نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الضمان الصحي.. تطوير أم ضرورة مالية؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :٨ يونيو ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

مقال الاسبوع- النظام الصحي الجديد هل يستفيد منه المواطن العادي ام انه توفير حكومي؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13956/article/25080.html


تاريخ البحرين الصحي طويل وقد رصده الباحث الأستاذ خليل المريخي والآن يضيف المجلس الأعلى ووزارة الصحة صفحة جديدة وانعطافة تحتاج إلى متابعة وتقييم. النظام الصحي الذي يعمل المجلس على تطبيقه في البحرين من خلال مشروع بقانون للضمان الصحي الذي وصل إلى مراحله النهائية قد يكون نقلة مهمة في توفير الخدمات الصحية. 
والسؤال هل سيعالج هذا النظام المشاكل والقضايا الصحية التي تواجه المواطن في حياته اليومية؟ أم انه جزء من إعادة هيكلة الميزانية؟
التفكير في الملف الصحي يدعو إلى النظر إلى المجتمع البحريني على انه شرائح مجتمعية تختلف في مدى قدرتها على الاستفادة من الخدمات الصحية العامة.
أولا: هناك فئة يتعاملون مع العيادات الخاصة والمستشفيات الخاصة، تشمل هذه الفئة موظفي الدولة والمتقاعدين بالإضافة إلى رجال الأعمال. بعض من هذه الفئة ميسور ماديا ويتحمل التكاليف من دون عناء. غير ان كثيرا منهم، (مدنيين وعسكريين، عاملين ومتقاعدين) يلجأون إلى هذه الخدمة الصحية الخاصة والمكلفة بسبب صعوبة أو تعذر استخدام الخدمات العامة إما بسبب المسافة (ينطبق كذلك على العسكريين القاطنين في مناطق بعيدة عن الرفاع) وإما بسبب عامل الوقت والازدحام على مستشفيات وعيادات المراكز الصحية، أو بسبب عدم الرضا عن أسلوب التعامل أو جودة الخدمة المقدمة في المستشفيات العامة، والشكوى هنا ليس بالضرورة من مستوى الأطباء أو العلاج ولكن من الخدمة ما بعد العلاج أو التعامل مع المريض كإنسان أثناء المراجعات والانتظار. 
ثانيا: الفئة الثانية تلك التي ليس لها خيار إلا المستشفيات العامة وأحيانا تلجأ مجبرة إلى العيادات الخاصة لتلقي علاج معين أو لأخذ رأي آخر ويشكل ذلك عبئا كبيرا على ميزانيتها. هناك كذلك فئة تحتاج إلى علاج خارج البحرين، وإذا كانت من التي ليست لها «واسطات» مساعدة، فإنها تتحمل معاناة كبيرة للحصول على الموافقات اللازمة وقرار سفرها من قبل الجهات المعنية.
إذا نظرنا إلى مستوى الرواتب في البحرين نجد ان كلفة العلاج في العيادات والمستشفيات الخاصة مرتفعة نسبيا وتشكل عبئا حقيقيا على معظم المواطنين، وإذا ما اضطر المواطن الى زيارة العيادات الخاصة فإنّ ذلك يربك ميزانيته. ويتعرض لهذ الإرباك الموظفون والعسكريون وبعض رجال الأعمال والمتقاعدون.
إذن، أهم المشاكل التي تواجه المواطن أثناء التعامل مع الخدمات الصحية قد تكون مشاكل فنية ناتجة من المستوى الطبي والتقني، ومشاكل تتعلق بالمساواة والعدالة في توفير العلاج في الخارج واعتماده في كثير من الحالات على علاقات خاصة، ارتفاع تكاليف العيادات الخاصة بالنسبة إلى الطبقة الوسطى التي تعتمد عليه بشكل كبير. كذلك هناك مشاكل متعلقة بزيادة الضغط على مرافق الخدمات الصحية ومنها طول الانتظار في المراكز الصحية والعيادات العامة وكذلك مواعيد العمليات، جودة المعاملة في مرافق الصحة العامة، العناية ما بعد العلاج. هذه بعض ما يشتكي منه المواطن. فهل سيعالج النظام الصحي الجديد هذه القضايا وغيرها؟ 
النظام الجديد كما يبدو يحاول ان يزاوج بين امتيازات الخدمات الصحية المقدمة من القطاع الخاص من حيث الجودة والاهتمام بالمريض على انه زبون يطالب بأعلى مستويات الجودة بالإضافة إلى كونه مريضا يريد علاجا، وبين القطاع العام الذي يتعامل مع المريض من واقع مسؤولية الدولة عن صحة المواطن.
يواجه النظام الصحي في البحرين تحديات كبيرة تتطلب حلولا جديدة. من هذه التحديات الزيادة في عدد السكان من دون وجود سياسة سكانية واضحة متفق عليها بل قرارات أحادية. لذلك فإنّ المتوقع ان يبلغ عدد السكان في 2030 مليون وسبع مائة ألف. أضف إلى ذلك الزيادة في اعداد المسنين والمصابين بأمراض مزمنة مع كبر السن مما يتطلب معاملة خاصة. مستوى الإنفاق الصحي الحكومي في عام 2015 وفق الميزانية بلغ 327 مليون دينار. عدد السكان 1.314 مليون نسمة مع الأجانب، لذلك فإنّ الكلفة للفرد 250 دينارا سنويا تقريبا. وإذا اعتبرنا البحرينيين فقط (634774 نسمة) فإنّ الكلفة للفرد البحريني تبلغ 500 دينار سنويا. بحلول عام 2030 قد تزداد الكلفة إلى الضعف فقط بسبب زيادة السكان المتوقع ان تصل إلى 1.7 مليون نسمة، ناهيك عن الزيادة في أسعار الأدوية وزيادة الرواتب ومستوى المعيشة بشكل عام. من ذلك يتضح حجم التحدي المادي الذي تواجهه وزارة الصحة.
هذه التحديات الفنية، والمالية بشكل خاص تأتي في ظروف اقتصادية غير مؤاتية. فالدولة بدأت في رفع الدعم ورفع أسعار الطاقة وفي طريق تنفيذ ضريبة القيمة المضافة وزيادة الرسوم، كل ذلك من شأنه ان يرفع من غلاء المعيشة وسيصبح من الصعب على المواطن تحمل تكاليف الطب الخاص الذي تجبره الأوضاع الحالية على استخدامه وخصوصا للأطفال والرضع. يقود ذلك إلى ضرورة التفكير الجدي في استدامة النظام الصحي. هذا يتطلب إصلاحا جذريا يشمل التنظيم والتمويل، كما يتطلب تفكيرا مختلفا وتناولا جديدا لمشكلة الصحة.
للتعامل مع المتغيرات المالية تم التعاقد من البنك الدولي لإجراء دراسة وتقدم البنك بنظام هو أساس مشروع قانون الضمان الصحي الذي تم إعلانه. سوف يقدم المشروع بقانون إلى الحكومة قريبا حسبما أعلن المجلس الأعلى للصحة، وقد يُعرض على المجلس النيابي في الدورة القادمة.
فهل النظام الصحي الجديد سوف يعالج هذه التحديات المالية والفنية والاجتماعية؟ وما تأثير التعقيدات التي تضيفها العمالة الوافدة من جهة والزيادة السكانية غير المنتظمة الناتجة من السياسة السكانية من جهة أخرى؟ هذا ما يحتاج إلى نقاش وحوار.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *