نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

2 يناير ٢٠٢٣ 

مقال الاسبوع- التزايد السكاني في الخليج كان حاجة تنموية اصبح تهديدا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا- فكيف تتعامل معه دول الخليج وكيف ينبغي ان يكون التعامل؟ الطفرة السكانية في فئة الشباب لا يستفيد منها الخليج في ريادة الاعمال والابتكار لان ذلك يحتاج الى انفتاح سياسي واجتماعي. والان بدأ المجتمع يشيخ بزيادة فئة ما فوق 65 وهذا مؤشر غير مشجع وينذر بتراجع تنموي.

السياسة السكانية في منطقة الخليج العربي

في تقرير المركز الاحصائي الخليجي الصادر في نهاية ديسمبر الماضي تبين ان سكان دول الخليج تناقصت بمقدار مليون نسمة تقريبا في 2021 عن 2020، وان اجمالي عدد السكان بلغ 56.4 مليون نسمة بما يعادل 0.7% من سكان العالم، وان نسبة المواطنين 60% بمعدل نمو 1.7% سنويا، وهذه نسبة اكبر من الزيادة في المتوسط العالمي (اقل من 1.0% عام 2020). تشمل هذه الزيادة العمالة الوافدة، وتشكل ضغط على الاقتصاد والبنى التحتية. كما بين التقرير ان العمر الوسيط في دول المجلس ارتفع من 30 سنة الى 31.4 سنة، اي بداية توجه نحو شيخوخة المجتمع، فقد بلغ نسبة ما فوق 65 سنة 3% واخذة في الازدياد لاسباب غير طبيعية، فقد تضاعفت ثمان مرات في الفترة من 1980 الى 2020، بينما فئة ما دون 15 سنة تتناقص، ما يعني ضرورة وجود سياسة سكانية تهدف الى التعامل معها.

ترتبط التنمية بطرق متعددة بالتغييرات السكانية؛ ويمكن إضافة التحولات التي تطرأ على النظم الديموجرافية عند الانتقال من معدلات مرتفعة إلى معدلات منخفضة من الوفيات والمواليد إلى قائمة التغييرات الهيكلية التي تؤثر في عملية التنمية. قد تكون العبرة في كيفية وطبيعة النمو السكاني، والهيكل العمري، وما تتخذه الدول من سياسات تنموية مدعومة بسياسات للرعاية والحماية الاجتماعية وتنمية رأس المال البشري والاجتماعي الذي تمثله هذه الزيادة، وليست العبرة في الزيادة في حد ذاتها. العوامل التي اثرت في زيادة التعداد السكاني في العالم تنحصر في انخفاض معدلات الوفيات وزيادة الخصوبة. وهما نتيجة التنمية وتحسين الاوضاع الاقتصادية وانتشار التعليم والرعاية الصحية- كما ان التصنيع فتح فرص اكبر للحراك الاجتماعي، وتقليل عدد الاطفال.

اما بالنسبة لدولنا الخليجية فان ارتفاع مستوى السكان بين المواطنين هو العامل الاهم. لكننا نرى ان الفئة العمرية ما دون 15 سنة اخذت في التناقص. فبعد ان كانت تمثل 31% في عام 2000 اصبحت الان اقل من 23.3%. هذا التناقص يشير إلى بدأ مرحلة شيخوخة المجتمعات دون الاستفادة القصوى من فئة الشباب لأحداث طفرة تنموية إنتاجية. الطفرة السكانية في الفئة ما دون 15 سنة (الطفرة الديمغرافية) يعني ان فئة 15-24 الشبابية لديها مخزون يغذيها. ومتى ما توفرت خطط تنموية تستفيد من هذه الطفرة فان المجتمعات في طريقها نحو تنمية تقوم على زيادة العمالة وزيادة الريادة في الاعمال وزيادة الابتكار بين هذه الفئة، وبالتالي فهي مؤشر ايجابي في احداث تنمية انتاجية. لتحقيق الاستفادة لا بد من تعزيز ذلك بسياسات الانفتاح الفكري والسياسي، وتظافر ذلك مع قدرة على استخدام الصناديق الاستثمارية بحكمة لخلق مشاريع تنموية تستفيد من الطفرة السكانية الشبابية.

غير ان الفئة الشبابية (15-24) في الدول الخليج تضاعفت مايقارب اربع مرات (3.848) منذ 1980، نتيجة لتزايد العمالة الوافدة من هذه الفئة الشبابية والمواطنين الجدد من الدول العربية والاسيوية. تعتبر هذه الظاهرة من اهم الاخطار على هوية دول الخليج ومستقبلها السياسي والاقتصادي كما حذر الأمير تركي الفيصل في محاضرة ألقاها بنادي الاحساء الثقافي في الأسبوع الأخير من ديسمبر 2021.

كذلك شهدت دول الخليج زيادة في الفئة “العاملة” (15-64)، فقد تضاعفت بمتوسط 8.258 مرات منذ 1980. خصوصا في قطر والامارات حيث تضاعف العدد 16.8 مرة و 11.5 مرة على التوالي، والبحرين وعمان 6 مرات تقريبا. اقل زيادة في الكويت بمتوسط 4.1 مرات. بشكل عام فان الزيادة في دول الخليج كبيرة مقارنة بباقي الدول العربية (البنك الدولي). هذه الزيادة الكبيرة هي نتيجة وجود العمالة الوافدة والتي غالبيتها ذكور، وهي احد تجليات الخلل السكاني في المنطقة.

تعتبر الفئة العمرية فوق 65 سنة غير عاملة وتشكل عبءا على الفئة العاملة وارتفاع مستوى الاعالة (كما فئة الاطفال) بالاضافة الى ما تتطلبه من رعاية صحية وعناية خاصة، ومع ذلك فقد تضاعف عددها سبع مرات (7.06) في الفترة من 1980-2020. هذه الزيادة اعلى من المتوسط العربي (3.49 مرة) بكثير، وتعود في معظمها الى العمالة الوافدة والجاليات الاخرى التي يبدو ان نصيب هذه الفئة منها ليس بالقليل. ومع مواصلة مستوى الخصوبة  في الانخفاض، وتقلص الحجم النسبي للفئة العاملة، وتزايد فئة المتقاعدين فان الامر يبدوا اكثر صعوبة وحاجة لسياسة سكانية حصيفة وسياسة تنموية ابتكارية. اي ان الخليج سوف يواجه مرحلة تتطلب اعتبار كبار السن ليس فقط مستفيدين من الرعابة الاجتماعية والضمان الصحي بل ايضا عناصر فاعلة في التنمية، يحتاج وضع تصورات لكيفية مساهمتهم في الاقتصاد والاستفادة من خبراتهم.

تحتاج الدول الخليجية الى نظام تقاعد وضمان صحي يتناسب مع متطلبات هذه الفئة ويؤمن لها حياة كريمة. في نفس الوقت فان الاستفادة من هذه الفئة كمخزون من الحكمة والخبرة والتجربة يتطلب سياسات فاعلة تؤمن الاستفادة من هذه الخبرات. هذه التحولات الديمغرافية (زيادة عدد الشباب وزيادة فئة كبار السن) يمكن ان يؤثر ايجابيا في التنمية. من السياسات التي تجعل هذه الفئة فاعلة تشجيع الادخار تحسبا للشيخوخة بالنسبة للمقتدرين، وتطوير ادارة صناديق التقاعد وادارة الاستثمار لتحسين ظروفهم وتخفيف العبء على الفئة العاملة التي تتقلص. ان وضع سياسة تكفل تأمين حياتهم المادية سوف تمكنهم من اسداء النصح والارشاد للفئة الشابه النشطة، والمشاركة في الانشطة التطوعية، ورفد بيوت الخبرة والاستشارة بمخزونهم من التجربة العملية والعلمية.

في غياب مثل هذه السياسات قد تعيش هذه الفئة من المتقاعدين في تهديد بانتشار الفقر بينها وتزايد الطلب على الخدمات الصحية. كذلك من المهم جدا تطوير التعليم والاصلاحات الفكرية والسياسية لرفع قدرات الابتكار والريادة في الشباب لرفع انتاجيتهم لتتمكن من توفير التمويل اللازم للاهتمام بفئة كبار السن. اي ان هذا الوضع يفرض سياسات سكانية وتنموية وفكرية متكاملة للعناية بكبار السن وبالشباب لتحقيق العلاقة التكافلية في المجتمع.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *