- الضمان الصحي تطوير وتوفير مالي
تاريخ النشر :٢٢ يونيو ٢٠١٦
بقلم: د. محمد عيسى الكويتي
الضمان الصحي خطوة على الطريق الصحيح ولكنها تحتاج الى المزيد من التطمين بعدم رفع تكاليفها على المواطن.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/13970/article/27277.html
تناولنا في مقال سابق أهم المشاكل التي تواجه المواطن أثناء التعامل مع الخدمات الصحية ولخصناها في مشاكل تتعلق بارتفاع تكاليف العيادات الخاصة بالنسبة للطبقة الوسطى التي تعتمد عليها بشكل كبير. اضف إلى ذلك زيادة الضغط على مرافق الخدمات الصحية ومنها طول الانتظار في المراكز الصحية والعيادات العامة وكذلك مواعيد العمليات، جودة المعاملة في مرافق الصحة العامة، العناية ما بعد العلاج، المساواة والعدالة في توفير العلاج في الخارج واعتماده في كثير من الحالات على علاقات خاصة، هذه بعض ما يشتكي منه المواطن. فهل سيعالج النظام الصحي الجديد هذه القضايا وغيرها؟ كذلك طرحنا سؤالا حول الهدف من الضمان الصحي: هل هو تحسين الخدمات أم استجابة لحالة التقشف في البلد؟
في المؤتمر الصحفي الذي انعقد قبل أيام، وضح رئيس المجلس الأعلى للصحة أن الهدف ليس ماديا بالدرجة الاولى، وإن كان متوقعا تقليل التكاليف بسبب السيطرة على الهدر، فمن تجارب دول اخرى مثل كوريا اتضح ان التوفير بلغ 27%، لكن مع ذلك، فإن الهدف هو الارتقاء بمستوى الخدمات الطبية في البحرين.
من المزايا التي يتمتع بها النظام الجديد: أولا: تتولى الحكومة التأمين على جميع المواطنين ويتحمل أصحاب الاعمال التأمين على المقيمين. هذا التأمين يمنح المواطن اختيار طبيب الاسرة مما يخلق منافسة بين المراكز الصحية والاطباء لجذب «الزبائن»، وبالتالي يؤدي إلى تحسين الخدمات المقدمة للمريض وخصوصا ان القطاع الخاص سوف تتاح له فرصة المنافسة في تقديم الخدمات الصحية.
ثانيا: النظام سوف يخفف الضغط على المستشفيات والخدمات الصحية مما قد يمنح المريض وقتا اطول مع الطبيب كما سيخفف الضغط على الخدمات المصاحبة مثل المختبرات والاشعة وسوف يؤثر في تقصير مدة المواعيد.
ثالثا: المشروع يرتكز على مركز معلومات صحية وإدارة المعرفة، أهم عنصر فيه بالنسبة للمريض هو ملفه الإلكتروني الذي يضع امام الطبيب جميع المعلومات المتعلقة بالمريض والوصول إلى نتائج علاجية افضل، كما يتيح للمريض الانتقال من طبيب إلى آخر من دون الخوف على فقدان تاريخه الطبي.
رابعا: النظام يمنح المواطن خيارات في نوع الخدمة الصحية التي يريدها في اكثر من رزمة صحية. هناك الرزمة الاساسية التي بموجبها يحصل المواطن على جميع الخدمات الصحية التي يحتاج إليها، وهناك رزم اختيارية تشمل اضافات أو كماليات. إذا كان المواطن من ميسوري الحال ويرغب في تحسين الخدمة الصحية له ولعائلته يمكنه اختيار إحدى الرزم الاختيارية على ان يساهم في قيمة الخدمة.
سوف يتم تطبيق النظام الصحي في 2019 وفق برنامج يتكون من اربع مراحل تنتهي قبل ذلك. المرحلة الاولى تسعى إلى تطوير الهيكل المؤسسي لتقديم الخدمات الصحية وتمويلها وإدارتها، ثانيا تغيير آلية التمويل (إلى نظام تأمين)؛ ثم تطوير الخدمات الصحية للمرضى، وأخيرا تغيير آلية عمل مقدمي الخدمة بحيث تصبح المستشفيات والعيادات مستقلة إداريا وماليا عن وزارة الصحة وتبقى خاضعة لها في تنفيذ السياسات وتقييم النتائج والمحاسبة، على ان تلتزم مؤسسات تقديم الخدمات بمبادئ الجودة والعدالة والكفاءة وحرية الاختيار والنوعية، يسعى من خلال ذلك إلى تعزيز ثقة المرضى بالنظام الصحي ورفع جودة الخدمات مع متابعة وقياس دوري لمستوى هذه الجودة.
غير ان النظام يطرح بعض الاسئلة حول ما يتطلبه مستوى الرقابة على المؤسسات الصحية الخاصة في رفع فاتورة التشخيص وتعريض المريض لكثير من الفحوصات التي قد لا تكون ضرورية. قد يمكن تقنين ذلك من قبل المجلس الأعلى لكن هناك قضية خشية الاطباء من المقاضاة في حالة حدوث قصور في التشخيص، قد يلجأ الطبيب إلى زيادة الفحوصات ليحمي نفسه من المقاضاة فهل التشريعات الموجودة كافية للتعامل مع ذلك؟ كذلك هناك اشكالية محاولة العيادات الخاصة زيادة الفاتورة من خلال كثرة التحويلات بين التخصصات المختلفة حتى مع عدم وجود الضرورة لذلك وتعريض المريض لعناء أكبر.
السؤال الاهم من الناحية المادية هو ان النظام كما يبدو اليوم مجاني بالكامل للمواطن، لكن سوف يُطلب من المواطن دفع رسوم بسيطة، في الوضع المادي المتواضع للمواطن فإن مثل هذه الرسوم قد تكون ثقيلة وخصوصا لمن له اطفال ويُكثر التردد على المستشفيات. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى هناك مخاوف من انه مع حالة التقشف، ان تزداد هذه الرسوم تدريجيا لتصبح نسبة من قسط التأمين يدفعها المواطن، لذلك يحتاج الامر إلى ضمانات لتطمين المواطن.
من جهة اخرى، ونتيجة لتحمل أصحاب الاعمال كلفة المقيمين فإنه سوف تنخفض كلفة تقديم الخدمات الصحية على الدولة وتتحقق استدامة الخدمات الصحية على المدى البعيد. في المقابل فإن تحويل الكلفة إلى أصحاب الاعمال سوف يحول هذه الكلفة إلى المواطن، ومن الصعب وضع ضوابط لمنع ذلك، اي ان النظام قد يساهم في الغلاء.
من المبادئ التي سوف تساعد في تحسين الخدمة هو ان التنظيم الهيكلي يفصل مقدم الخدمة (العيادات والمستشفيات والمراكز الصحية والاطباء) عن واضع السياسة والرقابة (المجلس الأعلى ووزارة الصحة) وتتعامل الوزارة مع مقدمي الخدمة على انهم ممولون وليسوا جزءا من الوزارة. هذا التنظيم الهيكلي يحرر قيادة الخدمات الصحية من المتابعة اليومية ويمنحها الوقت للتركيز على وضع السياسات والمتابعة والتقييم والمحاسبة وتحسين مستوى الحوكمة وضبط التكاليف وإدارة التراخيص لمقدمي الخدمات الصحية. بذلك يمكن لوزارة الصحة اتخاذ موقف حيادي تجاه تقييم مقدمي الخدمة ومحاسبتهم. ومن جهة اخرى فإن النظام سوف يمنح المستشفيات والمراكز الصحية صلاحيات اكبر في إدارة خدماتهم وتحسين مرافقهم وصيانتها.
mkuwaiti@batelco.com.bh