نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. السياسة الإعلامية في دول مجلس التعاون 

  تاريخ النشر :١٧ يونيو ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع: ما يحدث للامة العربية اليوم ساهمت في خلقه سياسات الاعلام التي لم تتوانى من استغلال الدين في السياسة لحشد الدعم الشعبي وعواطف المجتمعات ضد مكون اخر بدلا من معالجة المشاكل السياسية بإقامة العدالة والمواطنة المتساوية والشفافية.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13599/article/28145.html

تزداد التصريحات الرسمية ونداء القيادات في دول مجلس التعاون الخليجي، وبشكل خاص في البحرين حول أهمية الوحدة الوطنية والمحافظة عليها وعلى النسيج الاجتماعي. المخاطر المحدقة بالمنطقة تجعل المواطن يفكر ما هو السبب ولماذا تتعرض الامة العربية من دون سواها لهذه الازمات المتتالية. يؤمن البعض بأن هناك مؤامرات تحاك على الامة العربية والإسلامية. لكن المؤامرة عادة ما تحاك في الخفاء وتهدف الى تمزيق كيان متماسك من خلال زرع الخلافات والاحقاد وتأجيجها. لكن هذا لا ينطبق على الامة العربية والإسلامية فهي كفيلة بتفتيت نفسها وهدم كياناتها من دون مساعدة من أحد.

 في المؤتمر الصحفي الأسبوعي لوزير الاعلام البحريني والمنشور في 2 يونيو الحالي صرح بأن الحكومة «لن تتوانى في اتخاذ الإجراءات المطلوبة للمحافظة على الوحدة الوطنية، والحفاظ على روح التسامح والالفة والتعايش في البحرين وتحصين المجتمع من اية دعوات مغرضة». وقد لاحظنا إيقاف بعض خطباء المساجد من مثيري الفتنة، وبث بعض البرامج التلفزيونية. الملاحظ ان وزارة الاعلام مازالت تردد مقولة اننا مجتمع متسامح وموحد ولا داعي للخوف. ليسمح لنا الوزير بالاختلاف معه. نرى ان هذا الخطاب المتفائل ينبغي ان نتجاوزه ونضع خطابا واقعيا يشرح أسباب الشرخ في المجتمع. كيف سيتعامل الاعلام مع ذلك؟ وما هي خطة الحكومة لمعالجته وإخراج المجتمع من الازمة؟ لا يمكن معالجة التطرف بدون هذه المواجهة.

في مؤتمر وزراء الاعلام لمجلس التعاون الثالث والعشرين المنعقد في الدوحة في الأسبوع الماضي جدد الوزراء دعوتهم الى مواجهة الفكر التكفيري والتطرف، وتقرر ان ذلك «يحتاج الى جهد اعلامي مستمر». أقر المؤتمر اقتراح البحرين بشأن التحرك المشترك وإيجاد منصة تنفيذية بين دول لمجلس لزيادة فاعلية التحرك الإعلامي. فما هي اهداف هذا التحرك؟ وماهي الرسالة التي سيوجهها الى المواطن الخليجي؟ هل هي الدفاع عن سياسات الدول في المنطقة ام الدفاع عن الشعوب الخليجية والتصدي للتعصب الديني الذي أصبح يمثل خطرا أكبر على المنطقة؟ يقول البيان ان التحرك سيكون موازيا للتحرك السياسي؟ فما هو هذا التحرك السياسي وفي أي اتجاه؟ وهل هو استمرار لما يحدث ام انه نهج وتوجه جديد يسعى الى قطع دابر التطرف الديني وإغلاق منابعه وأصوله الفقهية؟ 

 في هذا التصور الجديد الذي ننتظره بعد شهر نتمنى ان تتغير النبرات التي تركز فقط على المكتسبات. بالرغم من اهمية المكتسبات، فإنه ينبغي تقييمها بواقعية وإعطاء الاعلام دورا اكبر في شرح أسباب فشل دول المجلس في تطوير كيان متماسك يقوم على التكامل السياسي والاقتصادي والانفتاح والإصلاح لمشاركة الشعوب في قراراته. نأمل ان ينتج عن هذا التصور إحداث تغيير في الخطاب الديني ومناهج التعليم يصاحبه إصلاح سياسي يجنب المنطقة ويلات الصراع والتصعيد في التوترات الطائفية. المشاركة السياسية وحدها ستكون حجر الزاوية للأمن الخليجي ومدخلا للتسامح. لا بد من تغيير الذهنية التي تخاطب المواطن، لأن ذهنية المواطن ومستوى وعيه قد تغيرا ويحتاجان الى خطاب يرتفع الى مستواه الفكري والتعليمي والسياسي. علينا ان نعيد النظر في هذا الخطاب الذي لم يعد يقنع المواطن. ما وصل إليه الوضع يتطلب مكاشفة ومصارحة وتحولا في التوجهات وفي التعامل مع المواطن ومع الثروة .

 الى ان يحين ذلك الوقت نرى، وبالذات في البحرين، ان الجهد المطلوب سيكون مضاعفا بسبب طبيعة المجتمع البحريني المتنوع، نحتاج الى جهد مضاعف ليس فقط على المستوى الرسمي بل الاهم على المستوى الأهلي. مطلوب ان تقوم تجمعات وطنية وشخصيات بمحاصرة الإرهاب والتعصب الديني وجميع اشكال التعصب الذي يخلق من الانسان فردا غير متسامح يمتلئ بالأحقاد والكراهية المدمرة. المواجهة تحتاج الى أكثر من جبهة. نحتاج الى مواجهة على المستوى الإعلامي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي لاجتثاث الإرهاب ومحاربة التعصب المولد له.

 احداث المنطقة والتهديدات المصاحبة لها وما ينتج عنها من توتر تتطلب معالجة شاملة. لم يعد يكفي الاعتماد على عبارات نرددها بأن شعب البحرين متسامح ومتعايش! على الحكومة والاعلام بشكل خاص ان تتجاوز هذه المقولة وتعمل بواقعية وتضع في الاعتبار ان التغيير الذي يحدث في الوطن العربي يؤثر على المجتمعات الخليجية، وان هناك في البحرين من المخاطر ما يدعو الى تحديدها وفهمها ومعالجتها من خلال فتح نقاش مجتمعي حولها في وسائل الاعلام. فمثلا خطباء المساجد مازالوا غير مدركين لأهمية الوحدة الوطنية، والدعوات التحريضية مازالت تخرج من المنابر.

 القضية الأخرى المهمة التي ترفع مستوى التوتر هي تحويل الصراعات السياسية في المنطقة الى صراعات دينية. هذه الصراعات التي تشن تهدف أساسا الى تحقيق مكاسب سياسية ونفوذ او هيمنة او تأمين مصالح نفطية. لكن نجد ان رجال السياسة وقيادات بعض الدول يحولون هذه الصراعات الى صراع ديني مذهبي لحشد الدعم لمواقفهم السياسية. ينخدع بذلك بعض رجال الدين الذين لديهم استعداد فطري لتأجيج الصراع المذهبي. تحويل الصراع الى ديني مذهبي يخدم قوى استعمارية أرادت تفتيت المنطقة أو قوى إقليمية تريد الهيمنة، لكن نتيجته ارتفاع مستوى التعصب والكراهية في أوساط المجتمع. لذا على وزارة الاعلام ووزارة العدل والأوقاف ان تنبها خطباء المنابر لهذا الخطر وعدم تقديم خدمات مجانية لمن يسعى الى تفتيت الامة والهيمنة على قرارها ومقدراته. فالخطاب في المنابر لتدمير طائفة او هلاك ملة ليس بالخطاب الحضاري المتسامح أيا كانت مسوغاته. لكنه مازال يمارس في المساجد ولن يقف ما لم تأخذ الحكومة مبادرة لوقفه.

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *