نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

مقال الاسبوع – الرؤية 2030 قامت على نموذج اقتصادي مبني على الليبرالية الجديدة واثبت عدم ملاءمته للبحرين فهل يتغير الفكر الاقتصادي الرسمي؟ وضعت غاية اساسية مفادها “خلق مجتمع مزدهر وعادل ومتكاتبف” الى اي حد نجحنا في ذلك؟ وحددت هدف اقتصادي “مضاعفة دخل المواطن” فماذا حدث؟ وطموحات عدة الى مستوى تعاملنا معها بفاعلية؟

https://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1361975

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

السبت ٢٣ مارس ٢٠٢٤ 

الرؤية 2030 – النموذج الاقتصادي او التحديات

صدرت رؤية 2030 في 2008 وحددت الغاية وعددا من التحديات والاهداف على مختلف المستويات والمجالات. والان بعد اكثر من 15 سنة، وشروع البحرين في وضع رؤية جديدة من المفيد ان نبدأ بتحليل الوضع الحالي وبيان التحديات والمعوقات والفرص التي امامنا في تحقيق تطلعات الدولة والمجتمع والمواطن. وان نقيم ماذا تحقق واسباب تاخر تحقيق اي من التطلعات التي وضعتها رؤية 2030 للاقتصاد والحكومة والمجتمع. مثل هذه البداية سوف تفيد في خلق قاعدة انطلاق واضحة ومحددة تبني على ما تحقق.

بدأت رؤية 2030 بتوصيف الوضع العام الاقتصادي والاجتماعي وبينت ان هناك حاجة ملحة الى مشروع من الاصلاح يشمل اكثر من جانب، وتقتضي الظروف ضرورة الاسراع في اجراء الاصلاحات لكي لا تتخلف البحرين عن مسيرة التقدم.

تضع رؤية 2030 غاية اساسية وهي خلق “مجتمع مزدهر وعادل ومتكاتف” وهذه غاية سامية تتطلب منا تحديد ماذا نعني بالازدها والعدالة والى اي حد تحقق التكاتف في المجتمع، وان نضع للثلاث قيم المعالم التي يمكن ان نتابعها ونطورها. كذلك نحتاج الى تبيان اي عقبات اثرت سلبا في تحقيقها واين كانت المعوقات وماهي التحديات وكيف سنتعامل معها في المستقبل، خصوصا وان امامنا فرصة لاكمال المشوار في رؤية 2050.

شملت رؤية 2030 ثلاث مجالات هي الحاجة الى اصلاحات متكاملة، وضع رؤية اقتصادية متسقة معها، وتعريف الطموحات والاهداف والاجراءات. حددت الرؤية ثلاث مستويات للاصلاح اولها الطموحات على المستوى الاقتصادي وثانيا الطموحات على مستوى الحكومة وثالثا الطموحات على مستوى المجتمع. في هذا المقال سوف نتناول الطموحات الاقتصادية وكيف تعاملت الرؤية معها.

كما بينا فان الغاية من الرؤية خلق “مجتمع مزدهر عادل ومتكاتف”، وبالتالي فان الطموحات الاقتصادية ينبغي ان تسهم في تحقيق هذه الغاية، وينبغي بيان العلاقة والترابط بين الغاية والاهداف والمبادرات التي وضعت لتحقيق الطموحات والنتائج. وثانيا فان الهدف الاقتصادي للرؤية هو رفع مستوى الدخل الى الضعف. يتحقق من خلال سياسات او مسارات عامة تتلخص في اولا دفع عجلة النمو الاقتصادي بزيادة انتاجية القطاع الخاص؛ ثانيا جعل البحريني الخيار الامثل للعمل في الشركات ذات القيمة المضافة العالية؛ ثالثا ان يبتعد القطاع الخاص عن الاعتماد على العمالة الاجنبية لتحقيق التنافسية؛ رابعا ان يوفر القطاع الخاص فرص عمل مجزية للمواطنين وان لا يعتمد على العمالة الاجنبية ذات الكلفة المنخفضة كاساس لقدرته التنافسية؛ خامسا ان يعمل القطاع الخاص على ايجاد فرص عمل منتجة ذات اجور مجزية للمواطنين؛ سادسا ان يكون القطاع المالي معيارا للقطاعات الاخرى من حيث توفير فرص العمل المجزية للمواطنين. لكل من هذه السياسات لا بد ان توضع مستهدفات ومبادرات تحققها، ومؤشرات لتقييمها.

الاسئلة التي تبرز من هذه الاهداف هي هل تمكن القطاع الخاص من قيادة الاقتصاد؟ وماذا كانت انتاجيته في 2008 والى اين وصلت اليوم؟ وكيف تابعنا تطور هذه الانتاجية؟ السؤال الثاني هل اصبح البحريني الخيار الافضل للعمل في الشركات؟ وكيف نقيم ذلك ونتابعه؟ وهل الواقع يدعم ذلك؟ ثالثا الى اي حد تمكن القطاع الخاص من الابتعاد عن الاعتماد على العمالة الاجنبية؟ ماذا كان مستوى اعتماده في 2008 وماهو الان؟

حددت الرؤية اهم التحديات وهي ان النموذج الاقتصادي الحالي لا يتلاءم مع متطلبات التنمية الاقتصادية المنشودة ولا يتناسب مع السياسات العامة والتطلعات، والتحدي الثاني الاهم هو “عدم قدرة التعليم على تزويد الشباب بالمهارات والمعارف المناسبة”. بالنسبة للتحدي الاول رأت الحكومة ان الحل في جعل القطاع الخاص هو المحرك للاقتصاد، ماذا يعني ذلك؟ وماهي الدلائل التاريخية في البحرين التي تدعم هذه الخلاصة وماهي العلاقة المنطقية بين التحدي والحل؟ هل هو تاثرا بالفكر النيو ليبرالي ام نتيجة تحليل دقيق للوضع. ايا كان السبب فان النتيجة بعد 15 سنة لا تدعم هذه العلاقة ولم تقدم الحكومة من المعلومات والبيانات ما يبرر هذه السياسية ويدعمها. فما زال القطاع الخاص غير قادر على القيادة ولم يؤسس مشاريع كبيرة تستقطب العاطلين ولم يتخلص من العمالة الرخيصة الوافدة ولم يستخدم التكنولوجيات لرفع الانتاجية. والقطاع الخاص مازال يحتاج الى ان تاخذ الحكومة مبادرات في انشاء صناعات ومشاريع كبيرة (غير عقارية) تخلق فرص عمل وفرص للشركات الصغيرة والمتوسطة ورواد الاعمال في التشبيك معها. النتيجة مازال الاقتصاد ضعيف في خلق فرص عمل مجزية للبحرينيين، ولم يصل البحريني الى ان يكون الخيار الافضل.

بالنظر الى الدول التي تقدمت في القرن العشرين نجد ان معظمها اخذت الحكومات دور قيادي من خلال سياسات صناعية نحو التصدير ودعم مادي من البنوك مشروط بالتصدير (كوريا وتايوان وسنغافورا) وبدائل الواردات (البرازيل). هذا يجعل المراقبين يشيرون الى ان التوجه الايديولوجي نحو الفكر الليبرالي كعقيدة اقتصادية قد لا تكون مناسبة لدول نفطية كالبحرين، وثقافة تجارية متأصلة تختلف فيها طبيعة المخاطرة. لذلك فان التحدي الاول (النموذج الاقتصادي) يحتاج الى اعادة صياغة ليعكس الواقع على الارض والظروف التي تمر بها البحرين، وان يدرس امكانية التشابك مع الاقتصادات الخليجية والعربية وخصوصا السعودية والامارات. هنا نحتاج الى وضع خيارات وبدائل تستغل ميزة تنافسية تتكامل مع النموذج السعودي والاماراتي.

بالنسبة للتعليم كتحدي اخر فقد وضعت الحكومة خطط ومشاريع وبرامج غير اننا لم نرَ اي تشخيص لاسباب عدم قدرة التعليم على تزويد الشباب بالمهارات والمعارف. وقد نحتاج النظر الى خطط واستراتيجيات التعليم التي صدرت منذ 2009 وهذا موضوع اخر. 

مع تقدم الوقت برز تحدي اخر لرؤية 2050 يتمثل في الزيادة الكبيرة في عدد السكان مما وضع ضغوطا على فرص العمل وعلى الاجور والخدمات والبنى التحتية بما لا يتناسب مع الميزانية العامة. ساهم ذلك في خلق تحدي رابع وهو زيادة الدين العام والعجوزات في الميزانية العامة متاثرا بعوامل منها الزيادة السكانية والزيادة في الانفاق على الخدمات المختلفة مما فرض سياسة التعادل المالي.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *