نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الصراع المذهبي ليس مصلحة عربية 

  تاريخ النشر :١٥ أبريل ٢٠١٥ 

 بقلم: د.محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- الصراع المذهبي في المنطقة ليس في صالح العرب والتصدي له واجب وطني وواجب قومي

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13536/article/17523.html

 تعصف بالوطن العربي أزمات متعددة منها السياسية والاقتصادية ولكن أخطرها على الاطلاق الازمة الطائفية. مظاهر هذه الازمة لا تحتاج إلى دليل ولكن يكفي ان ننظر إلى مجالات التواصل الاجتماعي لكي ندرك ان المجتمعات انساقت خلف نداء الطائفية والصراع المذهبي، كل طرف يعزز موقفه بقنوات فضائية ومقتطفات من أفلام مجتزأة أو فقرات من التاريخ تثبت ان الطرف الآخر هو المخطئ أو انه على ضلالة. اختلطت هذه الازمة بأزمات سياسية ومشاريع قومية بحتة مثل المشروع الإيراني الذي تسعى من خلاله إلى بسط نفوذها في منطقة الخليج العربي وفي مناطق عربية أخرى.

 هذا التمدد الإيراني الذي اثار الدول والمجتمعات يستخدم الطائفية والأقليات المذهبية في المنطقة كورقة لتسويق مشروعها القومي الفارسي. كما استخدمت أمريكا نفس الورقة لتقسيم المنطقة وإثارة النزعات الانفصالية سواء في العراق أو في السودان وغيرها. المشروع الإيراني والامريكي وغيرهما من المشاريع هي جزء من الصراع السياسي في المنطقة يهدف إلى توسيع النفوذ وتحقيق مصالح قومية على حساب الآخرين. ولا يختلف في ذلك الأمريكي عن التركي عن الإيراني. 

 التصدي لهذه المشاريع في المنطقة واجب وطني تحتمه مصالح الامة، لكن المشكلة هي تحويل هذه القضية السياسية إلى أزمة مذهبية تعصف بشعوب المنطقة وتقسم مجتمعاتنا إلى فئات متصارعة تضعف من قدرتها على وضع مشروعها الوطني والقومي وتعطل التنمية وجهود الاصلاح. الإيرانيون استخدموا المذهبية كاستراتيجية لإضعاف المجتمعات والدول وتحقيق النفوذ الذي تسعى اليه.

 انجر العرب إلى المصيدة عندما ساهموا في اللعبة الطائفية وإذكاء الصراع المذهبي. المجتمعات والأنظمة العربية تتحمل جزءا من المسئولية في عدم حصر الخلافات التي تحدث، سواء كانت بين الدول أو بين الأنظمة والشعوب في اطارها الصحيح وهو الإطار السياسي الذي تحكمه المصالح والمكاسب وتوازن القوى.

 هذا الخلط بين ما هو سياسي وما هو مذهبي واستمرارنا في إذكاء الخلافات بين الدول العربية وفي المجتمع الواحد هي مساهمة مجانية تصب في مصلحة كل من يريد تفتيت المنطقة والنيل منها ولا يخدم الشعوب العربية ولا أنظمتها وان بدا كذلك على المدى القصير. وليس ادل على ذلك من النشوة التي تشعر بها إسرائيل إزاء ما يحدث في الامة العربية من صراعات داخلية وخلافات بين الدول. 

 الدول التي تجيد اللعبة السياسية لا تتوانى في اتخاذ القرارات التي تخدم مصالحها. فتركيا التي قبل أيام اطلق رئيسها أردوغان التصريحات النارية ضد إيران وقياداتها، نراه بعد أيام في زيارة رسمية لإيران يعقد معها الصفقات التجارية تحسبا لما سيحدث بعد الاتفاق النووي.

 مواجهة الاخطار التي تحدق بالعالم العربي تتطلب التعامل معها بواقعية ومن منطلق اننا نعيش في عالم تحكمه المصالح ويحكمه السلوك المنطقي الموصل إلى هذه المصالح، ولا يحتكم إلى القيم والمثل العليا. القيم قد تكون دليلا تهتدي بها الحكومات في تعاملها مع شعوبها اذا أرادت إقامة مجتمعات سليمة ومتعافية ومتصالحة داخليا. مثل هذه القيم تقوم على الموضوعية وتقوم على المواطنة المتساوية. في المجتمعات العقلانية يتم مناقشة مثل هذه القضايا التي تؤثر على مستقبل الامة بانفتاح من دون تخوين أو حجر. 

 التنافس بين الدول يقوم على الواقعية والمصالح، هذا النوع من التعامل يحتاج إلى مجتمعات تدرك أهمية المصالح، ويحتاج إلى دول تعمل من اجل هذه المصالح. ما يحدث في العالم العربي هو تغليب المصالح الفئوية والأيديولوجية والقبلية على المصالح الوطنية المشتركة، لذلك لا تجد القوى الخارجية صعوبة في اختراق المجتمعات ودق اسفين بينها وبين الحكومات والأنظمة وخصوصا في ظل وجود التخلف والفقر والبطالة. 

 اننا نلعب بالأوراق التي تستفيد منها إيران وغيرها عندما نستحضر الخلافات المذهبية، هذه الخلافات ينبغي ان تناقش وتعالج بشكل علمي منطقي عقلاني. لكن في مجتمعاتنا يصعب إيجاد بيئة مناسبة لمثل هذا النقاش لذلك يجب ان ينحصر النقاش بين المتخصصين. لكن بأي حال من الأحوال لا ينبغي ان تستحضر هذه الخلافات في المجتمع وفي وسائل التواصل الاجتماعي بشكل غير واع وغير مدرك للأخطار التي تثيرها مثل هذه الخلافات، وخصوصا في مجتمع سمعي لا يدقق ولا يمحص المعلومات والروايات ويعتبر الرواية التي تعزز موقفه وتعصبه هي الحقيقة الكاملة وما عداها باطل. نحن مجتمعات لا تعتد بالدليل ولا تطلبه بل نقيم مواقفنا أولا ومن ثم نستحضر ما يعززها ونرفض ما يدحضها. هذا السلوك غير العلمي وغير المنطقي هو المنهج الذي يتبعه غالبية الناس بغض النظر عن خلفيتهم دينية كانت أو أيديولوجية أو قبلية. 

 تلك المقدمة اوردناها لنبين انه ليس من مصلحتنا اعتبار التحالف ضد الحركة الحوثية على انه تحالف «سني»، ففي مصر مسيحيون، وفي دول مجلس التعاون شيعة. كما انه ليس من مصلحتنا اعتبار داعش حركة إسلامية، فإنه ليس من مصلحتنا اعتبار الحركة الحوثية على انها مذهبية (بدليل وجود الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح معها) بل هي حركة سياسية تمادت في تحركاتها وأصبحت تهدد الامن والسلم في المنطقة. خطر هذه الحركات سيكون اقل لو اننا توقفنا عن الصراع المذهبي الذي تذكيه هذه الحركات السياسية التي تدعمها إيران واعتبرناها حركات سياسية يتم التعامل معها على المستوى السياسي وان لزم الامر العسكري من دون اقحام الإسلام والدين والمذهب في الصورة قسرا. وفي غياب المشروع القومي العربي ستبقى الصراعات العربية الجانبية والخلافات المذهبية هي التي تحرك الشعوب وتستقطب المجتمعات. 

 mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *