بشيء من التحليل والتفصيل.
بالنسبة لتطوير وتنويع الاقتصاد بتشجيع الاستثمار، رأت رؤية 2030 ان تقوم البحرين بالتركيز على القطاعات ذات الإمكانيات العالية؛ وان تعمل على زيادة الناتج المحلي الاجمالي في القطاعات غير النفطية من خلال تنويع مسارات الاقتصاد الوطني مع الابقاء على القطاع المالي محركا اساسيا للنشاط الاقتصادي. هذا يطرح السؤال: لماذا لا يكون المحرك هو القطاع الصناعي الذي يعتبر من اهم عناصر الاقتصاد الحقيقي؟ صحيح ان القطاع المالي يوفر رأس المال المناسب للقطاعات الاخرى، الا ان مساهمته في التنويع الاقتصادي وفي القطاع الصناعي على مدى ربع قرن لم تكن بالمستوى المطلوب، خصوصا فيما يتعلق باقامت صناعات كبيرة موجهة نحو التصدير او التشبيك مع الصناعات الخليجية الاخرى. مثل هذه الاسئلة بحاجة الى مناقشة استعدادا لوضع الرؤية الجديدة؟ وكما وجه سمو رئيس الوزاء فان على المجتمع المساهمة في المناقشة وطرح الرؤى مستفيدين مما يتوفر من بيانات تساعده في ذلك.
فيما يتعلق بتشجيع الاستثمار في قطاعات اقتصادية وتنمية قطاعات التصدير، وضعت الرؤية مؤشرين للقياس والمتابعة، الاول معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي، والثاني مستوى مساهمة القطاعات في خلق فرص عمل واعدة. مؤشر خلق فرص عمل مهم، لكن الاكثر اهمية ان يتضح الفرق بين الاداء في السنوات السابقة والاداء الحالي، وان نبحث في اسباب البطالة التي تمثل قلقا للمجتمع والدولة. وبما ان خلق فرص العمل هو من التحديات الرئيسيية لاي اقتصاد ينبغي ان يُبحث الموضوع بعمق وبتناول مبتكر وطرح الاسئلة المناسبة. هناك الكثير من الاطروحات حول الاسباب مثل التعليم وانخفاض كلفة العمالة الاجنبية. لكن للمضي قدما المطلوب تحليل موضوعي يضع جميع الاحتمالات ويقيمها لمعرفة المعوق الرئيسي، وان توضع الحلول وبرامج لتنفيذها.
اما المؤشر الاقتصادي الاخر الذي اعتمدته الرؤية فكان “معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي”. مؤشر مهم ولكنه عام يصعب ربطه مباشرة باي من المستهدفات او المبادرات. لذلك يحتاج الامر الى مؤشرات اكثر تحديدا تعطي تقييما لحجم وتوزيع الاستثمار والتصدير والنتائج العملية المتحققة منهما. فمثلا نحتاج الى مؤشر لبيان نسبة الاستثمار في القطاعات الاقتصادية الحقيقية وخصوصا التصنيع وماهي نتائجه، ومؤشر يبين مدى التنوع في الاقتصاد. وكذلك معدل الصادرات من المنتجات الوطنية واثرها في التنوع الاقتصادي. بالاضافة الى مؤشر خلق فرص عمل في كل قطاع وتنوعها.
فمثلا من ضمن ما استهدفت الرؤية استفادت جميع المواطنين بشكل عادل من منافع النمو الاقتصادي من خلال خلق فرص عمل ذات أجور متوسطة ومرتفعة يستفيد منها جميع شرائح المجتمع؛ وتامين المساواة وتكافؤ الفرص في سوق العمل بعد القيام بمراجعة قوانينه ونظام الهجرة؛ وان يحقق النمو الاقتصادي اسسا لايجاد فرص عمل متزايدة لتوظيف جميع المواطنين الداخلين الى سوق العمل، او الانتقال الى وظائف افضل؛ وتوسعة الطبقة الوسطى التي تحرك عجلة الريادة والابتكار. هذه اهداف واضحة ومعبرة عن متطلبات المجتمع. لذلك، يتطلب الامر ان تضع الرؤية 2050 مؤشرات لتقييم تقدمنا في هذه الاهداف ومتابعتها بشكل مباشر للوقوف على مستوى تطبيق القيم والمبادئ الواردة فيها من تكافؤ الفرص والمساواة ومعايير الكفاءة والقدرة. بالاضافة الى الحاجة الى تقييم نتائج مراجعة قوانين سوق العمل وكيف اثرت في توظيف البحرينيين وقرارات التوظيف بشكل عام.
من الامور المهمة ايضا التي وردت في رؤية 2030 توسعة الطبقة الوسطى كاحد مستهدفات الرؤية. كثير من اسس التنمية تعتمد على الطبقة الوسطى، فالريادة والابتكار وتراكم راس المال البشري والاجتماعي يعتمد على مساهمة هذه الطبقة ونشاطها، فهي المحرك لتقدم المجتمع؟ حبذا لو ان رؤية 2050 تستمر في اعتماد هذا المستهدف مع وضع تعريف لمفاهيمها ومؤشرات لمتابعة التقدم فيها، وتقييم مساهمتها في تقدم المجتمع. واخيرا وضعت اجهزة الدولة المختلفة مشاريع وبرامج لتدريب ودعم وتمكين البحرينيين من فرص العمل التي يخلقها الاقتصاد، من ضمن الاستعداد لرؤية 2050 يحتاج الامر الى تقييم المشاريع والبرامج التي وضعت وكيفية رفع فاعليتها. سوف يعتمد نجاحنا في صوغ رؤية 2050 على مدى جودة التحليل الذي نقوم به وشموليته استعداد لذلك، وعلى الاستنتاجات التي نخلص اليها والتحديات والفرص التي نعتمدها ونناقشها وجودة الحلول التي تضعها كتوجهات استراتيجية.