نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الرقابة الادارية … متى تتحقق؟

تاريخ النشر : 3 يناير  2008

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

تقدم مجلس الشورى باقتراح بقانون للرقابة الادارية رفضته الحكومة وفندت ردها في اربع تحفظات (اخبار الخليج 23 نوفمبر 2007) هي اولا ان الاداء الاداري مرتبط بالاداء المالي وانه من الصعوبة فصلهما، ثانيا ان ديوان الرقابة المالية يقوم بمهام الرقابة الادارية بموجب الفصل الثالث والخامس من الدستور، ثالثا استند المقترح على الميثاق الذي يحدد اهداف عامة وليس على الدستور الذي لايشير الى انشاء ديوان الرقابة الادارية، ورابعا ان الرقابة الدستورية ومسئولية الوزير امام البرلمان يكفي لتحقيق اهداف الرقابة الادارية. وقد رد على ذلك السيد عبدالحسن بوحسين في مقال في جريدة الوسط (10 ديسمبر 2007) مشيرا الى أن اسباب تقديم المقترح هي البطئ في تقديم الخدمات وضعف الاداء بشكل عام وعدم وضع اهداف وخطط وغيرها. 

اي ان ما دفع اعضاء مجلس الشورى لتقديم مقترح بقانون انشاء ديوان الرقابة الادارية هو شعورهم بان ديوان الرقابة المالية لا يقوم بهذا الواجب بالرغم من اهميته للتنمية وانعكاساته على الاداء الاقتصادي وعلى القطاع الخاص وما يحققه من مبادئ الحكم الرشيد ومكافحة الفساد. 

وهذا ايضا مبعث اهتمامنا بهذا الموضوع. والسؤال الموجه للنواب هو: هل في تقديرهم يقوم ديوان الرقابة المالية بدور الرقابة الادارية ام لا؟ واذا كان الجواب بالنفي فما هو موقفهم وتصوراتهم لكيفية تحقيق الرقابة الادارية التي اتفق الجميع على أهميتها؟ وهل يتمتع ديوان الرقابة المالية باستقلالية كافية للقيام بالرقابة الادارية؟ وفي انتظار رد مجلس النواب نحاول الاجابة عن بعض هذه التساؤلات واهمية الرقابة الادارية في تعزيز الديموقراطية ودعم الاقتصاد الوطني ونتطرق الى ما هو معمول به في بعض دول العالم المتقدم وفي الدول العربية.

يؤكد الميثاق الوطني في الفصل الثالث العلاقة الوطيدة بين التطوير الاداري والتنمية الاقتصادية، وهذا ما تقره معظم الدراسات، وبعضها يضع الاصلاح الاداري كشرط اساسي لنجاح التنمية الاقتصادية. وبالتالي يمكن القول بان الهدف الفعلي من هذا القانون المقترح هو المساهمة في التنمية الاقتصادية التي أصبحت أكثر صعوبة بسبب المنافسة الشديدة في الاسواق الخليجية والعالمية. 

والنجاح في هذه المنافسة لا يعتمد فقط على ما تقوم به الشركات من تطوير وجهد لتحسين منتجاتها واداءها، بل يعتمد كذلك على ما تفعله الحكومات لمساعدة الشركات في تنمية قدرتها التنافسية. ولكي تتحقق هذه الغاية يتوجب ان يتصف القطاع العام  بقدر كبير من الفعالية والكفاءة والاقتصاد والعدالة والنزاهة ليكون بحق أداة من أدوات التنمية الشاملة. فهل قانون الرقابة الادارية المقترح قادرا على خلق مثل هذا الجهاز؟ وهل هناك حاجة لديوان منفصل ام ان ديوان الرقابة المالية والقانون الخاص به يكفي للقيام برقابة ادارية فعالة تحقق المساهمة في التنمية المنشودة؟ 

وقبل ان نسترسل نورد تعريفا لما نعنيه توضيحا للقارئ. الرقابة الادارية تعني التحقق من ان العمل الذي تقوم به الحكومة يحقق الكفاءة (مقدار الموارد المستخدمة مقارنة بالنتائج) والفاعلية (نسبة ما يتحقق من اهداف) والاقتصادية (توفير المتطلبات باقل تكلفة مع ضمان الجودة) والنزاهة (الاستقامة وخلو النظام من الفساد) والعدالة (تطبيق القوانين على الجميع بما في ذلك التعيينات والمحسوبية) وان يلتزم جهاز التدقيق بالحياد السياسي. وبالتالي فاننا نرى انه لا خلاف على اهمية هذا الجانب من التدقيق بل الخلاف على من يقوم به؟ وهل ما يتم يفي بالمتطلبات؟

تبين لنا من خلال دراسة مستفيضة لقوانين العديد من الدول مثل امريكا وبريطانيا وفرنسا والمغرب والاردن ومصر وغيرها، تبين انها تعتمد نظام ديوان واحد، وأن فصل ديوان الرقابة المالية عن الرقابة الادارية هي عملية غير ضرورية نظرا لترابط المهام، وانه لا توجد اي مهام في القانون المقترح غير مشمولة في قانون الرقابة المالية الحالي. كذلك بمقارنة قانون الرقابة المالية البحريني مع قوانين الدول التي تدمج الواجبين نجد انه متقدم على بعضها في وضوح تكليف ديوان الرقابة المالية لمهمة الرقابة الادارية. فمثلا في فرنسا يقوم ديوان الرقابة المالية بمهمة الرقابة الادارية مستندا فقط على عبارة عامة وردت في المادة (L111-3) تقول “التأكد من حسن استخدام المال العام”. كذلك الحال في امريكا حيث يقوم جهاز التدقيق بمهمة الرقابة الادارية بناء على قانون صدر في 1964 للتدقيق على كفاءة تنفيذ قانون مكافحة الفقر ومن ثم ثبت هذا التفويض في 1970. اما في الدول العربية فان ديوان المحاسبة في الاردن مثلا يقوم بمهمة الرقابة الادارية استنادا على المادة 13 والمادة 14 والتي تنص على تدقيق الكفاءة والاقتصادية والفاعلية وتدقيق انجاز المشاريع.  

واذ نتفق مع الحكومة على ان قانون الرقابة المالية في الفصل الثالث والخامس ينص على اهمية الرقابة الادارية ويكلف ديوان الرقابة المالية مهمة القيام بها، الا اننا نرى ان ما ينشر من تقارير ديوان الرقابة المالية لا يتضمن نتائج تدقيق اداري، وان وجود القانون لا يكفي لتحقيق رقابة ادارية سليمة وخصوصا فيما يتعلق بالفعالية والعدالة والنزاهة. ونرى ان الامر يحتاج الى ارادة سياسية ومساعدة حثيثة من مجلس النواب للدفع في اتجاه تطبيق القانون والقيام بالمراقبة الادارية حسب المعايير الدولية المعتمدة والمذكورة اعلاه خصوصا ان الدول المتقدمة اصبحت تركز عليه لمتابعة الاداء مقابل الاهداف وليس فقط سرد الانجازات والمشاريع. ولنا عودة للحديث عن مبادئ الرقابة الادارية والفرق بين الاداء والانجاز وعلاقتهما بالتنمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *